تونس: مصدر من رئاسة الدولة يعلن عن تعديل وشيك في حكومة الجبالي

رئيس «المؤتمر من أجل الجمهورية» لـ «الشرق الأوسط»: أحداث سيدي بوزيد شكل من أشكال الثورة المضادة

حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية أثناء استقباله مارتان شولتز رئيس البرلمان الأوروبي في تونس أمس (أ.ف.ب)
TT

أعلن مصدر في رئاسة الجمهورية التونسية، أمس، عن تعديل وزاري منتظر سيتم الإعلان عنه في الساعات المقبلة. وقال رئيس الديوان الرئاسي عماد الدايمي، في تصريح أمس لراديو «شمس إف إم» المحلي، إن هناك إجراءات جديدة ستتخذها الحكومة المؤقتة خلال الـ48 ساعة المقبلة.

وأضاف الدايمي أن الائتلاف الحاكم، الذي تقوده حركة النهضة الإسلامية مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل من أجل العمل والحريات، بصدد دراسة التعديل الوزاري خلال هذه الفترة، وسيقع الإعلان عن الإجراءات الجديدة في وقت لاحق.

وكان الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي قد دعا في خطاب له في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى تقليص الحقائب الوزارية وتشكيل حكومة تكنوقراط للدفع سريعا ببرامج التنمية في البلاد في أعقاب الاحتجاجات وأحداث العنف التي هزت محافظة سليانة غرب العاصمة، والتي شهدت سقوط أكثر من 200 جريح.

وأثارت دعوة المرزوقي انتقادات من داخل حركة النهضة الإسلامية، التي تقود الائتلاف الحكومي بتشكيلة وزارية تضم نحو خمسين وزيرا، هي الأضخم في تونس منذ الاستقلال.

وتعاني الحكومة التونسية المؤقتة أصلا شغورا منذ عدة أشهر بعد استقالة وزير الإصلاح الإداري، محمد عبو في يونيو (حزيران) الماضي، ووزير المالية، حسين الديماسي في يوليو (تموز) الماضي، وهما ينتميان إلى حزبي المؤتمر والتكتل المشاركين في الائتلاف الحكومي.

إلى ذلك، أصدر الرئيس التونسي أمس عفوا رئاسيا عن المئات من المساجين التونسيين. وجاء في بيان رئاسي أن المرزوقي أصدر عفوا عن 1900 سجين من بينهم 29 سجينا أجنبيا ممن جرت محاكمتهم في قضايا غير خطيرة وقضوا المدة الأكبر من فترة عقوبتهم بالسجن.

ويأتي العفو الرئاسي بمناسبة الاحتفاء بالذكرى الثانية للثورة التونسية في 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010.

من جهته، قال محمد عبو، الأمين العام لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، أحد شركاء الائتلاف الثلاثي الحاكم إن الأحداث التي عرفتها مدينة سيدي بوزيد، مهد الثورة التونسية، أول من أمس، هي «أحداث مؤسفة ومفتعلة» في حق رموز نضالية وطنية. وانتقد الخطة الأمنية التي اعتمدتها قوات الأمن خلال احتفالات الذكرى الثانية لوفاة محمد البوعزيزي، مؤجج الثورة التونسية.

ووصف عبو لـ«الشرق الأوسط» الأحداث التي عرفتها مدينة سيدي بوزيد بأنها شكل من أشكال الثورة المضادة.

وأبدى عبو استياءه من عدم وجود خطة أمنية محكمة تحول دون تعرض رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان للهجوم المباغت من المحتجين. وقال إنه من الضروري في مثل هذه الظروف أن توضع خطة أمنية متكاملة لإجلاء الشخصيات القيادية وحمايتها من أي اجتياح ممكن.

ودعا عبو إلى فتح تحقيق فوري في تلك الأحداث خاصة بعد دعوة بعض الأطراف السياسية إلى مقاطعة الاحتفالات والتظاهر السلمي احتجاجا على الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. وقال إن كل من يعارض الاحتفال بذكرى تحرير التونسيين من الظلم والقهر والاستبداد لا يمكن أن يكون إلا من أنصار الثورة المضادة. وبشأن مطالبة سكان مدينة سيدي بوزيد بالتنمية والتشغيل، قال عبو إن الحكومة مطالبة بالإسراع في إنجاز المشاريع المعطلة وتشخيص واقع تلك الجهة وبقية الجهات، وتطهير الكثير من إداراتها التي لا تزال تمثل أوكارا للفساد، على حد تعبيره.

وذكر عبو بأن حزب المؤتمر من أجل الجمهورية اشترط إجراء إصلاحات سياسية وتنفيذ تعديلات وزارية لمواصلة العمل ضمن الائتلاف الثلاثي الحاكم، واعتبر أن وجهة النظر التي تبناها حزب المؤتمر كانت صائبة إذ اتضح أن المناطق الداخلية من البلاد غير راضية على أداء الحكومة، ولا تزال تعتبر أن وضعها الاجتماعي والاقتصادي لم يتغير نحو الأفضل بعد سنتين من اندلاع الثورة.

