عقوبات تأديبية بحق 4 مديرين في الخارجية الأميركية على خلفية هجوم بنغازي

استقالة مدير مكتب الأمن الدبلوماسي في الوزارة

رئيس حكومة ليبيا علي زيدان (يمين) لدى اجتماعه في طرابلس مع وزير خارجية اليونان ديميتريس افراموبولس أمس (إ.ب.أ)
TT

صدرت عقوبات تأديبية بحق 4 من المديرين بوزارة الخارجية الأميركية مساء أول من أمس، إثر توجيه انتقادات حادة إليهم من جانب محققين مستقلين أكدوا أن الوزارة لم تتخذ إجراءات كافية لحماية المجموعة الأميركية التي قتلت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي في حصار استمر 8 ساعات لمقرات حكومية أميركية في مدينة بنغازي الليبية. وأعلنت وزارة الخارجية في وقت متأخر من يوم الأربعاء أنه فور صدور هذه العقوبات أعلن أعلى هؤلاء المسؤولين رتبة، وهو إيريك بوزويل، رئيس «مكتب الأمن الدبلوماسي»، استقالته من منصبه. وأكد مسؤول كبير في الإدارة الأميركية طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بمناقشة هذا الأمر علانية أنه تم إعفاء الثلاثة الآخرين، الذين كانوا مسؤولين عن مختلف جوانب الأمن والتخطيط بالنسبة للسفارات الأميركية في ليبيا والشرق الأوسط، من مناصبهم، وأنه من المتوقع أن يتم نقلهم إلى مناصب أخرى.

ورغم هذه التبعات فإن الجمهوريين الذين انتقدوا تعامل إدارة الرئيس أوباما مع هجوم بنغازي وصفوا التحقيقات بالفاترة، كما وصفوا توصيات العقاب بأنها غير كافية. فقد ذكر النائب مايك روجرز، من ولاية ميشيغان، وهو رئيس لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب، أن التحقيقات التي استغرقت 3 أشهر تحاشت تحميل كبار المسؤولين بوزارة الخارجية المسؤولية عن مقتل 4 أميركيين كان من بينهم السفير الأميركي لدى ليبيا. وتابع الرجل قائلا «سوف تظن أن كل الغرض من ذلك هو انتقاد الأخطاء بقسوة حتى لا تكررها مرة أخرى».

ورغم قيام وزارة الخارجية بنشر نسخة غير سرية من تقرير بنغازي، فإن واضعيه ومن هم على دراية بالتحقيقات يقولون إن النسخة السرية تتحدث بتفصيل أكبر عن الإخفاقات الاستخباراتية التي أسهمت في وقوع هجوم 11 سبتمبر الماضي. ويرسم هذا التقرير المطول صورة من عدم كفاية المعلومات وصعوبة تداولها داخل الوزارة، إذ يقول الأدميرال المتقاعد مايك مولين، وهو رئيس سابق لـ«هيئة الأركان المشتركة» وأحد المشاركين في وضع التقرير «لقد وجدنا أنه لم يكن هناك أي تحذير تكتيكي فوري من هجمات 11 سبتمبر، بل كانت هناك فجوة معلوماتية في فهم قطاع الاستخبارات للميليشيات المتطرفة في ليبيا والتهديد المحتمل الذي كانت تمثله للمصالح الأميركية». وأضاف أن «ازدياد العنف واستهداف الدبلوماسيين الأجانب والمنظمات الدولية في بنغازي لم يكونا بالوضوح الكافي على خلفية عدم فعالية أسلوب الإدارة المحلي واتساع دائرة العنف السياسي والقتال في ما بين الميليشيات، بالإضافة إلى تنامي معسكرات وميليشيات المتطرفين في شرق ليبيا».

وقد توصل «مجلس مراجعة المساءلة» إلى أن السفير كريستوفر ستيفنز كان لديه مجال حركة غير معتاد في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن والتنقلات، وأنه لم يكن دائما يخطر رؤساءه بجميع التطورات. وقد ألقى التقرير باللوم المباشر على الإرهابيين في ذلك الهجوم، ولم يحدد أي إخفاق واحد من جانب المسؤولين الأميركيين كان من الممكن أن يمنعه. ويقول السفير الأميركي السابق توماس بيكرينغ، وهو أحد واضعي التقرير «لقد كان أفراد الأمن الأميركيون في بنغازي أبطالا في الجهود التي بذلوها لحماية زملائهم، ومن بينهم السفير ستيفنز. لقد فعلوا أقصى ما في مقدورهم فعله بما كان لديهم، غير أن ما كان لديهم لم يكن كافيا». وأشار الرجل إلى أن هيئة التحقيق تلقي باللوم أو المسؤولية على مستوى مساعدي وزيرة الخارجية «حيث تتم فعليا عملية صنع القرار، أو - إذا شئت أن تقول - حيث تلمس الإطارات الطريق». ويترأس مساعدو الوزيرة المكاتب، أو الأقسام، المختلفة التي تنقسم حسب المنطقة الجغرافية وحسب الوظيفة.

وقد امتنعت وزارة الخارجية عن تحديد أسماء المسؤولين الثلاثة الآخرين الذين صدرت ضدهم العقوبات إلى جانب بوزويل، غير أن المسؤول الكبير في الإدارة الأميركية كشف أن اثنين منهم هما شارلين لامب، وهي نائبة الوزيرة المساعدة المسؤولة عن أمن السفارات، والتي ذكرت في شهادتها أمام الكونغرس في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أن البعثة الدبلوماسية في بنغازي كان لديها المستوى الملائم من الأمن ليلة الهجوم، وريموند ماكسويل، وهو نائب وزيرة مساعد في «مكتب شؤون الشرق الأدنى»، أما الثالث، الذي لم يتم تحديد هويته، فهو يعمل في «مكتب الأمن الدبلوماسي». ولم يتم منح الهيئة المكلفة بالتحقيق في الهجوم سلطة التوصية بإنهاء خدمة هؤلاء الموظفين، إلا أنها سمح لها بتحديد ما إذا كان هؤلاء الموظفون قد أهملوا في أداء واجباتهم. وذكر بيكرينغ أن أيا من الإخفاقات الإدارية التي وقعت لم يكن يرتقي إلى ذلك المستوى.

