النظام السوري يعاقب المدنيين بهجوم بالقنابل العنقودية

استهداف متعمد بسلاح يستحيل استخدامه بدقة

TT

انطلقت الطائرة من الجنوب الشرقي عصرا، مطلقة أسلحتها مرة واحدة. وفي غضون ثوان، تم إطلاق أعداد ضخمة من القنابل الصغيرة المزعنفة التي سقطت على المنازل والشوارع الضيقة بهذه المدينة السورية الصغيرة محدثة انفجارات هائلة.

وبعد الصرخات والجمع البائس من الضحايا، أشار فريق العمل بمستشفى الحرية المحلي إلى وجود 4 قتلى و23 مصابا. وجميعهم كانوا من المدنيين، بحسب أطباء وسكان.

لقد حدقت صور كثيرة من العنف والشدة بشعب سوريا مع تصاعد الحرب الأهلية في البلاد هذا العام. لكن هجوم النظام السوري هنا يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) أشار إلى أحد الأنماط المؤكدة للحرب، وهو الاستهداف المتعمد للمدنيين من قبل جيش الرئيس بشار الأسد، في هذه الحالة، بسلاح يستحيل استخدامه بدقة.

لقد عانى السوريون من الجانبين في هذا القتال من ويلات إراقة الدماء والصراعات الطائفية بالنظر إلى التصريح الضمني، الذي تمنحه الحرب باستخدام كل الوسائل الممكنة. يصف ضحايا الهجمات بالقنابل العنقودية هذا الأسلوب بأنه نوع من العقاب الجماعي، ثأر شامل من قطاعات السكان التي تقف في صف الثوار.

تم تصميم الذخائر المستخدمة في الهجوم؛ «بي تي إيه بي - 2.5 إم إس» التي تعود لحقبة الاتحاد السوفياتي، قبل عقود من قبل مهندسين شيوعيين لتدمير تكوينات من المركبات المسلحة والدبابات الغربية في ساحة المعركة، يتم حقنها في عناقيد كثيفة من موزعات السقوط الذاتي يتم إسقاطها من الطائرة. بعدها، يتم نشر القنابل الصغيرة وإسقاطها ومقدمتها للأسفل على الأرض وتفجيرها مرة واحدة على منطقة واسعة، عادة ما تمتد لمئات الياردات.

وتقع مارع على طول سهل زراعي، ومحاطة لأميال بحقول خاوية. حتى في الليل أو في أوقات الطقس السيئ، لا يمكن الخلط بينها وبين أي شيء آخر، نظرا لما يميزها من مجموعة كبيرة من الشركات الصغيرة والمكاتب والمنازل التي تشكل معا مدينة.

كان صحافيان من «نيويورك تايمز» متجهين إلى مارع، حينما حدث الهجوم، ووصلا بعد وقت قصير من تطاير القذائف المتفجرة عبر ضواحيها.

وسالت الدماء في الشوارع، بما في ذلك جانب مركز مياه عمومي عند تقاطع طرق حيث قتل نبهان الحاجي، 18 عاما.

كان ضحية أخرى، وهو أحمد نجار إسماعيل، يقود دراجة بخارية حينما وقعت قنابل بجانبه، لتدق عنقه. كما تعرض رامي ناصر، 15 عاما، لإصابة مميتة.

كان المستشفى مكتظا بالمرضى. كذلك، كان المزيد من المرضى في طريقهم إلى مستشفيات في تركيا.

تحظر معظم دول العالم استخدام الذخائر العنقودية، على الرغم من أن سوريا، على غرار الولايات المتحدة، ليست طرفا في تلك المعاهدة الدولية. وفي أسلوب الحديث المستقل بذاته للمخططين العسكريين، أحيانا ما يشار إليها باعتبارها مدفعية لها تأثيرات تغطي رقعة واسعة من الأرض.

في الهجوم على مارع، تم إسقاط ثلاثة موزعات، يحتوي كل منها على 42 قنبلة صغيرة أصغر نسبيا من زجاجة سعتها لتر واحد ومعبأة بشحنة مشكلة شديدة الانفجار، على الأحياء والمنازل.

بدأت مراسم جنازتين مع غروب الشمس، وهما الأخيرتان في مدينة ثارت مبكرا ضد النظام السوري، وكانت أحد معاقل العصيان.

أشار صاحب منزل، يدعي علي فروح، إلى المكان الذي اخترقت فيه قنبلة عنقودية «بي تي إيه بي - 2.5 إم» حائطا خارجيا بفناء منزله. وحمل ابنه الصغير أجزاء من شظايا القذيفة المتناثرة.

«بشار حصان»، هكذا جاءت كلمات فروح، وهو في حالة من الاشمئزاز مع نطقه اسم الرئيس. وأضاف: «إنه حمار».

