بوتين: لسنا مشغولين بمصير الأسد لكن لا نريد تكرار ما حدث في ليبيا

أعلن معارضته ارتداء الحجاب في المدارس الروسية باعتباره يخالف تقاليد الدولة

بوتين خلال مؤتمره الصحافي في موسكو، أمس (أ.ف.ب)
TT

في أول تصريحات مباشرة له، تشير في ما يبدو إلى إمكانية رحيل الأسد، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إنه لا يعتقد أن أي حل عسكري سيدوم في سوريا، وإن موسكو ليست منشغلة بمصير نظام الأسد. «نفهم ما يجري هناك وأن الأسرة (أسرة الأسد) تحكم منذ 40 عاما، ونحن قلقون بشأن أمر مختلف هو: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ لا نريد أن تبدأ المعارضة الحالية - بعد أن تتحول إلى سلطة - بقتال من هم في السلطة حاليا... وأن يستمر هذا إلى ما لا نهاية».

جاء ذلك في مؤتمره الصحافي السنوي الذي عقده أمس بمشاركة ما يزيد على 1200 صحافي يمثلون في معظمهم الصحافة الروسية المحلية. كشف الرئيس فلاديمير بوتين عن موقف بلاده من سبل حل الأزمة السورية. قال بوتين بعدم جواز تكرار التجربة الليبية التي أسفرت عن انهيار الدولة واندلاع الخلافات القبلية هناك. وأكد الرئيس الروسي أن مقتل السفير الأميركي لدى ليبيا كان نتيجة أخطاء ورعونة السياسات التي انتهجوها هناك. وحول الموقف من سوريا، قال بوتين: «نحن بكل بساطة لا نريد أن تقوم المعارضة الحالية بعد تسلم السلطة، بمطاردة السلطة الحالية، التي سوف تتحول إلى المعارضة، ولا نريدها أن تصبح عملية بلا نهاية». وأشار الرئيس الروسي إلى أن الذي «يهمنا طبعا هو موقع روسيا الاتحادية في المنطقة». وقال بعدم وجود المصالح الاقتصادية الكبيرة التي يمكن أن تدفع روسيا إلى التمسك بها، كما أن «روسيا ليست قلقة على نظام بشار الأسد، بل نحن قلقون بسبب ما يجري هناك حاليا، نحن ندرك أن هذه العائلة توجد في السلطة منذ 40 سنة، ولا ريب أن التغييرات لا بد منها»، وأضاف: «إن ما يقلقنا هو مستقبل سوريا». وأشار بوتين إلى أن الأسد لم يكن يزور موسكو بقدر زياراته لباريس والعواصم الأوروبية الأخرى. وفي هذا الصدد، قال بعدم جواز البقاء في السلطة لأربعين عاما، مؤكدا أن «اقتراحاتنا ومواقفنا تتلخص، لا في الحفاظ على نظام بشار الأسد، بل في العثور على الحل الذي يمكن أن يقي المنطقة وهذه الدولة من الانهيار ومن الحرب الأهلية التي لا تنتهي». أما عن المقترحات الروسية التي تطرحها موسكو سبيلا للخروج من الأزمة، فقال بوتين: «إن موقفنا لا يتلخص في الحفاظ على بقاء الأسد في السلطة، بل في أنه يجب في البداية أن تتفق الأطراف في ما بينها حول كيفية العيش لاحقا، وكيف يمكن ضمان أمن ومشاركة هذه الأطراف في إدارة الدولة، وبعد ذلك يمكن البدء وبموجب ما يتوصلون إليه من اتفاقات حول، وليس العكس. في البداية، طرد وتصفية كل شيء، ثم محاولة الاتفاق في وقت لاحق. أعتقد أن الاتفاق على أساس الانتصارات العسكرية لا مجال له هنا ولا يمكن أن يكون فعالا. وعموما، فإن كل ذلك يتوقف على الشعب السوري». وقال: «إن الشعب السوري هو من سيقرر مصيره في نهاية الأمر». وأضاف: «نحن مع التوصل إلى حل للمشكلة ينقذ المنطقة والبلاد من التفكك أولا ومن حرب أهلية لا تنتهي. موقفنا ليس الاحتفاظ بالأسد ونظامه في السلطة بأي ثمن».

