صفقة «إكسون موبيل» للتنقيب عن النفط تهدد بإشعال حرب عربية - كردية

المالكي حذر الشركة الأميركية من العمل في منطقة متنازع عليها

TT

مع حشدهم جيوشهم أعلى جانبي الحدود المتنازع عليها بين جنوب العراق وشماله، بدأ الزعماء في بغداد وإقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي يحذرون من أنهم قريبون من الدخول في حرب أهلية، يمكن أن يكون السبب في إشعالها شركة «إكسون موبيل».

ورغم أن الزعماء من كلا الجانبين يجرون مفاوضات من أجل الرجوع خطوة إلى الوراء بعيدا عن الحافة، فإنهم يقولون أيضا إن جيوشهم يمكن جرها بسهولة إلى معركة، وأحد الفخاخ الأكثر حساسية هي شركة «إكسون»، التي تستعد للتنقيب عن النفط في الأراضي المتنازع عليها التي تعتبر في صميم المواجهة العسكرية القائمة، ليصبح النزاعان السياسيان الأكثر قابلية للانفجار في العراق — وهما النزاع على الأرض والنزاع على النفط — على وشك الاشتعال.

ويقول سامي العسكري، وهو عضو في البرلمان ومقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي: «لقد كان رئيس الوزراء واضحا: إذا وضعت شركة (إكسون) إصبعا واحدا على هذه الأرض، فإنها ستواجه الجيش العراقي. نحن لا نريد الحرب، ولكننا سنذهب إلى الحرب، من أجل النفط ومن أجل السيادة العراقية».

ورفعت الجماعات العرقية الكبرى في العراق مزاعم متضاربة عن أحقيتها في هذه الأرض الممتدة عبر الجزء الشمالي من البلاد، بين إقليم كردستان وجنوب العراق. وهناك «خط سيطرة» غير رسمي ودائم التغير يقسم المناطق المتنازع عليها، وهو يرسم الحدود الجنوبية للأراضي الخاضعة للحكم الكردستاني.

وقد بدأت هذه الأزمة بعد معركة جرت وقائعها يوم 16 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في بلدة طوزخورماتو، التي يعتبر تنوعها السكاني والتوترات العرقية التي تشهدها علامة مميزة في جميع المناطق المتنازع عليها. واندلع القتال عندما حاولت قوة فيدرالية إلقاء القبض على بائع وقود كردي، فاستنجد الأخير بالجنود الأكراد المعروفين باسم البيشمركة، مما نتج عنه تبادل إطلاق نار بين القوات المتعادية. وسرعان ما أصدر المالكي ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أوامرهما بتحرك آلاف التعزيزات إلى خط السيطرة من أجل حمايته ضد أي اختراق محتمل. وقال بارزاني في كلمة وجهها إلى قواته المتمركزة على الخطوط الأمامية: «نحن لا نريد الحرب، ولكن إذا جاءت الحرب، فإن كل الشعب الكردي مستعد للقتال».

ويشعر الأكراد العراقيون بالخوف من ذكريات حملات التطهير العرقي الوحشية التي كان يطلقها صدام حسين ضدهم، وبعد سقوط نظامه، قاموا بالإشراف على إقامة استقلال حقيقي في شمال العراق، إلى أن أصبح إقليم كردستان حاليا يتسم بكثير من سمات الدولة المستقلة: حيث تقدم حكومة الإقليم جميع الخدمات العامة، وتدير قوات الشرطة والأمن الخاصة بها، وترفع علمها الرسمي. إلا أن كثيرا من جيران إقليم كردستان في جنوب العراق يشكون من أن الأكراد يتشبثون بأراض ليست من حقهم، وتقول السلطات في بغداد إنها اضطرت إلى تحريك آلاف الجنود من الجيش العراقي من أجل منع المزيد من التجاوزات الكردية. وذكر مسؤول عسكري رفيع في بغداد طلب عدم ذكر اسمه بسبب الحساسيات السياسية: «هذه الأزمة الأخيرة منحت مكاسب للأكراد. إنهم يسيطرون الآن على أراض لم تكن لديهم من قبل».

