الجزائر: احتجاج على وجود متعاونين مع الاستعمار الفرنسي ضمن الوفد المرافق للرئيس هولاند

مئات «الحركيين» ممنوعون من زيارة بلدهم الأصلي بسبب «ماضيهم المخزي»

TT

أبدى تنظيم جزائري ينتمي لما يعرف بـ«الأسرة الثورية»، معارضة شديدة لوجود جزائريين عرفوا بتعاونهم مع الاستعمار الفرنسي ضد ثورة التحرير (1954 - 1962)، ضمن وفد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي يبدأ اليوم زيارة رسمية للجزائر.

ويلقي التاريخ المشترك بين البلدين، بثقل واضح على هذه الزيارة التي يريدها البلدان محطة لطي صفحة التوتر بينهما.

وذكرت «المنظمة الوطنية لأبناء الشهداء» في بيان أمس، أن الرئيس هولاند «يستعد لزيارة بلد المليون ونصف المليون شهيد رفقة وفد من الحركيين والأقدام السوداء، متجاهلا ومتناسيا ما ارتكبه هؤلاء في حق الشعب الجزائري من مجازر بشعة، وانتهاك للحرمات وتدمير المنشآت»، في إشارة إلى فترة استعمار البلاد التي دامت 132 سنة (1830 - 1962).

ودعا التنظيم المعروف بولائه للأنظمة المتعاقبة على حكم البلاد، إلى «اعتراف فرنسا رسميا بجرائمها التي اقترفتها بحق الشعب الجزائري الأعزل، إبان الحقبة الاستعمارية». وقال: إنه «ينبه السلطات إلى ما ستتركه زيارة الحركيين والأقدام السوداء بالجزائر، من مخاطر وآثار سلبية وضغينة بين الشعبين الجزائري والفرنسي». ويقصد بـ«الحركيين» الجزائريون الذين حاربوا في صفوف الجيش الاستعماري، ضد ثورة الجزائر والذين تعاونوا مع الإدارة الاستعمارية بصفة عامة. أما «الأقدام السود» فهم الأوروبيون الذين ولدوا بالجزائر وغادروها إلى فرنسا بعد الاستقلال.

وتتألف «الأسرة الثورية»، التي نشأت منذ سنين طويلة للمحافظة على ذاكرة الشهداء، من تنظيمين آخرين: «المنظمة الوطنية للمجاهدين» النافذة في مراكز القرار السياسي، و«منظمة أبناء المجاهدين». الأولى، يقودها رجل الثورة وزير المجاهدين الأسبق، السعيد عبادو، المعروف بهجوماته الشديدة ضد الفرنسيين، وهو طريح الفراش حاليا. والثانية صوتها ضعيف نسبيا في قضايا «الذاكرة والتاريخ».

ويجهل من هم «الحركيون» الذين سيتنقلون مع هولاند، ولم يوضح مسؤولو «منظمة أبناء الشهداء» إن كانوا يقصدون في بيانهم، عبد القادر عريف، وزير قدامى المحاربين الفرنسي، الذي لا يعرف هل هو ضمن الوفد الفرنسي الرسمي. وعريف ابن أحد الحركيين، ولد بفرنسا، وكان نائبا في البرلمان الأوروبي.

ويبدي الجزائريون حساسية كبيرة من «الحركيين»، وهم ممنوعون من زيارة بلدهم الأصلي مدى الحياة بسبب «ماضيهم المخزي». ويسعى هولاند إلى حل هذه المشكلة العويصة خلال مباحثاته مع نظيره عبد العزيز بوتفليقة، بمحاولة إقناعه بتحقيق رغبة قطاع واسع من الحركيين في العودة إلى الجزائر، أو على الأقل زيارتها متى شاءوا. كما يسعى لافتكاك موافقة من الجزائر على تعويض «الأقدام السوداء» الذين يطالبون باستعادة الأملاك التي تركوها بالجزائر، وهي في الغالب مساكن وأراض زراعية.

ولا يعرف بالتحديد عدد «الحركيين» المتعاونين مع النظام الاستعماري، ويقول دارسو فترة حرب التحرير أن المئات منهم غادروا الجزائر إلى فرنسا بعد الاستقلال. ونقلت صحف عن المؤرخ الجزائري المقيم في باريس محمد حربي، أن عددهم كان نحو 200 ألف، وأن الكثير منهم وافتهم المنية.

وتذكر الحكومة الفرنسية بأن العشرات منهم تعرضوا للتقتيل على أيدي مناضلي وقيادات «جبهة التحرير الوطني»، التي أطلقت ثورة التحرير. وعاش «الحركيون» ظروفا قاسية على امتداد سنين طويلة في فرنسا، وتم الاعتراف بهم لاحقا كـ«قدامى محاربين». وتعهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في حملة انتخابات 2007 برد الاعتبار لهم «بعد أن تنكرت فرنسا لهم طويلا»، على حد تعبيره.

يشار إلى أن أول وزير «حركي» في الحكومة الفرنسية زار الجزائر ضمن بعثة رسمية، هو حملاوي مكاشرة، الذي جاء مع الرئيس الأسبق جاك شيراك عام 2003. وسئل حينها إن كان لا يتحرج من رفض الجزائريين رؤيته فوق أرضهم، فقال: «لقد تدرجت منذ الصغر في الجيش الفرنسي وكنت ضابطا، وهناك من كانوا في نفس الدرجة معي، وهم بعض جنرالات الجزائر».

وزارت جانت بوغراب بلد والدها الحركي، العام الماضي كوزيرة للشباب في حكومة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.

وقد أصيبت بحرج كبير لما سألها صحافيون عن ماضي والدها محمد بوغراب وما إذا كان كره الجزائريين للمتعاونين مع الاستعمار وحقدهم عليهم يسبب لها ضيقا.