مجلس الأمن يعطي الضوء الأخضر لنشر قوات في مالي

خبراء يستبعدون نجاح العملية أمام «خصم يصعب محاصرته».. وباماكو متفائلة

TT

يرى خبراء أن العملية العسكرية التي وافق عليها مجلس الأمن الدولي مساء أول من أمس للتصدي للمجموعات المسلحة في شمال مالي محكومة بالفشل لعدم توفر الوسائل الضرورية لديها ولأنها ستواجه عدوا تصعب محاصرته. وحذر هؤلاء من أن قوات التدخل الدولية التي وافق مجلس الأمن على نشرها في مالي قد لا تنجح في إتمام مهمتها في مواجهة مجموعات متكيفة تماما مع الظروف على الأرض وسيتسنى لها الاستعداد وستتجنب تقديم أهداف واضحة، وهم يرون أن النزاع قد يطول.

وقال ضابط فرنسي كبير، طلب عدم كشف اسمه، لوكالة الصحافة الفرنسية: «من المرجح أنهم سيتجنبون القتال بشكل مباشر لأنهم لن يحظوا بأي فرصة فيه. وإذا ما كانت القوات المواجهة لهم ذات مصداقية، فسينسحبون بالتأكيد من المدن ويعودون إلى ملاذاتهم في المناطق الجبلية القريبة من الحدود الأفغانية مثل أدرار إيفوراس، وهناك سيكون من الصعب للغاية مطاردتهم». وقال رئيس سابق لجهاز استخبارات، طلب أيضا عدم كشف اسمه: «إننا نسير نحو طريق مسدود في هذه القضية. إننا في مأزق وهم يعرفون ذلك جيدا في المقلب الآخر. لا يمكننا الوقوف مكتوفي الأيدي، ومن جهة أخرى إن قمنا بتحرك ما، فلن يكون ذلك كافيا بشكل تام. إننا نواجه وضعا سيستمر لفترة طويلة جدا».

ووافق مجلس الأمن الدولي الخميس على أن «تنتشر في مالي لفترة أولية تمتد عاما القوة الدولية لدعم مالي بقيادة أفريقية»، ولكن على مراحل ومن دون تحديد جدول زمني لاستعادة السيطرة على شمال هذا البلد الذي يسيطر عليه متشددون. ومن المقرر نشر 3300 عنصر برعاية الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) من دون تدخل مباشر من القوات الغربية. وقال الموفد الخاص للأمم المتحدة إلى الساحل رومانو برودي إن القوة لن تكون جاهزة لمباشرة عملياتها قبل سبتمبر (أيلول) 2013.

وقال الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات إنه «إذا أردنا استئصال المشكلة فعلا فسيترتب علينا إرسال قوات أفريقية وغربية، وإغلاق الحدود وتمشيط المنطقة. لن تكون قوة من ثلاثة آلاف عنصر كافية، بل سيترتب إرسال أكثر من ذلك بمائة مرة ولفترة طويلة. إننا بعيدون كل البعد عن هذه الإمكانات. خذوا أفغانستان مثلا، وسوف تفهمون». وأضاف: «سوف نسدد ضربة في الفراغ. الخصم لن يكون حيث نتوقع. سوف ينسحبون، ويلجأون إلى الجبال ويهاجمون لاحقا، في وقت لا ننتظر ذلك، ضمن مجموعات صغيرة تضرب وتنسحب على الفور. هذه الأسس البديهية لحرب الشوارع».

وفي مواجهة قوة منظمة، من المؤكد أن يعمد مقاتلو «حركة الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا» و«تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«أنصار الدين» إلى الانسحاب من المدن الكبرى التي يحتلونها، وعندها قد يكون من الممكن ترصدهم، لكن ذلك يتطلب مشاركة قوات جوية غير متوفرة حاليا. وقال الضابط الكبير: «باشرنا رصد طرق الانسحاب التي يمكن أن يسلكوها لمغادرة مراكز مثل تمبكتو وغاو وكيدال ووضع خرائط لها بواسطة التنصت على الاتصالات الهاتفية والمراقبة الجوية وعبر الأقمار الصناعية». وتابع أن «المشكلة هي أن الوسائل الجوية لمهاجمة هذه الأرتال من الشاحنات الصغيرة غير متوفرة، على الأقل في الوقت الحاضر. الجيش الفرنسي ليس لديه مثل هذه الوسائل في المنطقة والطائرة الأميركية من دون طيار الأقرب إلى المنطقة هي في جيبوتي، أي خارج نطاق العمل. ينبغي أن يقتربوا من مسرح العمليات هذا، وهو أمر ممكن لكنه غير مدرج على جدول الأعمال حاليا».

والعقبة الأخرى التي يترتب تخطيها تكمن في إعداد قوات التدخل وتدريبها وتسليحها. وأقر الجنرال كارت هام قائد القيادة العسكرية الموحدة الأميركية لأفريقيا في مداخلة مؤخرا أمام مركز دراسات في واشنطن بأن «قوة (الإيكواس) تم تدريبها وتجهيزها بشكل واف من أجل القيام بمهام حفظ السلام، لكن ليس من أجل نوع المهمة التي قد تكون ضرورية في شمال مالي».

لكن رغم هذا التشاؤم، بدت ردود الفعل الأولى على قرار مجلس الأمن، إيجابية بشكل عام في باماكو. وقال مستشار الرئيس المالي بالوكالة ديونكوندا تراوري أمس: «نحن ممتنون للأسرة الدولية وتم التوصل إلى توافق بشأن الوضع في مالي»، مؤكدا أنه «يوم مهم للأحداث المقبلة». وأضاف قائلا «سنحارب الإرهابيين وسنواصل التفاوض مع أشقائنا المستعدين للحوار». كما رأى مصطفى سيسي العضو في «الجبهة من أجل الديمقراطية والجمهورية» التي تشكلت بعد انقلاب 22 مارس (آذار) الذي أطاح بالرئيس أمامدو توماني توري، أنه «خبر رائع». وقال إن «هذا التصويت يعكس إرادة الأسرة الدولية بعدم التخلي عن مالي»، مؤكدا أنه «من الضروري الآن تحديد الأولويات لترجمة القرار إلى واقع حتى تتمكن مالي من استعادة سيادتها على كل أراضيها». لكن حتى بين ممثلين للمجتمع المدني في باماكو بدت أصوات متحفظة. وأكد عمر كوليبالي الذي ينتمي إلى أحد فرعي تنسيقية المنظمات الوطنية لمالي التي دعمت انقلاب 22 مارس، معارضته لإرسال قوة دولية إلى مالي. وقال إن «مالي يجب أن تتحكم بمصيرها وتجد الحل بنفسها. نحن ضد إنزال جنود أجانب في مالي ونقول ذلك بصوت عال».