المكسيك تكافح للتحول إلى بلد ثري بطبقة وسطى موسعة

الرئيس الجديد بينا نيتو يتعهد بانتشال 15 مليون مواطن من الفقر خلال ست سنوات

بيدرو لوبيز (وسط) يتناول الغداء مع أفراد عائلته في تشالكو، المتحولة من منطقة ريفية إلى ضاحية راقية قرب مكسيكو. واستطاعت العائلة بناء منزل اعتمادا على راتب بيدرو (ضابط شرطة) ومتجر صغير تملكه
TT

قبل ثلاثين عاما، انتقلت لورديس هويسكا وزوجها إلى قطعة أرض صغيرة في حقول موحلة على أطراف مكسيكو الفقيرة، حيث عاش الزوجان الشابان في كوخ من دون مياه أو كهرباء. كانت هويسكا، التي لم تتعلم القراءة قط لكنها تستطيع إجراء العمليات الحسابية، تصطحب أبناءها إلى المدرسة يوميا. كافحت الأسرة وضحت وادخرت، وأصبحت الآن، بعد نحو ثلاثين عاما، تملك متجر أحذية في السوق ومنزلا جميلا مبنيا من الإسمنت به ثلاث غرف نوم وعلى جدرانه لوحات زيتية لمناظر طبيعية، وبه شاشة تلفزيون مسطحة، وهي هدية من أكبر أبنائها، الذي يعمل مهندسا للأنظمة البيئية. وتقول هويسكا «لقد منحتنا المكسيك الكثير». لكنها تدرك كيف أنه من السهل أن يتراجع مستوى أسرتها مجددا في دولة غالبا ما يسير فيها الحراك الاجتماعي في الاتجاه الخاطئ.

بناء على عدد من المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية، وصلت المكسيك إلى نقطة تحول، بحسب خبراء التنمية. لم تعد البلاد فقيرة، رغم كونها بعيدة جدا عن الثراء. مضت هويسكا وغالبية محدودة من مواطني المكسيك البالغ عددهم 114 مليون مواطن قدما بشق الأنفس في طريق اللحاق بركب طبقة وسطى ناشئة.

وتطال التغيرات التي تحدث في المكسيك الولايات المتحدة، ويتجلى ذلك خصوصا في عبور سلع تربو قيمتها على مليار دولار الحدود بين البلدين يوميا. ويشترك العمال المكسيكيون والأميركيون في تصنيع السيارات والطائرات وأجهزة الكومبيوتر وأقمار صناعية. وعلاوة على ذلك، فإن كون المكسيك دولة منفتحة تضم طبقة وسطى أكثر تماسكا يوفر سوقا قريبة من الولايات المتحدة لترويج السلع والخدمات الأميركية، فيما يسهم في تقليل عدد المكسيكيين العاطلين المتجهين إلى الشمال للعمل بشكل غير شرعي في الولايات المتحدة.

لكن في أوجه جوهرية، ما زالت المكسيك بعيدة عن إتمام هذا التحول من دولة غالبية سكانها من الفقراء وتنخفض فيها الأجور والتوقعات، إلى دولة أكثر ثراء وبها مستوى تعليمي أفضل وأكثر تنافسية. ويحصل كثير من أبناء الطبقة الوسطى في المكسيك، على قوت يومهم بالكاد. فهويسكا (53 عاما) تتمتع بصحة جيدة، بينما يعاني زوجها من مرض السكري، ونظرا لأن الزوجين عملا في الاقتصاد غير الرسمي طوال فترة حياتهما، فإنهما ليس لديهما تأمين صحي أو اجتماعي. وعندما يذهبان إلى الطبيب فإنهما يدفعان ثمن العلاج نقدا. وليست لديهما معاشات تقاعد أو مدخرات أو أصول باستثناء منزل الأسرة الكائن في شارع قذر.

