مليارات مهدرة وأزمة تناقض وظيفي بينما يدخل العراق العام الـ11 من «التغيير»

مصدر برلماني لـ «الشرق الأوسط»: 20 مليار دولار تهدر سنويا تحت باب النفقات والمصروفات

عراقيات من أسر فقيرة ينتظرن أمام مركز إنساني للإطعام في بغداد (أ.ب)
TT

يستعد البرلمان العراقي في هذه الأيام لإقرار أكبر ميزانية منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة على يد البريطانيين عام 1921. فطبقا لما أعلنته وزارة المالية واللجنة المالية في البرلمان، وفي ضوء أسعار النفط، حيث تم تحديد سعر النفط عند حدود 80 دولارا للبرميل الواحد، فإنها تبلغ نحو 120 مليار دولار. مع ذلك فإنه بالمقارنة بين الواردات والمصروفات فإنها تتضمن عجزا بنحو 13 مليار دولار.

وفي وقت ألغى فيه البرلمان عطلته التشريعية من أجل إقرار الموازنة، فإن الجدل ومنذ عشر سنوات من عمر التغيير في العراق لا يزال قائما بشأن رواتب المتقاعدين. العجز الذي تتضمنه الميزانية تقول عنه عضو البرلمان العراقي عن كتلة التحالف الكردستاني وعضو اللجنة المالية البرلمانية نجيبة نجيب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنه «ليس عجزا حقيقيا وإنما هو عجز تخطيطي»، مشيرة إلى «وجود فاض مالي يبلغ نحو 16 مليار دولار، وبالتالي فإن هناك فائضا في الموازنة من الناحية العملية، خصوصا أن كل الوزارات لم تتمكن من إنفاق الأموال التي منحت لها، وهو ما يعني إعادتها إلى خزينة الدولة». وتضيف أن «حكاية العجز غير حقيقية، وإنما المشكلة تكمن في عدم القدرة على تنفيذ ما هو مخطط من مشاريع خدمية، وهو ما يبقي الفجوة قائمة وينعكس على معظم شرائح المجتمع العراقي».

المفارقة الأكثر لفتا للنظر في هذا السياق تكمن في أن الوظيفة في العراق وإن كانت تحولت إلى حلم بعد عام 2003 بسبب الزيادات الكبيرة في الرواتب بالقياس إلى ما كان الأمر عليه على عهد نظام الرئيس السابق صدام حسين، إلا أن هناك تناقضا صارخا في سلم الرواتب بين مختلف الدرجات الوظيفية، بالإضافة إلى التناقض الصارخ بين رواتب الموظفين ورواتب المتقاعدين. فبينما تبدو رواتب الموظفين حتى البسطاء منهم عالية نسبيا، فإن رواتب المتقاعدين هابطة جدا. وبالقياس إلى نسبة الرواتب العالية وكل ما يتصل بما يسمى «النفقات التشغيلية» في الموازنة، والمقصود بها «الرواتب والأجور»، فإنه بالقياس إلى عدم القدرة على السيطرة على الأسعار وما شهده العراق من انفتاح اقتصادي واجتماعي ترتب عليه تغيير هائل في مستويات الإنفاق، فإن التناقض الآن وبعد عشر سنوات يبدو صارخا على كل المستويات، لا سيما بعد استشراء ظاهرة الفساد المالي والإداري التي تحولت الآن إلى حرب وثائق مفتوحة بين الكتل والأحزاب السياسية في العراق.

النائب المستقل صباح الساعدي في إطار تفسيره لهذا التناقض الصارخ بين المستويات الوظيفية وما يتم تداوله عن عشرات المليارات من الدولارات المنهوبة قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك مستويات مختلفة على صعيد الفساد المالي والإداري، قسم منه معروف وهو ما يتعلق بالعقود والصفقات، سواء فيما يتصل بالسلاح أو البطاقة التموينية، لكن هناك، طبقا لتقارير الرقابة المالية، اختلاسات وبعشرات ملايين الدولارات في مكتب رئيس الحكومة». وأضاف الساعدي: «ولعل من بين ما هو أخطر على صعيد ملفات الفساد ما يتم تبويبه في الموازنة تحت باب النفقات والمصروفات والتي لا تتعدى شراء القرطاسية ولوازم الضيافة وتبديل أثاث مكاتب المسؤولين، ومجموع هذه المبالغ 20 مليار دولار، وهو ما يعادل ميزانية دولة أو أكثر». وتحول التناقض الوظيفي في العراق خلال السنوات العشر الماضية من التغيير إلى أزمة مجتمعية. فمع تحول العراق إلى اقتصاد السوق، وعدم تمكن الحكومة من السيطرة على الأسعار، وفشلها في أهم مفصل من مفاصل العلاقة مع المواطن وهي نظام «البطاقة التموينية» الذي نقصت مفرداتها إلى الحد الأدنى، مع عدم انتظام تجهيز تلك المفردات، فإن سياسة الرواتب والمنح والأجور التي اعتمدت عليها الحكومات المتعاقبة خلقت تناقضات كثيرة. فمن جهة هناك فارق شاسع بين ما تتقاضاه الرئاسات الثلاث والوزراء وأعضاء البرلمان وأصحاب الدرجات الخاصة، بالقياس إلى باقي فئات الموظفين. وهناك تناقض بين ما يتقاضاه الموظفون وما يتقاضاه المتقاعدون، والأمر نفسه ينطبق على المشمولين بنظام شبكة الحماية الاجتماعية. ولذلك فإنه ومع مطلع السنة الحادية عشرة من عمر التغيير في العراق، تدرس اللجان البرلمانية المختصة إصدار تشريعات جديدة، منها قانون الرواتب الموحد، وكذلك قانون جديد للتقاعد. وفي هذا السياق يقول إبراهيم الركابي، عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية النائب عن ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، لـ«الشرق الأوسط» إن من الضروري أن «لا تقل رواتب المتقاعدين عن 400 ألف دينار عراقي»، علما بأن الحد الأدنى الآن لراتب المتقاعد هو 150 ألف دينار (مائة دولار أميركي تقريبا في الشهر). واعتبر الركابي أن «قانون التقاعد العام قد وصل إلى اللجنة المالية في البرلمان، وهناك أنباء عن نوايا تعطيل تشريع القانون بحجة التخصيصات».