وفي معرض حديثه عن مشاكل بعض المناطق الجنوبية في روسيا الاتحادية، قال بوتين بـ«ضرورة مراعاة التقاليد والعادات، والحيلولة دون غرس الظواهر التي طالما كانت غريبة على مسلمي روسيا، ومنها الحجاب». وأفصح الرئيس الروسي عن موقفه المعارض لفرض الحجاب على الفتيات والنساء المسلمات في روسيا، فقال إن الحجاب ظاهرة دخيلة يرفضها الكثيرون من مسلمي البلدان العربية والإسلامية، وضرب مثالا على ذلك أثاره أحد كبار قيادات البلدان الإسلامية لهذه القضية في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي بماليزيا في عام 2005، الذي كان أقر قبول روسيا كعضو مراقب في هذه المنظمة. وإذ أشار إلى عدم مشروعية فرض الحجاب، باعتباره يخالف تقاليد وعادات مسلمي روسيا، أكد بوتين أن «روسيا دولة علمانية متعددة الأديان والقوميات، مدعوة إلى إرساء قواعد العدالة بين مواطنيها».

وكان الرئيس الروسي سبق أن أشار إلى ضرورة احترام التقاليد الموروثة، والعودة إلى النظم السابقة إبان سنوات الاتحاد السوفياتي السابق التي كانت تفرض الزي المدرسي الموحد الذي قال بإمكانية تباينه بحكم تباين المواقع الجغرافية والتاريخية للمناطق والأقاليم. ومضى بوتين ليشير إلى تجارب بعض البلدان الأوروبية التي واجهت مثل هذه المشكلة، بينما توقف عند الجانب الاجتماعي لهذه القضية قائلا إن القضية تبدو أيضا «ذات إبعاد حياتية»، وهو ما قصد به إغفال بعض أولياء الأمور من ذوي الجاه والثروة للجوانب النفسية والاجتماعية للعملية التعليمية، مؤكدا ضرورة الحيلولة دون أي تمييز بين طلبة المدارس، في إشارة غير مباشرة إلى أبناء الطبقات الفقيرة.

كانت قضية اختبار سياسة روسيا بشأن الحجاب قد ظهرت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عندما تقدم أولياء أمور مسلمون في قرية بمنطقة ستافروبول (جنوب روسيا) بشكوى لممثلي الادعاء بشأن حظر ارتداء الحجاب في مدارس بناتهم.

وقال أولياء الأمور إن الحظر ينتهك الحقوق الدستورية لبناتهم في التعليم والتمسك بدينهن، بحسب «نوفوستي».

وذكرت صحيفة «روسيسكايا غازيتا»، الثلاثاء، أن حاكم ستافروبول، فاليري زيرينكوف، وقع على مجموعة من اللوائح التي تحظر على الطالبات ارتداء الحجاب، إضافة إلى الملابس غير المحتشمة مثل القمصان والملابس القصيرة.

كان وزير التعليم والعلوم، ديمتري ليفانوف، قد صرح في السابق بأن ارتداء الحجاب لا ينتهك أي قانون يتعلق بالتعليم. ولم يتضح على الفور ما إذا كان حظر ارتداء الحجاب ينطبق على كل المؤسسات التعليمية في المنطقة أو المدارس الحكومية فقط.

