الرئيس اليمني يصدر سلسلة من القرارات المهمة في إطار هيكلة الجيش والأمن

القرارات أزاحت نجل صالح من القوات الخاصة وابن شقيقه من الأمن المركزي

جانب من آثار الدمار التي خلفتها المواجهات بين قوات الجيش اليمني ومسلحي تنظيم القاعدة قبل دحرهم عن مدينة زنجبار جنوب البلاد (أ.ف.ب)
TT

أصدر الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، مساء أمس، عددا من القرارات المهمة في إطار إعادة الهيكل التنظيمي للقوات المسلحة والأمن، وأبرز ما تم في تلك القرارات هي إقالة اثنين من أقارب الرئيس السابق علي عبد الله صالح من منصبيهما، والنص على ضم مجموعة الصواريخ إلى تحت قيادة القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن وهو رئيس الدولة، وضم القوات الخاصة التي يقودها نجل الرئيس السابق، العميد الركن أحمد علي عبد الله صالح، إلى وزارة الدفاع، وضم اللواء الأول مشاة جبلي ولواء الصاعقة إلى القوات الخاصة، كما تضمن قرارات هادي ضم قوات الحرس التي يقودها نجل صالح وقوات الفرقة الأولى مدرع بقيادة اللواء المنشق، علي محسن الأحمر تحت قيادته مباشرة بصفته قائدا للقوات المسلحة والأمن.

ونصت قرارات الرئيس اليمني، القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن بدمج جميع مكونات الجيش اليمني في 4 مكونات هي: قوات برية، بحرية، جوية وحرس حدود وتقسيم المناطق العسكرية إلى 7 مناطق عسكرية، وبموجب هذه القرارات، فقد أقيل نجل صالح من قيادة القوات الخاصة وتعيين اللواء عبد ربه القشيبي قائدا جديدا، كما أقيل العميد الركن يحيى محمد عبد الله صالح، ابن شقيق صالح، من منصبه في قيادة أركان قوات الأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية وتعيين العميد أحمد المقدشي خلفا له، ونصت القرارات الرئاسية اليمنية على إنشاء قوات العمليات الخاصة وتتبع الرئاسة وتضم 4 مكونات بقيادة اللواء القشيبي، المشار إليه سلفا.

في هذا السياق، ما زال نجل الرئيس السابق يقود فعليا قوات الحرس الجمهوري، كما أن هذه القرارات تأتي بعد يومين فقط على عودة المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر، الذي أكد أن من يقومون بعرقلة التسوية السياسية سيتعرضون لعقوبات من مجلس الأمن الدولي، كما جاءت هذه القرارات في ظل التحضير من قبل المحتجين في صنعاء وغيرها للبدء في حملة مظاهرات شاملة للمطالبة بإقالة «بقايا العائلة» وبإعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن قبل البدء في مؤتمر الحوار الوطني الشامل. من ناحية أخرى قرر فصيل في الحراك الجنوبي المشاركة في الحوار الوطني اليمني مع التمسك بمطلب الشعب في الجنوب في دولته، حسب ما أعلن مسؤول في هذا الفصيل أمس. وقال محمد علي أحمد رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر أبناء الجنوب في أعقاب «مؤتمر شعب الجنوب» الذي نظم في عدن: «بالنسبة للحوار نعم سندخل الحوار وعلى قاعدة الوثيقة المقدمة من قبلنا والتي تعبر عن إرادة شعب الجنوب وسلمت لوزير الدولة البريطاني وسفراء الدول الكبرى» مطلع ديسمبر (كانون الأول)، وأكد أحمد في مؤتمر صحافي أن «المجلس الوطني لشعب الجنوب» يمثل «شعب الجنوب»، وأن المحافظات اليمنية الست تطمح إلى «استعادة دولتها». وذكر أن قرار المشاركة في الحوار هو «لأن الحوار سمة حضارية وبنفس الوقت في ضرورة لندافع على حق شعبنا الذي أعطانا هذه الثقة». وكان المجلس جدد التمسك في مؤتمره بمطلب استعادة دولة الجنوب وعلى أن يكون التفاوض مع الشمالي بين «دولتين»، وهو أمر تتفق عليه معظم فصائل الحراك الجنوبي. لكن مراقبين يؤكدون لوكالة الصحافة الفرنسية أن محمد علي أحمد يعد من الشخصيات الجنوبية المنفتحة على الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي الذي يقود المرحلة الانتقالية ويحاول إطلاق الحوار الوطني المنتظر. ويفترض أن يترأس هادي مؤتمر حوار وطني يتوصل إلى وضع دستور جديد للبلاد ويجد حلولا لمشاكل البلاد الكبرى لا سيما مشكلة الجنوب والتمرد الشيعي في الشمال. كما يفترض أن تتم إعادة هيكلة قوات الجيش والأمن التي يسيطر أقرباء صالح على بعض المناصب المهمة فيها. وما زال انطلاق الحوار معرقلا، لا سيما بسبب عدم موافقة الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال أو الفيدرالية على هذا الحوار. ويفترض أن تنتهي المرحلة الانتقالية بانتخاب رئيس جديد للبلاد. وكانت مجموعة من القيادات اليمنية الجنوبية قد اجتمعت في العاصمة السعودية الرياض أول من أمس بعبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في محاولة لإقناعها بضرورة المشاركة في الحوار الوطني المزمع.