كما أن التقرير لم يوجه لوما مباشرا إلى وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، التي كانت قد تسلمت نسخة من التقرير السري في وقت سابق من هذا الأسبوع، وقد أبلغت الكونغرس قبولها بنتائجه. وأعلنت لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب يوم الأربعاء الماضي أن كلينتون سوف تدلي بشهادتها أمام هيئة التحقيق قبل منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل، بعد أن اضطرت إلى إلغاء الإدلاء بشهادتها كما كان مقررا بداعي المرض. ويقول نائب وزيرة الخارجية، ويليام بيرنز، الذي سيدلي بشهادته بدلا من كلينتون «لقد تعلمنا بعض الدروس الصعبة والمؤلمة للغاية في بنغازي. نحن نسير عليها بالفعل. ينبغي أن نؤدي بصورة أفضل».

وصرحت كلينتون بأنها ستعمل على تنفيذ التوصيات الـ29 التي أصدرتها هيئة التحقيق، وهناك 5 من هذه التوصيات لم يتم تضمينها في النسخة غير السرية من التقرير. وأوضح بيكرينغ أنها تتعلق في المعظم بأمور استخباراتية سرية، كما أن واحدة منها على الأقل تتعامل مع توصيات باتخاذ إجراءات تأديبية في حق المديرين الذين يثبت تقصيرهم. ومن بين التوصيات الأخرى، اقترحت الهيئة المكونة من 5 أعضاء إجراء تغيير شامل في إجراءات تبادل المعلومات الاستخباراتية داخل وزارة الخارجية «من أجل وضع المعلومات الأساسية عن التهديدات المتعلقة بالأمن في الأيدي المناسبة بسرعة أكبر».

ورغم أن التقرير يذكر أن هناك نقصا عاما في فهم التهديدات القائمة في بنغازي، فإن الانتقادات وجهت في المعظم إلى طريقة استخدام وزارة الخارجية لما لديها من معلومات استخباراتية، ولم يرد في التقرير غير السري أي ذكر لـ«وكالة الاستخبارات المركزية»، التي تعد لاعبا رئيسيا في النشاط الأميركي في بنغازي. ويقول مسؤول استخباراتي أميركي كبير «على كل الأصعدة، فإن ما نتحدث عنه هنا هو كيفية استخدام المعلومات الاستخباراتية. إنها مسألة تتعلق بكيفية نظر وكالة معينة إلى تلك المعلومات وربط الجزئيات معا». وكان أشد الانتقادات الواردة في التقرير، بما في ذلك التوصيات التي لم يتم الإعلان عنها للجمهور، ضد وحدة تحليل التهديدات التابعة لوزارة الخارجية، التي تعرضت للانتقاد بسبب تركيزها أكثر من اللازم على البحث عن تحذيرات محددة من هجمات وشيكة إلى درجة أنها لم تتمكن من ملاحظة الإشارات والدلائل الأكبر على تصاعد مستوى الخطر.

ويقول روجر، ملمحا إلى مقر تابع لـ«وكالة الاستخبارات المركزية» في بنغازي تعرض لهجوم لكنهم لم ينجحوا في اختراقه أبدا، إن ذلك «يستحضر بالتأكيد السؤال عن السبب في أن يكون هناك مقر به حماية ملائمة» في حين لا يكون المقر التابع لوزارة الخارجية كذلك. وقد ظلت «وكالة الاستخبارات المركزية» و«مكتب مدير الاستخبارات الوطنية» وغيرهما في انتظار رؤية ما إذا كان التقرير سيحدد جوانب القصور في الدور الذي تلعبه هذه الأجهزة في بنغازي أم لا، إلا أن المسؤولين يقولون إن الانتقادات الواردة في التقرير اقتصرت على الثغرات في فهم الأجهزة الاستخباراتية الأميركية للجماعات المسلحة. ويوضح المسؤول الاستخباراتي الأميركي «ما كنا نتطلع إليه هو ما إذا كانت هناك أي انتقادات للمعلومات الاستخباراتية التي نقدمها أو الطريقة التي نقدمها بها، والإجابة عن ذلك حتى الآن هي لا».

ويحدد التقرير جوانب القصور في الفهم الأميركي للميليشيات الموجودة في بنغازي، ومن بينها الجماعة المعروفة باسم «17 فبراير (شباط)»، التي كانت وزارة الخارجية قد استأجرتها، إلا أنها لم تستجب لالتماسات المساعدة أثناء الهجوم. ويقول مولين «إنها جماعة مهلهلة للغاية من الميليشيات المحلية التي تتأرجح في الدخول تحت تلك المظلة والخروج من تحتها مع الوقت. أعتقد أن هذا يعبر عن الثغرات، الثغرات في المعلومات الاستخباراتية التي كانت موجودة في ذلك الوقت في شرق ليبيا بشكل عام، ليس بالنسبة لنا فحسب بل بالنسبة للكثير من البلدان التي كانت موجودة هناك». ويؤكد النائب الديمقراطي آدام شيف من ولاية كاليفورنيا، وهو عضو في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب، أن ضعف فهم الانتماءات المتداخلة بين الميليشيات وتضارب الأجندات والعناصر المخادعة «جعلتنا نتكل عليها اتكالا في غير محله في ما يتعلق بالأمن».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»