ويقول القادة العسكريون في بغداد وإقليم كردستان إن القتال قد يبدأ بسبب هفوة واحدة، وفي بعض المناطق القريبة من مدينة كركوك — التي يوجد بها حقل نفط هائل وتعتبر محور النزاعات على هذه الأراضي — لا يفصل الجيش العراقي عن قوات البيشمركة سوى أقل من ميل. وأوضح الضابط العسكري من بغداد أن الجيش العراقي سوف يفتح النار في حالة حدوث واحد من ثلاثة سيناريوهات: إذا كان البيشمركة هم البادئون بإطلاق النار، أو إذا تقدموا إلى ما وراء مواقعهم الحالية، أو إذا بدأت شركات النفط في العمل داخل المناطق المتنازع عليها. وتابع مؤكدا: «إذا فعلوا هذا، فإنه يعتبر إعلانا للحرب. سوف يكونون هم من بدأوا».

ولا تعتبر شركة «إكسون» هي الشركة الوحيدة التي أبرمت صفقات نفطية في المناطق العراقية المتنازع عليها، غير أن عقودها هي الأكثر إثارة للجدل نظرا لمكانة الشركة الكبيرة وموقع مربعات الاستكشاف الخاصة بها، حيث تقع في أقصى الحدود الجنوبية من التفسير الموسع الذي يتبناه إقليم كردستان العراق لأراضيه.

ولم تفعل إدارة الرئيس أوباما شيئا يذكر من أجل إثناء شركة «إكسون» عن إبرام تلك الصفقات، كما لم تتخذ أي إجراء من أجل منع الشركة من التنقيب العام المقبل، وذلك بحسب كثير من المسؤولين الأميركيين. وذكر واحد من هؤلاء المسؤولين، رفض الإفصاح عن اسمه بسبب حساسية الموقف، أن الولايات المتحدة ليست لديها سلطة «منع أناس لا يخالفون القانون الأميركي».

وفي المقابل، فإن العقود التي أبرمتها شركة «إكسون» مع إقليم كردستان تتضمن أطرا زمنية صارمة، حيث كشف مسؤول قريب من الشركة وعلى علم مباشر بخططها عن أنها ستشرع مع بداية عام 2013 في إجراء الدراسات المسحية وغيرها من الأعمال الميدانية في المربعات المتنازع عليها، وتنوي الشركة البدء في أعمال الحفر الاستكشافية الصيف المقبل. وذكر هذا المسؤول — الذي اشترط عدم ذكر اسمه بسبب الحساسيات السياسية — أن إدخال تغييرات على هذه الأطر الزمنية ينبغي التفاوض عليه مع إقليم كردستان. وامتنع متحدث باسم شركة «إكسون» عن التعليق على نوايا الشركة، غير أن عملاقة النفط لها سمعة كبيرة في الالتزام بما تنص عليه عقودها، وقبل البدء في أعمال الحفر، تتصاعد عمليات الاستكشاف من الأنشطة المبدئية البسيطة مثل مسح التربة إلى المشاريع الأكبر حجما مثل إنشاء الطرق والمعسكرات.

وبينما تقوم شركة «إكسون» بتكثيف هذه الأنشطة، فإن كلا من المالكي وبارزاني لديه عوامل سياسية تحفزه على عدم التراجع عن موقفه. ويؤكد مستشارو المالكي أن إقليم كردستان لديه ما يخسره أكثر من نشوب حرب أهلية، حيث إن ما جذب الشركات الأجنبية إلى الإقليم هو ما يتمتع به من حالة أمنية ممتازة، في حين أن الشركات التي استثمرت في جنوب العراق فعلت ذلك وهي تتوقع مخاطر اندلاع العنف. وأوضح العسكري، المقرب من المالكي: «نجاحهم كله مبني على افتراض أنها منطقة آمنة. ولكن بدلا من ذلك، فسوف تكون منطقة نزاع».

* خدمة: «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»