تخرج اثنان من أبنائهما في الجامعة، والثالث في السنة الأخيرة بإحدى الجامعات الحكومية. لكن في حالة فقدان أحد أفراد الأسرة وظيفته أو إصابته بمرض عضال، يمكن أن تلحق هويسكا بسرعة بالثلاثة ملايين مكسيكي الذين تراجعوا من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الفقيرة إبان الركود الأخير.

لحق نحو 17 في المائة من المكسيكيين بصفوف الطبقة الوسطى في الفترة من عام 2000 إلى 2010، بحسب تقرير صادر مؤخرا عن البنك الدولي، وعلى الرغم من أن استمرار الفجوة المتسعة بين الأثرياء والفقراء في البلاد يمكّن من إدراك الإجراءات التي تعزز عدم التكافؤ بين المواطنين في المكسيك بدرجة تفوق أي دولة أخرى من دول أميركا اللاتينية، باستثناء بيرو، فإن المكسيك - التي تحتل المرتبة الثالثة عشرة بين أكبر الاقتصادات في العالم، واعتمدت على ازدهار التجارة الحرة مع الولايات المتحدة - ما زال مستواها الاقتصادي متدنيا بدرجة كبيرة عن منافسيها، وفقا لتحليل أجراه ممثلوها في البنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم 34 دولة متقدمة.

في المكسيك، يحصل العاملون من الطبقة الوسطى على دخل أقرب لأجور أدنى طبقات الهرم الاجتماعي منه لأجور أعلى طبقاته. تحصل نسبة العشرة في المائة الأدنى دخلا على 1.3 في المائة فقط من إجمالي الدخل، فيما تحصل نسبة العشرة في المائة الأعلى دخلا على 36 في المائة من إجمالي الدخل.

تعهد رئيس المكسيك الجديد، إنريكي بينا نيتو، بانتشال 15 مليون مواطن من الفقر خلال الأعوام الستة المقبلة بزيادة معدل النمو الاقتصادي بمقدار ثلاث مرات عن معدله الحالي، ومنح قروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتحطيم الأسوار المنيعة التي حصنت الاحتكار وأبقت النخبة خارج نطاق المنافسة. إنه برنامج عمل طموح، لم يحققه سلفه، فيليب كالديرون، مطلقا في فترة رئاسة ارتفع فيها معدل الفقر في ظل الأضرار الفادحة التي أتت بها الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2009، على الرغم من ارتفاع حجم النفقات الحكومية على برامج الرفاهية الاجتماعية.

ويتضح كفاح المكسيك من أجل تأمين مستقبل أفضل في المدن الواقعة على الأطراف، مثل تشالكو، التي لم تعد حيا فقيرا، لكنها لم تصل لمستوى الضواحي الراقية، حيث تحكي الأسر العادية عن صعوبة تحقيق ذلك في المكسيك. كان وادي تشالكو، الذي كان من قبل موقعا لبحيرة ضحلة يصيد فيها الخدم في إمبراطورية الأزتيك، مرعى أبقار هادئا، على مدار معظم فترات القرن العشرين. وبعد الزلزال المدمر في عام 1985، حول اللاجئون من العاصمة، المكان المهجور، إلى عاصمة تجارية. والآن، بات وادي تشالكو موطنا لـ850 ألف ساكن ويعج بالمدارس الجديدة والعيادات والملاعب التي أنشأتها الحكومة، مع مبان تجارية تبرز من أحياء بها مبان إسمنتية. ويقول العمدة إيستيبان هيرنانديز «في عام 1976، كانت هناك مدرستان ابتدائيتان فقط في تشالكو. أما اليوم فلدينا 380 مدرسة، وست جامعات». وقال العمدة إن التعليم قد غير مصير المكسيك، أكثر من أي جانب آخر.

بمقدور المكسيك أن تتحمل تكلفة تعليم مزيد من الأطفال نظرا لأنها لم تعد تعاني من انفجار سكاني. وكان معدل الخصوبة في الدولة في الستينات من القرن العشرين سبعة أطفال لكل لأم. واليوم، أصبح طفلين لكل أم.

