مبادرات غير مسبوقة لتشديد قوانين حيازة السلاح في أميركا

أوباما يريد تقديم قانون قريبا ويدافع عن حق المواطنين في حمل أسلحة «ضمن حدود مسؤولة»

السيناتورة الديمقراطية باربرا بوكسر تتحدث خلال مؤتمر صحافي حول مشاريع قوانين تتعلق بتعزيز الأمن في المدارس الأميركية، في الكابيتول هيل أمس (إ.ب.أ)
TT

بدأت أول ردود الفعل الملموسة تجاه المذبحة التي وقعت في «نيوتاون» بولاية «كونيتيكت» تظهر، حيث أعلن الرئيس باراك أوباما أمس أنه يأمل في إعداد مشروع قانون حول تنظيم الأسلحة النارية بحلول شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، وذلك غداة اقتراح عدد من حكام الولايات إجراءات للحد من العنف المسلح. واعتبر الرئيس أوباما الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض أمس أن من «واجب» الولايات المتحدة التحرك بعد إطلاق النار الدامي الأسبوع الماضي في «نيوتاون». لكنه دافع، في الوقت نفسه، عن حق المواطنين في حمل أسلحة «ضمن حدود مسؤولة».

وجاءت ردود الفعل أوسع نطاقا بشكل كبير من تلك التي أعقبت حوادث القتل الجماعي السابقة عبر إطلاق النار، من جانب الجمهوريين والديمقراطيين، بدءا من مؤيدي فرض السيطرة على الأسلحة، وهؤلاء الذين قد فضلوا منح حقوق حمل الأسلحة في الماضي، وحتى من قطاعي الشركات ومتاجر التجزئة. وقال مؤيدو فرض قيود أكثر صرامة للسيطرة على الأسلحة النارية إنهم في حالة من التفاؤل المشوب بالحذر بأنه، ربما في هذه المرة، يتم سن قانون ساري النفاذ ودائم.

في كاليفورنيا، طرح قادة ديمقراطيون تشريعا من شأنه أن يلزم بإجراء تدقيق أمني ومنح تراخيص مدتها عام واحد لأي شخص يرغب في شراء ذخيرة هناك. وفي ولاية ميشيغان، صوت حاكم جمهوري بالرفض على تشريع من شأنه السماح بدخول أسلحة مخفية إلى المدارس. وأعلنت شركة أسهم خاصة أنها ستقوم ببيع الشركة التي صنعت البندقية الهجومية عالية الكفاءة التي استخدمت في مذبحة نيوتاون الأسبوع الماضي.

من جانبها، كسرت الجمعية الوطنية للبنادق حاجز صمتها عن أحداث المذبحة من خلال ما وصفته بـ«بيان هام من الجمعية» قائلة إن الجمعية، التي طالما وقفت ضد أي تشريع فيدرالي أو صادر عن الولايات في ما يتعلق بالسيطرة على الأسلحة، ربما تعيد النظر في موقفها. وجاء البيان كالتالي «الجمعية الوطنية للبنادق على استعداد لتقديم مساهمات جادة لضمان عدم وقوع مثل هذه الحوادث المؤسفة مجددا». ولم يقدم البيان تفاصيل.

ربما تكون هذه هي المرة الأولى التي تثمر فيها واقعة قتل جماعي على أرض أميركية عن وعود حقيقية بفرض قيود على الأسلحة النارية، كي تبدأ تلك الجهود تدريجيا في ظل تلاشي الذكريات وظهور مؤيدي حمل الأسلحة النارية أصحاب النفوذ، تتزعمهم الجمعية الوطنية للبنادق، في أروقة واشنطن أو في مباني المجالس التشريعية. في بعض الحالات، لم تطرح الخطوات كتحول دائم في السياسة؛ وتمثلت إحداها في تصريح من جانب شركة «ديكس سبورتينغ غودز» بأنها ستتوقف عن بيع العديد من أنواع الأسلحة النارية، التي يمكن أن تتسبب في خسائر فادحة في العائدات بالنسبة لسلسة متاجرها.

ومع حدوث هذا، ظل الملايين من مالكي الأسلحة الأميركيين (قرابة 40 في المائة من الأسر الأميركية تملك سلاحا) رافضين تماما لأي خطوات ترمي إلى تقويض حقوق حمل السلاح المنصوص عليها في التعديل الثاني للدستور الأميركي. ولم تشر كل الخطوات المعلن عنها أول من أمس الثلاثاء إلى فرض قيود أكثر صرامة على امتلاك الأسلحة.

وفي أوهايو، أعلن الحاكم الجمهوري جون كاسيش أنه سيوقع على تشريع من شأنه أن يسمح للناس بالاحتفاظ بأسلحة في سياراتهم بموقف السيارات التابع لمبنى المجلس التشريعي، وأن ييسر تجديد التراخيص وحمل الأسلحة المخفية. وقال «أعتقد أننا مع مضينا قدما، بصرف النظر عن الإجراءات التي نتخذها، لا نرغب في عرقلة الحقوق المكفولة للمواطنين الملتزمين بالقانون بموجب التعديل الثاني في الدستور».

غير أن التطورات المتتابعة منذ حادثة إطلاق النار التي وقعت يوم الجمعة أدت بواحدة من أبرز مؤسسات السيطرة على الأسلحة، وهي «حملة برادي لمنع العنف المسلح»، إلى إطلاق حملة رأي عام قانونية وثقافية في ما يتعلق بوجهة نظر الأمة حيال الأسلحة النارية. إنها وجهة نظر يعززها كل مشهد جديد لجنازة أحد أطفال مدرسة «ساندي هوك» الابتدائية، الذين لقي 20 منهم مصرعهم في المذبحة التي وقعت في المدرسة، إلى جانب ستة بالغين. وقال بريان مالت، مدير التعبئة بحملة «برادي»: «لم نشهد حادثة على هذه الشاكلة من قبل مطلقا».

