صحة طالباني تربك المشهد السياسي في العراق.. وتضعه أمام المجهول

برهم صالح أبرز المرشحين لخلافته في الرئاسة.. و4 قياديين بينهم زوجته مرشحون لزعامة حزبه

الرئيس جلال طالباني لدى استقباله رئيس الوزراء نوري المالكي قبيل إدخاله لطالباني المستشفى مساء أول من أمس (بي يو كيه ميديا)
TT

تضاربت التقارير، أمس، حول صحة الرئيس العراقي جلال طالباني منذ أن أعلن عن دخوله مستشفى مدينة الطب في بغداد مساء أول من أول من أمس بعد نهار تعب طويل كان من ثمراته اللقاء برئيس الوزراء نوري المالكي بعد قطيعة استمرت أكثر من شهرين. ومع تكرار الإعلان من قبل مصادر إعلامية مرة وطبية مرة أخرى عن وفاته سريريا فقد نفت رئاسة الجمهورية مثل هذه الأنباء، مؤكدة أن حالته التي كانت «حرجة للغاية» طوال الليل ومع ساعات الصباح بدأت بـ«التحسن التدريجي».

ففي بيان رئاسي صدر عن مكتبه جاء فيه: «بذل الرئيس جلال طالباني خلال الآونة الأخيرة جهودا مكثفة بهدف تحقيق الوفاق والاستقرار في البلاد. وبفعل الإرهاق والتعب تعرض فخامته إلى طارئ صحي نقل على أثره مساء الاثنين 17 ديسمبر (كانون الأول) 2012 إلى المستشفى في بغداد، حيث يقوم برعايته كادر طبي متخصص».

وفي آخر نشاط له كرئيس للجمهورية التقى طالباني مساء أول من أمس رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعد ترقب طويل، للتباحث معه حول سبل تفكيك الأزمة السياسية التي تعصف بالعراق منذ أكثر من سنة، واتفقا على تهدئة الأوضاع والبحث عن آلية تفعيل المبادرات والجهود السلمية لاحتواء تداعيات الأزمة ميدانيا، تمهيدا لجلوس الأطراف المعنية بها على طاولة الحوار لحسمها وإنهائها، وطلب الرئيس العراقي من المالكي المبادرة بتوجيه دعوة رسمية إلى الوفد الكردي للعودة إلى بغداد لاستئناف المفاوضات وتطبيع الأوضاع في المناطق المتنازعة، قبل الدخول في مؤتمر حوار شامل لحل الأزمة السياسية العامة بالعراق.

واتصلت «الشرق الأوسط» بقيادي مقرب من طالباني للاستفسار عن صحته فأكد بحدود الساعة الثانية ظهرا أن الرئيس دخل مرحلة الغيبوبة، وليست هناك أي إشارة مؤكدة من أطبائه حتى الآن ما إذا كان سيفيق منها أم لا، مشبها حالته الصحية بما أصاب بها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الذي طالت فترة غيبوبته وقال: «الحالة هي نفسها، ولا ندري هل سيطول الأمر لأيام أو شهور أو حتى لسنوات».

لكن وزيرا كرديا يرافق الرئيس طالباني في المستشفى أكد مساء أمس أن «حالة الرئيس مستقرة، ومنذ ساعتين تسير نحو التحسن». وقال الدكتور خير الله بابكر حسن وزير التجارة العراقي الذي يرافق طالباني بمستشفى مدينة الطب ببغداد إن طاقما طبيا من أكفأ أطباء العراق يشرف على مراقبة وضع الرئيس إضافة إلى فريقه الطبي الخاص، وهناك فريق طبي ألماني يتوجه حاليا إلى العراق للمشاركة في معالجة الرئيس، مضيفا أن «الفحوصات أجريت له بالأشعة تظهر استقرار حالته الصحية، وأن جميع أعضائه تعمل بصورة اعتيادية، وأنه استعاد وعيه، ولكن الأطباء أعطوه دواء ليستريح حاليا». وقال إن «الفريق الطبي ينتظر 48 ساعة أخرى من المراقبة لكي يقدموا تقريرهم النهائي عن الوضع الصحي للرئيس».

من جهته، أكد قيادي كردي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، أن «وضع الرئيس مستقر نسبيا، لكنه قلق بالتأكيد»، مشيرا إلى أن «هناك فريقا طبيا متخصصا يشرف عليه في وقت تمت فيه تهيئة فريق طبي ألماني وهو جاهز لإمكانية نقله إما إلى أربيل أو ألمانيا لاستكمال العلاج لكن هذا يتوقف على قرار الأطباء فقط».