وفي ذات السياق، انتقد عبو رفع شعار «ارحل» في وجه المرزوقي وبن جعفر، وقال إنه من الصعب بعد سنتين من الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي المستبد أن يطالب أي تونسي بعودة تلك المنظومة الظالمة. وانتقد عبو الجماهير التي اعتلت المنصة التي كان عليها الرئيسان وسط هتافات تطالب بطردهما. وكان شريط فيديو قد انتشر في صفوف رواد شبكة الإنترنت تظهر مجموعة من الأفراد المنسوبين إلى تيار أنصار الشريعة السلفيين في سيدي بوزيد وهم يرفعون شعار «ارحل»، وهو ما يشير إلى أن السلفيين يتبنون عمليات الاحتجاج ضد المرزوقي وبن جعفر.

وينتظر التونسيون منذ نحو أربعة أشهر إجراء تعديل وزاري على حكومة الجبالي. وكان منتظرا أن يلتقي الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس المجلس التأسيسي) يوم الجمعة المقبل برؤساء أحزاب الائتلاف الثلاثي الحاكم لتناول موضوع التحوير الوزاري والتقليص من عدد الوزراء. وقال عبو إنه من المنتظر أن يتم الإعلان على التركيبة الجديدة للحكومة قبل نهاية شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.

على صعيد آخر، أعلن رئيس البرلمان الأوروبي أمس لوكالة الصحافة الفرنسية، أن الحكومة التونسية تسعى إلى مزيد من التعاون الاقتصادي مع أوروبا وخصوصا لاحتواء الآثار الخطيرة للأزمة التي تشهدها البلاد بعد عامين من الثورة.

وقال مارتن شولتز الذي وصل إلى تونس أمس «لدي انطباع أن السلطات تسعى جاهدة إلى التعاون الاقتصادي الذي تحتاج إليه لتطوير القدرة على النمو». وأضاف: «علينا أن نفهم كأوروبيين أن تعاوننا الاقتصادي مع تونس ينبغي أن يكون أقوى بكثير»، معتبرا أن هذا البلد هو شريك رئيسي يرغب في الدمج بين «تقليده الإسلامي ومجتمع تعددي حديث».

وأوضح رئيس البرلمان الأوروبي أن رئيس الوزراء التونسي حمادي الجبالي قائلا: «يدرك الضغط الذي تشهده البلاد» والتوقعات «الهائلة» للسكان.

إلى ذلك، تظاهر ناشطون سلفيون أمس للمطالبة بالإفراج عن رفاق لهم اعتقلوا في الأشهر الأخيرة بعد أعمال عنف، وخصوصا الهجوم على السفارة الأميركية في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وقال نبيل نصري، المتحدث باسم المتظاهرين لإذاعة «موزاييك إف إم»: «عبرنا عن مطالبنا لعدد من المسؤولين، لكنها لم تجد آذانا مصغية. إننا نتجمع اليوم للمطالبة بالإفراج عن إخواننا الموقوفين من دون محاكمة بعد أحداث السفارة الأميركية».

وطالب المتظاهرون الذين احتشدوا أمام مقر بلدية منزل بورقيبة، بفتح تحقيق حول مقتل اثنين من الموقوفين السلفيين محمد بختي وبشير قلي متهمين بالاشتراك في الهجوم على السفارة الأميركية، وتوفيا في نوفمبر بعد إضراب طويل عن الطعام.

وطالبوا أيضا السلطات بفتح تحقيق حول التعذيب الذي تعرض له كما قالوا آدم بوقديدة، السلفي الآخر الذي اعتقل على أثر مواجهات مسلحة مع الشرطة في فبراير (شباط) 2012 في وسط شرق البلاد.

وطالبت المجموعة، من جهة أخرى، بتوضيح الإجراء القضائي الذي يستهدف زعيمها أبو إياد بسبب الهجوم على السفارة الأميركية في 14 سبتمبر الماضي. ومنذ ذلك الحين تلاحق الشرطة أبو إياد الذي لم توجه إليه التهمة بعد.

وقال المتحدث باسم المتظاهرين إنهم هددوا بنقل الاحتجاج إلى العاصمة التونسية وينوون اللجوء إلى «وسائل أخرى» للضغط من أجل إيصال مطالبهم.

واستفاد أبو إياد من العفو الذي صدر بعد ثورة 2011 على غرار عدد كبير من ناشطي التيار السلفي. ويعتبر أحد قادة مجموعة تونسية مقربة من حركة طالبان الأفغانية ومتهمة بتنظيم الاعتداء الذي أدى إلى مقتل أحمد شاه مسعود قبل يومين من اعتداءات 11 سبتمبر 2001.