منفذ مذبحة المدرسة الأميركية ظل على الدوام سببا لمتاعب عائلته

أسرته تحولت سريعا من الثراء إلى التفكك وأنفقت الكثير على تعليمه المتعثر.. ودافع الجريمة لا يزال لغزا

طالب يضع أمس ورودا أمام مدخل مدرسة ثانوية في مدينة نيوتاون التي شهدت المذبحة المدرسة الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

إن اسم التحبب الذي يناديها به المقربون هو «بيني». نشأت في المنزل الريفي الخاص بأسرتها الذي يعود إلى أربعينات القرن الثامن عشر، ولا يبعد كثيرا عن وسط المدينة، الذي يمتلأ بالمتاجر ذات الطابع الريفي ومحال الآيس كريم ويقع به منزل المغني، يوشيا بارتليت، في نيوإنغلاند. كانت نشأة نانسي جين تشامبيون، أو «بيني» كما هو موضح في الكتاب السنوي بمدرستها الثانوية، ساحرة. فقد كانت والدتها ممرضة في مدرسة، وأصبح أخوها ضابط شرطة في المدينة. وبعد أن تزوجت حبيب قلبها عام 1981 أصبحت السيدة بيتر لانزا، وأقام الزوجان منزلهما بجوار المنزل الذي ترعرعت فيه. وقال صاحب محل بيتزا هنا: «لقد كانوا جيرانا ودودين. إنهما من أسرة محبوبة».

استقبل الزوجان عام 1988 صبيا سمياه راين. وبعد أربع سنوات رُزقوا بصبي آخر منحاه اسم آدم. أصبحت نانسي، التي كانت تعمل في منطقة بوسطن المالية حتى تتمكن من إلحاق ولديها بالجامعة، ربة منزل ترعى أبنائها، وزاد اهتمامها بالتحديات التي يواجهها ابناها.

أطلق آدم الأسبوع الماضي أربع طلقات نارية على والدته وهي في سريرها مما أسفر عن مقتلها حسبما أوضحت السلطات. وبعد ذلك أطلق النار على 26 أكثرهم تقريبا كانوا في مثل عمره عندما كان يلعب حول منزل أسرته المحاط بالمساحات الخضراء في فترة صباه.

وفي الوقت الذي لا يعرف فيه المحققون السبب وراء الفعلة الشنيعة التي فعلها لانزا في مدرسة «ساندي هوك» في نيوتاون بولاية كونيتيكت أو ربما لم يفصحوا عما يعرفونه، تنتشر الموضوعات الصحافية عن الأسرة التي نشأ في كنفها، حيث تم إجراء مقابلات في مختلف أنحاء البلاد مع أصدقائه وأسرته وفحص أوراق الطلاق التي وضعت نهاية لزواج الأبوين منذ ثلاث سنوات. إذا نظرنا إلى الأسرة من الخارج سنجد أنها ثرية ويعمل الأبوان في مؤسسات كبرى، حيث يعمل الأب في «جنرال إلكتريك»، وعملت الأم لفترة في «جون هانكوك». وانتقلت الأسرة إلى منزل على قمة تل في نيوتاون على أطراف مدينة نيويورك. ومع ذلك استهلك الابن الثاني جلّ وقت ومجهود الأبوين خاصة نانسي. لم يكن لهذا الابن سوى القليل من الأصدقاء وكان يعاني من مشاكل في المدارس وصعوبة في تخطي مرحلة الطفولة والانتقال إلى مرحلة المراهقة بسلاسة. ولم يبدأ يقود السيارة إلا مؤخرا وهو في سن العشرين.

مع مرور الوقت تفككت الأسرة وتقطعت أواصر العلاقة التي تجمع أفرادها، ففي الوقت الذي كان تتم فيه إجراءات الطلاق، تخرّج راين من الجامعة وانتقل للعمل في نيويورك. وظل آدم مع نانسي لانزا وتغيرت عاداتها كثيرا، حيث لم تكن تسمح لأحد بزيارتها في منزلها. كانت تجمع أسلحة قوية، وبدأت تدرب ابنها المضطرب على إطلاق النار، حسبما أوضح مسؤولون في مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية والمتفجرات يوم الاثنين.

وتقول مارشا لانزا، التي تزوجت شقيق بيتر لانزا، مايكل، في منزلها في كريستال ليك بولاية إلينوي: «لم تكن تخشى من أن ترعى أبناءها، بل كانت مهتمة بهما جدا. لهذا تفاجأت عندما سمعت أنه أطلق عليها النار. لم يكن هذا منطقيا بالنسبة لي لأنها كانت تفعل كل ما في وسعها من أجل راحته. فيم كان يفكر حين فعل ذلك؟ لماذا انتقم منها؟ ما جريرتها؟».

انتقلت نانسي وبيتر إلى نيوتاون عام 1998. وكان بيتر يذهب إلى عمله في مدينة نيويورك يوميا، حيث كان يشغل منصب نائب رئيس «جنرال إلكتريك». وكانت نانسي تعاني من مشاكل صحية، بالتحديد تصلب في الأنسجة، وكانت تتلقى العلاج في نيويورك بحسب زوجة شقيق زوجها السابق. بدأ الزوجان في عام 2009 في عمل إجراءات الطلاق، حيث أوضحا أن رابطة زواجهما الذي دام 28 عاما قد انقطعت ولا أمل في رجوعها بحسب سجلات المحكمة. وليس واضحا سبب الانفصال. تزوج بيتر مرة أخرى من شيلي راي كودينر، أمينة مكتبة في جامعة كونيتيكت. لم تكن نانسي تعمل عند الطلاق، لذا لم يُذكر دخل لها في سجلات المحكمة. كان دخل بيتر سنويا 445 ألف دولار ووافق على دفع 240 ألف دولار سنويا كنفقة لها وللولدين بحسب ما جاء في سجلات المحكمة. وكان من المقرر أن يزداد هذا المبلغ عام 2012 إلى 289.800 دولار.