كشف فحص للمنطقة في ضوء النهار عن علامات مميزة دالة على هجوم بذخائر عنقودية محمولة جوا، من بينها ذخائر فرعية «بي تي إيه بي - 2.5 إم» غير متفجرة والأجزاء الخلفية من ثلاث موزعات والهياكل الرئيسية للثلاث موزعات.

وعرض ساكن آخر بقايا شبه سليمة من جهاز تفجير زمني آلي طراز «إيه تي كيه - إي بي» مرتبط بالموزعات نفسه. وكان هناك عدد ضخم من شظايا ذيول الذخائر الفرعية، كما تم العثور أيضا على غطاء مقدمة موزع. وعبر أنحاء المدينة، شوهدت كثير من الحفر الناتجة عن شحنات مشكلة. بعضها اخترق الإسفلت بعمق حتى النفايات بالأسفل، مثل الحفارة.

لم يكن واضحا على وجه التحديد سبب شن الهجوم على مارع، مع أن كثيرا من السكان أشاروا إلى دوافع تجمع بين العقاب الجماعي والثأر.

تعتبر المدينة مسقط رأس عبد القادر الصالح، وهو قائد بارز في صفوف الثوار في منطقة حلب. يعرف صالح، ممشوق القوام وصاحب الشخصية الساحرة، على المستوى المحلي كنوع من التوقير باسم حاج مارع، ويحتفي به سكان المدينة بسبب مزيج الصفات التي يتمتع بها من دهاء وشجاعة وحظ في ساحة القتال. في هذا الشهر، قبل أيام من الهجوم بالقنابل العنقودية على مدينة مارع مسقط رأسه، عين قائدا في الجيش السوري الحر المعاد تنظيمه، مثلما يشير كثير من الثوار لأنفسهم.

وقال سكان إن تاريخ مارع الحديث، وارتباطه الذي لا يمحى بالقائد الذي أفرزته المدينة، قد جعلها تتصدر قائمة أهداف الأسد.

يقول ياسر الحاجي، وهو ناشط فقد أحد أقاربه في هذا الهجوم: «النظام يكنّ لنا كراهية على وجه الخصوص».

لا أحد ينكر أن مارع قد تعرضت لهجوم بشكل متكرر بواسطة بعض أكثر الأسلحة المخيفة التي يملكها نظام الأسد. وفي يوم الخميس، أشار سكان إلى تعرضهم لقصف بصواريخ «كروز»، أو قد تكون «سكود»، قالوا إنها هبطت شمال المدينة، متسببة في انفجارات هائلة أحدثت فجوات في الأرض.

وفي حالة الهجوم بالذخائر العنقودية، ضربت واحدة من القذائف الفرعية مبنى يستخدمه الثوار - مدرسة يستقر بها بعض مقاتلي حاج مارع. أحدث فجوة صغيرة في السقف الإسمنتي وتناثرت أجزاء من الإسمنت وشظايا القذيفة بأسفل الغرفة، التي كانت خاوية.

تبادل كثير من المقاتلين، الذين كانوا يعقدون اجتماعا في الغرفة المجاورة، حينما دوت الطائرة في عنان السماء، وضربت القنبلة الصغيرة الوحيدة، من بين أكثر من مائة، المبنى، الحديث عن هزيمتهم الوشيكة. لكنهم كانوا في حالة ثورة عارمة جراء الهجوم.

تحدثوا عن تصعيد النظام لاستخدام الأسلحة على مدار العام - من قذائف الهاون والدبابات والمدفعية إلى المروحيات المقاتلة، ثم إلى الطائرات الهجومية النفاثة ذات الأجنحة الثابتة. منذ الصيف، استخدم جيش نظام الأسد الذخائر العنقودية مرارا وتكرارا، وبدأ مؤخرا استخدام الذخائر العنقودية الحارقة بالمثل. وفي هذا الشهر، ذكر نشطاء ومسؤولون سوريون في واشنطن أن النظام قد صعد الضغط، مع بقاء أحد آخر الأسلحة غير المستخدمة في مستودع أسلحته؛ صواريخ «كروز»، مع رؤوس حربية تقليدية. وذكر المحللون الذين قد شاهدوا التصعيدات التدريجية أن نظام الأسد قد انتهج استراتيجية «الطهي على نار هادئة».

ويقولون إنه مع التصعيدات المتزايدة، منع الأسد الغرب من إيجاد مبرر لدخول الحرب، مثلما فعل حلف شمال الأطلسي (الناتو) مع العقيد الليبي معمر القذافي بعد أن سخر قوة جيشه الكاملة مع بداية الحرب.

* خدمة «نيويورك تايمز»