وعلى صعيد آخر، حركت اللجنة العسكرية الخاصة بتثبيت الأمن والاستقرار التي شكلت في ضوء المبادرة الخليجية، قضية يمنية في غاية الأهمية، وهي قضية «المخفيين قسرا» حيث شكلت اللجنة، أمس، لجنة للتحقيق في الموضوع برئاسة عضو اللجنة الدكتور رياض القرشي، وجاء تشكيل اللجنة في ضوء تقرير تقدمت به وزارة حقوق الإنسان إلى اللجنة العسكرية في سياق معالجتها لملف حقوق الإنسان، وقد أكد وزيرا الدفاع والداخلية «أهمية احترام قضية حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة وعدم القبول بأي تجاوزات من أي جهة أو طرف»، وأشارا إلى أن «اللجنة العسكرية بذلت وتبذل جهودا جادة لمعالجة أي إشكالية في هذا الجانب وإغلاق هذا الملف احتراما لحقوق الإنسان وتنفيذا والتزاما بالقوانين النافذة». هذا ولا تقتصر قضية «المخفيين قسرا» على اختفاء بعض شباب الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس السابق، إنما ترجع إلى العقود الثلاثة الماضية، حيث جرى إخفاء عدد من السياسيين والعسكريين في ظروف غامضة ولم يعرف مصيرهم، حتى اليوم، إضافة إلى وجود مخفيين على خلفية حرب صيف عام 1994. وسبق لمفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن خاطبت السلطات اليمنية بشأن الكثير من الأسماء المخفية حتى اللحظة.

في هذه الأثناء، بدأت قوات الجيش المتمركزة حول المناطق السكنية في محافظة الضالع بالانسحاب من مواقعها والعودة إلى معسكرها الرئيسي تحت إشراف من لجنة تقصي حقائق شكلها مجلس النواب (البرلمان) بشأن أحداث العنف التي اندلعت، قبل نحو أسبوعين، بين قوات اللواء العسكري المرابط في الضالع والمواطنين، على خلفية قصف مواقع الجيش للقرى السكنية ومقتل عدد من المواطنين والجنود، وتوقعت مصادر محلية أن تؤدي هذه الخطوة إلى تهدئة الأوضاع الأمنية المتوترة في الضالع منذ سنوات، حيث يطالب المواطنون بإخراج المواقع العسكرية من المناطق السكنية والمناطق المحيطة بها.

إلى ذلك تضاربت الأنباء، أمس، حول محاولة اغتيال تعرض لها خبير نفطي أجنبي في محافظة حضرموت التي تشهد انفلاتا أمنيا منذ فترة، ففي الوقت الذي أكدت مصادر محلية تعرض سيارة الخبير النفطي للتفجير بواسطة عبوة ناسفة، قالت مصادر أمنية في حضرموت إن الانفجار وقع على طريق شحير – ميناء الضبة النفطي، لكنه استهدف طاقما عسكريا ولم يؤد إلى أي خسائر مادية أو بشرية.

ومنذ مطلع الأسبوع الجاري ومحافظة حضرموت تشهد سلسلة من الاغتيالات التي تطال ضباط أجهزة الأمن وأجهزة المخابرات والاستخبارات العسكرية، وتشير أصابع الاتهام إلى وقوف تنظيم القاعدة في سلسلة الهجمات التي سبق ونفذت بشكل منظم في محافظة أبين قبيل سقوط المحافظة، العام قبل الماضي، في أيدي متشددي «القاعدة» المعروفين محليا بـ«أنصار الشريعة»، وبحسب خبراء في مجال محاربة الإرهاب لـ«الشرق الأوسط»، فإن مسلحي «القاعدة» و«أنصار الشريعة» الذين فروا من مدن محافظة أبين بعد هزيمتهم على يد قوات الجيش واللجان الشعبية، يقومون بنقل عملياتهم إلى المحافظات الأخرى تمهيدا للسيطرة على بعض المناطق في ظل الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في جنوب اليمن الذي يطالب فيه الحراك الجنوبي بـ«الانفصال» أو «فك الارتباط».