النزاهة والفساد والشفافية والديمقراطية.. وجبات يومية على موائد العراقيين

تلوكها يوميا ألسن رجالات السياسة والحكم لكن من دون جدوى

TT

تسللت في السنوات الأخيرة مفردات جديدة إلى القاموس اللغوي والاجتماعي في العراق مثل النزاهة والفساد والشفافية والديمقراطية. وبسبب استمرار الخلافات السياسية على الرغم من إعلان الجميع إيمانهم بمبدأ «التداول السلمي للسلطة» وهو أحد المصطلحات والمفاهيم الجديدة فإن هذه المفردات تلوكها يوميا ألسن رجالات السياسة والحكم وزعماء الأحزاب والناشطين في منظمات المجتمع المدني.

ومع انتشار القنوات الفضائية والصحف ومواقع الإنترنت مع إشاعة مبدأ «حرية الرأي والتعبير»، وهو الآخر مصطلح وافد على قاموس العراقيين، فإنه بات بإمكان أي «فاسد» في الطبقة السياسية أن يعقد مؤتمرا صحافيا باسم «الديمقراطية» ليتحدث بكل «شفافية» عن «النزاهة» التي يفتقر إليها. والعكس مكفول للطرف الآخر ما دامت العملية السياسية محكومة بمبدأ التوافقية، وهو البديل العملي لغياب الدستور المختلف على تفسير مواده جملة وتفصيلا.. مثلما أنه محكوم بمبدأ آخر وهو «التسويات» أو «الصفقات»، وهو ما يجعل أخطر الملفات مخفية في الأدراج تنتظر لحظة الخلاف حتى يتم إشهارها إما لإحراج الخصم أو إسكاته أو تسقيطه سياسيا.

العراقيون لا يزالون يعانون الأمرين بسبب النقص الحاد في الخدمات، وفي المقدمة منها الماء والكهرباء والبطاقة التموينية، بالإضافة إلى الخدمات البلدية التي يقع قسم كبير منها في خانة البنية التحتية مثل الطرق والجسور وبناء المدارس الحديثة حيث لا تزال تنتشر في بعض محافظات الجنوب المدارس الطينية، بينما تكتظ المدارس الأخرى بأعداد كبيرة من التلاميذ.

الأرقام التي توردها المنظمات الدولية ومنها الشفافية الدولية المعنية بمؤشرات الفساد في العالم لا تزال وعلى مدى السنوات العشر الماضية تضع العراق في مراتب متدنية لن تسبقه سوى الصومال وأفغانستان. والأمر نفسه يتكرر مع اليونيسيف التي تتحدث عن نحو 5 ملايين طفل يتيم في العراق أو ما نسبته 16 في المائة نتيجة أعمال العنف التي شهدها خلال السنوات الماضية. وعلى الرغم من الأرقام الفلكية لمعدلات الفساد في العراق فإن المشمولين برواتب الرعاية الاجتماعية يتلقون مبلغا مقداره 150 ألف دينار شهريا (ما يعادل 100 دولار) وهو مبلغ لا يلبي متطلبات المعيشة في الظرف الراهن في ظل تدني مستوى الخدمات خاصة الكهرباء.

ويؤكد رئيس لجنة العمل والشؤون الاجتماعية في البرلمان العراقي يونادم كنا، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «لجنة العمل والشؤون الاجتماعية أعدت قانونا خاصا للضمان الاجتماعي، وهو الآن أمام البرلمان، وفي حال إقراره فإنه سوف يشكل نقلة على صعيد حياة العراقيين». ولدى سؤاله عما تحقق للعراقيين طوال السنوات العشر الماضية بالقياس إلى الكم الهائل من الوعود، قال كنا «بالتأكيد الأمر مخيف لأن الخلافات السياسية واستمرارها فضلا عن عدم القدرة على محاربة الفساد المستشري في كل مفاصل الدولة تركت تأثيراتها المباشرة على الحياة اليومية للناس»، مضيفا أن «هناك الكثير من القوانين المعطلة من شأنها في حال تشريعها أن تحقق تقدما ملموسا في كل مجالات الحياة».

أما عضو لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي والقيادي في التيار الصدري عدي عواد فقد أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «ما أنفق على الكهرباء وحدها خلال السنوات العشر الماضية أرقام مخيفة، ولكن لم يتحقق شيء حتى الآن بسبب الفساد المالي والإداري وعدم قدرة هيئات النزاهة على وضع حد للفساد بسبب الخلافات السياسية التي تركت آثارها على كل شيء». وأكد عواد أن «من بين ما نعانيه من مشاكل أننا في لجنة الطاقة لم نتمكن من استجواب وزير الكهرباء بسبب الجو السياسي السائد».

لم يعد مهما الحديث عن النتائج سواء على مستوى النزاهة أو الفساد أو الشفافية أو الديمقراطية، بقدر الحديث أمام الإعلام عنها بكل شفافية وحرية. عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية حامد المطلك يعزو ذلك في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» إلى «فشل الطبقة السياسية والحكومات المتعاقبة بعد التغيير في إمكانية إحداث نقلة ولو جزئية في المجتمع العراقي»، مؤكدا أن «سلسلة المشاكل التي نعانيها ناتجة عن عدم حرص على بناء الدولة، فضلا عن أن الكثير من رجالات الطبقة السياسية هم جزء من مشاريع تهدف إلى الإضرار بالمجتمع العراقي بهدف تقسيمه وإثارة النعرات الطائفية والعرقية بدلا من البناء والإعمار».