الطرق الصوفية بمصر تخشى الانخراط في المشهد السياسي

تتكون من 78 طريقة.. ويقدر عدد مريديها بـ«الملايين»

TT

على استحياء وفي خطى حثيثة توازن بين وقار الروحانية وبين الانخراط في معمعة السياسة، وفي ظل هوجة التيارات الإسلامية التي أصبح لها منابر وأحزاب سياسية، فضل متصوفة مصر الوقوف على عتبة المشهد دون الولوج إلى الداخل الذي بات يشهد استقطابا سياسيا حادا قسم المجتمع إلى معادلة متصارعة بين فريقين أحدهما مع النظام والآخر ضده.

وعلى الرغم من وجودهم الرمزي في المظاهرات التي خرجت بعد الثورة، إلا أنهم لم يدخلوا كفاعلين في المشهد السياسي والصراع الحاصل حاليا على شكل مستقبل البلاد السياسي عبر الاستفتاء على الدستور الجديد، ما بين مؤيد ومعارض، فبينما تتصدر أسماء جماعة الإخوان المسلمين وحزب النور وقيادات التيار السلفي، عناوين الصحف والأخبار المصرية يوميا، يظهر في الخفاء أو على هامش الأخبار جماعات أخرى على رأسها الطرق الصوفية، فشلت في إقرار رأي موحد يجمع شتات أكثر من 78 طريقة صوفية بمصر على موقف واحد أو بناء حزب سياسي يجمعهم.

ولا تتوافر أرقام رسمية عن عدد مؤيدي الطرق الصوفية بمصر، إلا أن إحصاءات غير رسمية قدرتهم ببضعة ملايين وتقدرهم الطرق الصوفية بما يزيد على عشرة ملايين مصري، وعلى الرغم من هذا العدد الذي قد يكون ذا تأثير إلا أن الطرق الصوفية لا تستطيع استغلاله إلى الآن سياسيا.

وطوال فترة حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك كانت الطرق الصوفية كغيرها من التيارات الدينية، باستثناء جماعة الإخوان، لا تتحدث بالسياسة وتلتزم بهدفها الدعوي وتعهداتها للنظام بألا تتدخل في السياسة.

وظل النظر إلى الطرق الصوفية يقتصر على كونها أقرب إلى نظام مبارك نظرا للحرية التي أعطاها العهد السابق لهذه الطرق في إقامة شعرائها وطقوسها الدينية.

ويقول مصطفي أحمد، وهو منتم للطريقة الجعفرية الصوفية بمصر: «السياسة بالنسبة لي هي ابتعاد عن الأخلاق وعن نهج التصوف الذي يلتزم بالأدب والأخلاق الكريمة، ولكن السياسة بها مصالح غير سليمة وطرق ملتوية ونحن نفضل الابتعاد عنها».

وتأخرت الطرق الصوفية - كطرق رسمية - في تأييد الثورة، حيث أيدها المجلس الأعلى للطرق الصوفية بعد تنحي الرئيس السابق بأربعة أيام، إلا أن مصطفى، وهو يعمل بمجال السياحة الدينية، يتابع: «نحن لا نهتم بالسياسة ولكن كثيرا منا كان يشارك في المظاهرات للمطالبة بالحياة الكريمة، ولكن مشاركتنا في أي مظاهرة تكون بصفتنا مصريين وليس بصفتنا تابعين لحزب أو جماعة تعلن المشاركة أو لا تعلنها».

وكان بعض شباب المتصوفة يعتصمون بميدان التحرير خلال الثورة، لكنهم لم يظهروا على أنهم كتلة واحدة بقدر ما كانت مواقفهم تستند على قرارات فردية لا تتعلق بانتمائهم لهذه الطريقة أو تلك، بعكس المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين أو السلفيين.

وتواجه الطرق الصوفية منذ الثورة مواقف صعبة خاصة عقب بروز التيارات الإسلامية الأكثر حدة في تفسير النصوص الدينية مثل الجماعات السلفية وموقفها من بعض طقوس الطرق الصوفية خاصة زيارة الأضرحة وتبجيل المشايخ (لكل طريقة من الطرق شيخ يبجله مريدوه ويسيرون على دربه). ولم تنخرط الطرق الصوفية بعد الثورة داخل حزب سياسي واحد يستطيع المنافسة سياسيا، وعلى الرغم من تأسيس عدة أحزاب «صوفية» بعد الثورة إلا أن تأثيرها كان محدودا سواء في الانتخابات الرئاسية الماضية أو الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

ووافقت السلطات المصرية في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي على تأسيس حزب «التحرير المصري»، وهو أول حزب صوفي في مصر بعد الثورة ويتولى المناصب القيادية فيه عدد من مشايخ الطرق الصوفية، فضلا عن حزب النصر الذي تم إنشاؤه في أكتوبر (تشرين الأول) 2011. ويرى مراقبون أنه نتيجة لعدم وجود اتفاق داخلي بين الطرق الصوفية أو غياب تنظيم مؤسسي يجمعهم فإن هذه الأحزاب التي أنشئت في مواجهة المد السلفي لم يكن لها فاعلية تذكر، واضطرت مشايخ الطرق الصوفية للعمل خارجها ما بين تأييد هذا المرشح أو ذاك أو هذا التيار أو غيره.

وكما هو الحال خلال فترة الانتخابات الرئاسية حين انقسمت الطرق الصوفية بين مؤيد للفريق أحمد شفيق ومؤيد الدكتور محمد مرسي، على الرغم من قراراهم المعلن حينها بتأييد شفيق.