هذا في ما يتعلق بصحة الرئيس الذي كان أجرى عدة عمليات جراحية وفحوصات في ألمانيا استمرت لثلاثة أشهر عاد بعدها بمنتصف شهر سبتمبر (أيلول) الماضي ليستأنف نشاطه السياسي متفاجئا بتطورات الأزمة السياسية ودخولها معتركا صعبا تطلبت منه بذل جهود كبيرة بعد رحلة علاجه.

أما في الجانب السياسي وخاصة ما يتعلق بخلافته في منصبيه، الرسمي في العراق كرئيس للجمهورية ومنصبه الحزبي في كردستان كأمين عام الاتحاد الوطني، فرغم أن هذه المسألة أثيرت أكثر من مرة في أوقات سابقة، لكنها عادت الآن لتطرح نفسها مرة أخرى على صعيد الحدث المفاجئ وخاصة من قبل الأوساط السياسية، فيما عدا قيادة الاتحاد الوطني التي ما زالت بادية عليها عدم الاستعداد أو الاكتراث لما ستؤول إليه أوضاع الحزب في حال فراغ موقع طالباني. وبحسب مصدر قيادي في الاتحاد فإن «جميع قيادات الحزب ترددت وما زالت تتردد من طرح هذه المسألة على طالباني، خشية إغضابه أو إزعاجه رغم أن للعمر أحكاما وأن الموت سنة الحياة». وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط» إنه لا مشكلة في خليفته بموقع رئاسة العراق، فالدكتور برهم صالح سيكون هو الشخص الأكثر تأهلا وحظا لاحتلال ذلك الموقع، بحكم علاقاته الجيدة مع الأطراف العراقية كافة، ودبلوماسيته وخبرته كرجل دولة، وكونه وجها مقبولا دوليا وإقليميا، ويستطيع برهم أن يكمل الولاية الحالية للرئيس طالباني وهي من حصة الاتحاد الوطني إذا لا قدر الله توفي الرئيس أو عجز عن أداء مهامه الرسمية حسبما يقتضي الدستور.. ولكن المشكلة في زعامة الحزب.

وسألته «الشرق الأوسط» لماذا لم يستعد الحزب لتعيين خليفة للأمين العام وقد تقدم به العمر، وكانت هناك فرصة لذلك في المؤتمر الأخير الذي انعقد عام 2010؟ فأجاب: «هذه مشكلة مزمنة داخل الاتحاد الوطني، في السابق كان هناك نوشيروان مصطفى نائبا لطالباني.. وكان هو الشخص المؤهل لتسلم موقع طالباني في حال حدوث أي طارئ، ولكنه خرج من الاتحاد وتركه من دون خليفة مقبول». وتابع: «الوضع معقد كثيرا، فالخلافة تتأرجح بين ثلاثة أو أربعة أشخاص بقيادة الحزب، هناك نائبا الأمين العام، الأول دكتور برهم صالح الذي سيحاول المرشحون الآخرون وتكتلاتهم الحزبية قدر الإمكان إبعاده عن المنافسة بإرساله إلى بغداد ليحتل موقع طالباني في رئاسة العراق، أي التخلص منه كي لا ينافسهم، وهناك كوسرت رسول وهو رجل مريض، ولو لم يكن مريضا لكان أجدر المرشحين لخلافة طالباني، وهناك أيضا حرم الرئيس السيدة هيرو إبراهيم التي تحتل اليوم عضوية المكتب السياسي، لذلك لا أحد يدري إلى من تتوجه الأنظار لإنقاذ الاتحاد الوطني من هذه المحنة التي ستؤثر بشكل كبير على الحزب، وأتوقع أن تزداد فرص السيد كوسرت لاحتلال موقع الزعامة لأنه قدم الكثير لهذا الحزب».

وعلى صعيد المشهد السياسي العراقي لا أحد يعرف كيف يمكن أن تسير الأوضاع بعد طالباني. فعلى الرغم من وضوح الدستور العراقي في هذا الأمر في حال خلو منصب الرئاسة فإنه وبسبب ما تعانيه العملية السياسية من أمراض أهمها عدم وضوح حتى ما هو واضح وصريح فإنه ليس بوسع أحد أن يتكهن ماذا يمكن أن يحصل. فالفقرة ثالثا من المادة 72 من الدستور العراقي تنص على أن يحل نائب رئيس الجمهورية محل رئيس الجمهورية عند خلو منصبه لأي سبب كان وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما من تاريخ الخلو. قد تستمد هذه الفقرة في الدستور العراقي أهميتها من إجرائيتها فقط لكن واقع الحال يبدو أمرا مختلفا. فالمنصب من حصة القومية الكردية ومن القومية الكردية هو من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني.