طالباني.. يداوي العملية السياسية في العراق وهو عليل

كان من أبرز ضحايا صدام لكنه رفض توقيع أمر إعدامه

TT

لا أحد في بغداد أو كردستان، لا خصوما ولا مؤيدين، يريد وفاة الرئيس جلال طالباني الذي يحمل على كاهله وبالذات ركبته التي يعاني من آلام مبرحة بسببها 79 عاما قضى أكثر من 60 عاما منها في العمل السياسي. فهذا الرجل الذي اشتهر بحب النكتة وروايتها كما اشتهر بحب شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري حتى صار أحد رواة شعره وجد نفسه أول رئيس جمهورية منتخب في العراق الديمقراطي بعد رحيل سلفه صدام حسين ونظامه عام 2003.

طالباني الذي لم يوقع على قرار إعدام خصمه اللدود صدام حسين (أعدم أواخر عام 2006) كان واحدا من أبرز ضحايا نظام البعث الذي استمر في السلطة لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن مرة بصفته كرديا ومرة بصفته طالباني نفسه السياسي المحنك الذي كانت أول مهمة له خارج كردستان مبعوثا إلى بغداد من قبل الزعيم الكردي التاريخي ملا مصطفى بارزاني إذ ذهب مع الوفد العراقي المفاوض مع جمال عبد الناصر دون تفويض من بارزاني الأب.

طالباني الذي كان يستثنيه صدام حسين دائما من قوانين العفو لم ينزل في القصر الرئاسي الخاص بصدام حسين مكتفيا بمنزل في حي الجادرية خارج المنطقة الخضراء يتخذه مسكنا ومكتبا.. فيه يلتقي السياسيين ويقيم الولائم ويروي النكات حتى على نفسه.

وعلى مدى أعوام ظل طالباني يسير على حبل مشدود قوامه خلافات تاريخية مرة بين المركز والإقليم أو العرب والأكراد أو حتى السنة والشيعة ومرة خلافات مستحدثة لأسباب تتعلق بمبدأ تداول السلطة في ظل عملية سياسية ظلت تعاني منذ ولادتها بعد عام 2003 من سلسلة من الأمراض المزمنة. ولم تجد هذه العملية من طبيب قادر على علاجها ولو بالمزيد من المسكنات التي تبدو مقبولة من الجميع سوى جلال طالباني مع أن الرجل يعاني بخلاف زملائه الأصحاء من السياسيين سلسلة من الأمراض. تلك الأمراض التي جعلته يمضي هذا العام وحده بضعة شهور في ألمانيا للعلاج بينما ظل يمضي خلال السنوات الماضية فترات علاج في مستشفى «مايو كلينك» في الولايات المتحدة الأميركية تعقبها فترات نقاهة تستمر لأسابيع.

مع ذلك وبسبب عجز الكتل والقادة السياسيين عن تخطي أزماتهم السياسية الحادة والمستمرة فإنهم يعمدون دائما إلى نقل خلافاتهم السياسية في غرف «العناية المركزة» إما في البرلمان أو الحكومة. اليوم دخل طالباني نفسه غرفة العناية المركزة بمستشفى مدينة الطب ببغداد بينما لم يتمكن رئيس وزرائه نوري المالكي ونائبه في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح من الدخول إليه في تلك الغرفة بقرار من الأطباء. أصبح الآن للأطباء سلطة منع المالكي من اختراق غرف المرضى الحصينة في وقت لا يزال فيه الجيش الاتحادي يقف في طوزخورماتو بمواجهة قوات البيشمركة.. هذه القوات التي ينتمي إليها طالباني قلبا وقالبا مع أنه خلع بخلاف حليفه مسعود بارزاني بزتها المميزة لينتمي إلى عالم السياسة من أوسع أبوابها بما في ذلك حصوله على منصب النائب الأول لمنظمة الاشتراكية الدولية.

وفي حال غاب طالباني عن المشهد السياسي فإن السؤال الصعب هو: من أين يأتي طبيب بمستوى طالباني يداوي «العملية السياسية» وهو عليل؟