وفي هذا الصدد، تناول الرئيس الروسي بعض مشاكل منطقة القوقاز، مشيرا إلى انخفاض مستوى الجرائم الإرهابية. وقال: «إن الأوضاع في جمهورية الشيشان تسير نحو الأفضل، ليس فقط بانخفاض العمليات الإرهابية، بل بالنمو الاقتصادي فيها». وأضاف: «إن إعادة بناء مدينة غروزني، يعود إلى الجهود التي بذلها الشعب الشيشاني». وأشار إلى أن «مستوى البطالة في شمال القوقاز يصل إلى 15 و20 و25% وهو أعلى مستوى في أوساط الشباب. لذا، يجب توفير فرص العمل والتعليم لهم».

من جهة أخرى، قال بوتين إن قانونا أميركيا يتعلق بحقوق الإنسان «يسمم» أجواء العلاقات مع روسيا و«يجرهما إلى الماضي».

وناقش بوتين في أول مؤتمر صحافي له منذ فبراير (شباط) 2008، استمر أربع ساعات ونصف، عددا من الموضوعات، بما في ذلك العلاقات الأميركية – الروسية، والاحتجاجات المحلية، والأزمة في سوريا، فضلا عن حالته الصحية.

وفي ما يتعلق بـ«قانون مانييتسكي»، وهو قانون أميركي يقضي بمعاقبة المسؤولين الروس المشتبه في تورطهم في انتهاكات حقوق الإنسان، وصفه بوتين بأنه «قانون غير ودي تجاه الاتحاد الروسي».

وقال بوتين: «يحاولون الآن البقاء أسرى الماضي. إنه (قانون) سيئ للغاية. فهو يسمم علاقاتنا نفسها».

ولدى سؤال بوتين عن قانون مقترح يحظر على العائلات الأميركية أن تتبنى أطفالا روسا، أوضح أنه يعتقد أن البرلمان تصرف «عاطفيا، ولكن بشكل مناسب» في تمرير مشروع القانون، «ولكن يتعين أن يدرس القانون قبل التوقيع أو عدم التوقيع عليه».

وذكر بوتين أن مشروع القانون لم يكن رد فعل ضد عائلات معينة، ولكن ضد وقف الحكومة الأميركية مشاركة الجانب الروسي في خلافات قضائية بشأن رعاية الأطفال المولودين في روسيا.

وقال بوتين: «الأغلبية الكاسحة من الأشخاص الذين يتبنون أطفالنا يتصرفون بشكل مناسب للغاية. إنهم أناس طيبون وأصحاب مبادئ. رد فعل نواب (الدوما) لم يكن بسبب هذا النشاط، ولكن بسبب موقف السلطات الأميركية».

ونفى بوتين، في تصريحات أوردتها وكالة «إيتار - تاس» الروسية للأنباء، أنه يقود نظاما مستبدا، قائلا: «أعتقد أننا حافظنا على الاستقرار، بوصف ذلك شرطا لا بد منه لتحقيق التنمية في البلاد. ولا يمكنني أن أسمي هذا نظاما مستبدا. إنني أختلف مع ذلك (القول)».

ولدى سؤال بوتين عن معاملة المشاركين في احتجاجات حاشدة، قال: «لا أعتقد أنه يتعين أن يسجن الناس بسبب المشاركة في احتجاجات حاشدة»، ولكن «الهجوم على المسؤولين وضربهم أمر مرفوض».

وأكد بوتين أن روسيا لن تغير قرارها بالاعتراف باستقلال الإقليميين الجورجيين الانفصاليين أوسيتا الجنوبية وأبخازيا، لكنه أضاف أنه يرغب في تطبيع العلاقات مع جورجيا.

وقال: «لا يمكن لروسيا أن تغير قرارها المتعلق باعترافها بأوسيتا الجنوبية وأبخازيا باعتبارها دولتين مستقلتين، لا يمكن أن نفعل ذلك تحديدا».

وعندما سئل عن حالته الصحية، رفض بوتين السؤال، حيث قال للصحافي مازحا: «ربما لا تعيش حتى تشهد يوم مماتي».