كان آدم يعاني من متلازمة «أسبيرغر»، بحسب ما أوضحت بولا ليفي، معالجة الأسرة التي كانت وسيطا خلال عملية الطلاق، بحسب قول ليفي خلال مقابلة مع «أسوشييتد برس». ما كان يجمع الأبوين التزامهما تجاه آدم واحتياجاته على حد قول ليفي التي لم تفصح عن تفاصيل الحالة. وقال جون أولدريك، محامي الأسرة في كونيتيكت إن سبب التسوية الكريمة هو الوضع في الاعتبار الاحتياجات الخاصة للطفل والتي كانت تتطلب الكثير من المال.

اتفق الزوجان على الحضانة المشتركة لآدم وعلى تقسيم تذاكر موسم فريق «بوسطن ريد سوكس». وحصلت نانسي على المنزل وحقوق اتخاذ القرارات النهائية المتعلقة بآدم. وقالت مارشا لانزا: «استمر تعاملهما معا متحضرا، وظلا أصدقاء». كان الاهتمام بآدم يحتاج إلى وقت وصبر وكان تعليمه يمثل تحديا كبيرا. ولم يتسن التواصل مع مسؤولين في المدرسة للحديث عن تصرفاته في المدرسة، لكن تشير المقابلات التي أُجريت خلال الأيام الماضية مع المعارف وأفراد العائلة، إلى أن آدم انتقل من مدرسة حكومية إلى أخرى كاثوليكية خاصة، ثم إلى نظام الانتساب والدراسة في المنزل قبل أن يلتحق بدورات جامعية في جامعة ولاية ويسترن كونيتيكت، بحسب «أسوشييتد برس».

إنه لم يكن مقربا من أخيه راين، الذي يقيم في هوبوكين بولاية نيوجيرسي ويعمل لدى شركة «إيرنست أند يانغ». وقالت مارشا: «أعلم أنهما كانا مختلفين تماما، مثل الزيت والماء. لقد سامح بعضهما البعض فقط تقديرا لرابطة الأخوة». وهناك قطيعة بين الأب والابن منذ الحادثة، وأصدرا بيانا من خلال محام جاء فيه: «إن أسرتنا في حالة من الأسى والكدر على كل من تضرروا من هذه المأساة الكبيرة. نحن لا نصدق ما حدث ونحاول الوصول إلى جواب. نحن أيضا نتساءل عن السبب». كما أصدرت أسرة تشامبيون بيانا عبرت فيه عن حزنها العميق من خسارة الأبرياء الفادحة وغير المفهومة.

انضم آدم في وقت ما خلال فترة دراسته الثانوية إلى نادي التكنولوجيا وهي خطوة دعمتها نانسي على ما يبدو. وقالت غلوريا ميلاس، التي كان ابنها جوشوا عضوا في ذلك النادي، إن المراهقين يحبون الجلوس معا أمام الكومبيوتر والانخراط في ألعاب الكومبيوتر المشتركة. وقالت: إنه على عكس التقارير المنشورة، لم تكن تلك الألعاب عنيفة. وشبهتها بلعبة ماريو. وأوضحت قائلة: «لقد كانوا يضحكون دائما. عندما حدث كل هذا سألت ابني ما إذا كان يلعب ألعابا عنيفة، فأجابني بلا».

يحب آدم التدريب على استخدام السلاح الحقيقي مع والدته. ولم يكن واضحا متى أصبحت نانسي من المهتمين بجمع الأسلحة، لكن 6 من الأسلحة النارية التي تملكها على الأقل مرخصة باسمها بما فيها البندقية شبه الأوتوماتيكية التي استخدمت في المذبحة. وكانت أحيانا تتباهى ببندقية قديمة أمام الزائرين. ويعود اهتمام الأم والابن المشترك بالسلاح إلى سنوات كثيرة على حد قول مسؤولين في مكتب الكحول والتبغ والأسلحة النارية، لكنهما لم يمارسا هذه الهواية منذ ما يزيد على ستة أشهر.

عندما كانت صحة آدم لانزا النفسية تسوء، لم تكن نانسي تفصح عن ذلك للكثيرين. ودائما ما كان الناس في مطعم «ماي بليس»، الذي كانت عادة ما ترتاده، يسعدون برؤيتها هناك، لكنهم لم يكونوا يعرفون الكثير عن حياتها الشخصية. لقد قالت: إنها اكتشفت مدرسة في ولاية واشنطن ستكون مناسبة لآدم، بحسب مارك تامباستشو، صاحب المطعم. وقال تامباستشو، الذي يعرف نانسي منذ سنوات كثيرة، يوم الأحد: «لقد كانوا يستعدون للرحيل معا». لقد ظلت علاقتها بمعارفها في مسقط رأسها في نيوهامشير قوية. وترقى شقيقها، جيمس تشامبيون، في شرطة كينغستون. وتقاعد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011. لكنه ظل يعمل ضابطا بدوام جزئي ونائب رئيس الشرطة في المقاطعة. عادت نانسي إلى كينغستون من أجل حضور حفل تقاعد شقيقها. وقبل أقل من أسبوع من مقتل نانسي، تم الثناء على شقيقها باعتباره بطل القرية بعد أن قام بتنفس صناعي لرجل أصيب بأزمة قلبية في فناء المدرسة الثانوية. وقال براين ستاك، ناظر المدرسة: «لقد كان دوما إنسانا رائعا. لقد أنقذ حياة الرجل وحده وكان ينبغي أن يتم تكريمه خلال الأسبوع الحالي بدلا مما حدث».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»