وفي الكونغرس، أيد بعض الأعضاء الجمهوريين يوم الثلاثاء بحذر فكرة الكشف عن سياسات جديدة تتعلق بالأسلحة. وقال السيناتور جون ماكين، من أريزونان إنه لن يرفض كلية فكرة فرض قيود أو حظر على أنواع معينة من الأسلحة أو الذخائر، ورفض الفكرة التي أثارها بعض الجمهوريين والتي مفادها أنه من السابق لأوانه جدا البدء في مناقشة حلول تشريعية. وقال ماكين «لا أرى الحديث عن هذا سابقا لأوانه. إن جميع مواطنينا الأميركيين يتحدثون عنه».

أيا كان ما يحدث في واشنطن، فإن ثمة أدلة متنامية على أنه، في بعض الولايات، يمضي المشرعون وحكام الولايات قدما.

ويحول التشريع الذي تم طرحه في كاليفورنيا - والمدعوم من قبل الديمقراطيين، الذين فازوا بأغلبية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ في نوفمبر (تشرين الثاني) - الجهد من حظر الأسلحة إلى السيطرة على بيع الذخيرة.

وقد سعت ولايات أخرى إلى السيطرة على عملية بيع الذخيرة، بينها إلينوي وماساشوستس ونيوجيرسي، بيد أن هذا سيكون أكثر القوانين صرامة حتى الآن، والذي يلزم بإجراء تدقيق أمني والحصول على ترخيص سنوي قيمته 50 دولارا بشراء أي نوع من الذخيرة.

«نحن لا نفكر في الوقود الذي يغذي أعمال العنف، وتلك هي الذخيرة»، هكذا تحدث الراعي، السيناتور كيفن دي ليون. وأضاف «إذا كنت ترغب في الصيد، فيجب أن تحصل على ترخيص بالصيد. وإذا رغبت في قطع شجرة كريسماس في كاليفورنيا، فعليك أن تحصل على ترخيص بتكلفة 10 دولارات. غير أن أي شخص يذهب إلى أي متجر لبيع الأسلحة في كاليفورنيا بإمكانه شراء كل أنواع الذخيرة التي يختارها».

في الوقت نفسه، طالب جون هيكينلوبر، الحاكم الديمقراطي لولاية كولورادو، التي ما زالت ترزح تحت وطأة حادثة القتل الجماعي لرواد دار سينما في أورورا في يوليو (تموز) بتعزيز التدقيق الأمني لحاملي الأسلحة النارية، بحيث يصبح من الصعب على المصابين باضطرابات عقلية شراء مسدسات أو طبنجات. واقترح هيكينلوبر تسريع وتيرة عملية نقل السجلات التي تظهر الفترة التي أودع فيها شخص ما بمصحة عقلية بحيث يتسنى لمكتب تحقيقات كولورادو استعادة المعلومات لأغراض التدقيقات الأمنية فيما يتعلق بحمل الأسلحة النارية. وقال «يبدو أن العامل المشترك في العديد من حوادث القتل الجماعي هو مستوى من الاختلال العقلي». وأضاف «ما حدث في نيوتاون يتجاوز حدود الفهم. تم تمرير مشروع قانون ميشيغان الذي من شأنه أن يسمح للناس بحمل أسلحة مخفية إلى المدارس والكنائس، ما داموا تلقوا تدريبا إضافيا، من قبل الهيئة التشريعية التي يسيطر عليها الجمهوريون عشية يوم الخميس الماضي، وهو اليوم الذي سبق واقعة القتل الجماعي عن طريق إطلاق النار». وقال ريك سنايدر إنه صوت بالرفض عليه نظرا لأنه لا يسمح للمرافق العامة باستثناء نفسها من إلزام مشروع القانون.

«في الوقت الذي يتحتم علينا فيه أن نحمي بحذر حقوق مالكي الأسلحة النارية الملتزمين بالقانون، فإن علينا بالمثل أن نضمن حق المرافق العامة في التصرف على أمثل نحو تراه في الأمور المتعلقة بالأمن والسلامة»، هذا ما قاله سنايدر.

وقد امتدت التداعيات إلى عالم الشركات. فقد أعلنت «سيربيروس كابيتال مانجمنت» عن بيع «فريدوم غروب»، التي تقوم بتصنيع البندقية شبه الآلية «بوشماستر 223» المستخدمة في المذبحة. يذكر أن «سيربيروس» استحوذت على «بوشماستر» في عام 2006، ثم دمجتها مع شركات أسلحة أخرى لإنشاء «فريدوم غروب». وجاء في بيان «سيربيروس»: «من الواضح أن كارثة ساندي هوك كانت نقطة فاصلة أثارت جدلا على المستوى الوطني في ما يتعلق بالسيطرة على الأسلحة على مستوى غير مسبوق».

وقد انخفضت أسعار شركات الأسلحة منذ الحادثة المفجعة. فمنذ صبيحة الجمعة حتى إغلاق السوق يوم الثلاثاء، انخفض سهم «سميث آند ويسون» بنسبة تربو على 20 في المائة، فيما هبط سعر سهم «شتورم - روجر آند كومباني» بنسبة تربو على 14 في المائة.

* خدمة «نيويورك تايمز» واشنطن: قضينا على 20 من قادة القاعدة