نشأت لورديس هويسكا في أسرة تضم 10 أشقاء، غير أنها وزوجها لديهما ثلاثة أبناء فقط. وتقول «بالنسبة لي، يعتبر هذا عددا كبيرا». تقول هويسكا «أخبرت أبنائي بأنهم سيتلقون تعليمهم». وصل الأبناء الثلاثة إلى المرحلة الجامعية. قام أصغر أبنائها بالتسجيل في المعهد المتعدد التقنيات الوطني، حيث تكلف المصاريف الدراسية والكتب وأجرة الحافلة الأسرة قرابة 200 دولار في كل فصل دراسي، وهو يرغب في أن يصبح مهندس كومبيوتر. وتقول هويسكا «بمجرد أن ينهي ثالث أبنائي دراساته، ستكون حياتي قد اكتملت».

ويعد أطفالها استثناء، إذ إن معظم الأطفال المكسيكيين من سن 5 إلى 14 عاما يتلقون التعليم في المدارس، وهو ما يعد تقدما عظيما. غير أن 20 في المائة فقط من البالغين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 34 عاما هم من تلقوا تعليما جامعيا، مقارنة بنسبة 37 في المائة عبر دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وبحسب استطلاعات رأي لمديري المدارس، يصل 70 في المائة من المعلمين المكسيكيين - الذين ينتمون لإحدى أقوى النقابات في أميركا اللاتينية، التي يديرها رئيس يتقلد هذا المنصب مدى الحياة – إلى العمل متأخرين، أو لا يكونون مستعدين للتدريس في الفصول أو يتخلفون عن الحضور.

لا يزال اقتصاد المكسيك غير المشروع – الذي يضم سوقا سوداء منتعشة – الوسيلة الأسرع بالنسبة لكثيرين، على نحو يعكس ميلا إجراميا عنيفا يعيق تقدم الدولة.

صنعت إيفا أورتيز حياة كريمة على مستوى الطبقة الوسطى لأسرتها عن طريق بيع أقراص فيديو رقمية مقرصنة في سوق تشالكو. ونظرا لنشأتها كطفلة يتيمة، فقد عملت خادمة في سن العاشرة ووقعت ضحية لحادثة اعتداء في سن الرابعة عشرة وأصبحت أما في سن الخامسة عشرة. ولم تمض يوما واحدا من أيام طفولتها في فصل دراسي. لكنها بدأت تبيع أقراص «في إتش إس» مهربة لأفلام كارتون ديزني. إن عددا محدودا فقط من المكسيكيين هم من يرون أن هذا النوع من التجارة عمل يدعو للخجل - على الرغم من أن جمعية الفيلم الأميركي تقول إن جرائم القرصنة تكبد أعضاءها خسائر تتراوح ما بين 300 إلى 600 مليون دولار سنويا في صورة عائدات مفقودة في المكسيك. واليوم، تعتبر أورتيز، أشهر متعهدة بيع أفلام وألعاب فيديو في تشالكو، وهي توظف ثلاثة بائعين. «الناس هنا لا يمكنهم دفع 100 بيزو (8 دولارات) لشراء هذه الأفلام من أحد المتاجر»، تقول أورتيز (39 عاما) التي تبيع هذه الأفلام بسعر دولار للفيلم.

وضعت منظمة الشفافية الدولية المكسيك في المرتبة 105 بين 174 دولة في مؤشر مدركات الفساد، خلف جامايكا والصين وبلغاريا. وتقول المنظمة إن احتمال تقديم سائق سيارة رشوة لشرطي مرور في ولاية مكسيكية، حيث توجد مدينة تشالكو (وحيثما كان بينا نيتو محافظا) يزيد على 80 في المائة. لقد باعت أورتيز عددا من النسخ المهربة يكفي لشراء سيارة «إس يو في» طراز «تشيفي» 2009 ومنزل إسمنتي لبناتها الأربع.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»