المواد الخلافية بالدستور المصري لا تثير مخاوف أبناء الصعيد

العادات القبلية من أسباب زيادة أسهم «نعم»

TT

يبدو أن محافظات صعيد مصر كانت الأبرز في جولتي الاستفتاء على الدستور، حيث أثرت عادات وتقاليد مستقرة، إضافة إلى أنماط تفكير راسخة لدى أبناء الصعيد، في قرارهم أمام الصندوق الانتخابي، وعلى خطى محافظات الصعيد بالجولة الأولى، والتي كانت الأكثر تصويتا لصالح مشروع الدستور سارت بحسب النمط التصويتي أمس، محافظات الصعيد في الجولة الثانية، معلية من قيم وعادات وقرارات العائلة على ما عداها، فلا يزال المجتمع الأسري بالصعيد محتفظا بكثير من سماته الداخلية؛ فلا يهتم كثيرا ببعض مواد الدستور الخلافية، والتي يعتبرها ليبراليون أمورا جللا تقتضي رفض الدستور بأكمله، إلا أن هذه الأمور لا تلقى في عدد من محافظات الصعيد نفس الاهتمام بل ويعتبرها «الصعايدة» أمورا بسيطة لا تقتضي رفض الدستور.

ويقول محمد عبد الله (44 عاما): «نحن نريد الاستقرار، والمواد الخلافية حول الدستور غير مهمة فهم على الأكثر عشر مواد أو أقل ويمكن تعديلها لاحقا إذا رأينا أي ضرر ولا نستطيع الحكم على المواد هذه قبل تطبيقها»، ويتابع عبد الله، الذي يعمل مقاولا: «حجج الليبراليين والعلمانيين في رفض الدستور واهية.. لن أرفض دستورا به 236 مادة من أجل عشرين مادة يمكن تغييرها لاحقا».

وبالنسبة لعبد الله فإن المخاوف التي أبداها المنتمون لتيارات مدنية من مواد بالدستور الجديد، قالوا إنها تحدثت بصيغ مبهمة وعامة عن حقوق المرأة والطفل والأقليات ودور المحكمة الدستورية في الرقابة على الرئيس وصلاحيات الرئيس نفسه، لا تثير قلق الرجل الأربعيني.

وأمام إحدى اللجان بإحدى قرى محافظة المنيا وقفت أسماء محمد (21 عاما)، لتدلي بصوتها، مؤكدة أنها غير معترضة على حقوق المرأة بالدستور الجديد، وتتابع أسماء محمد، وهي متزوجة منذ 4 سنوات ولديها طفلان: «زواج المرأة باكرة (في سن صغيرة) سترة ولا عيب فيه ولكن العيب هو أن تظل الفتاة دون زواج حتى سن العنوسة»، وتضيف الفتاة العشرينية ذات التعليم المتوسط، والتي قالت إنها تزوجت في سن السابعة عشر وُوثق عقد زواجها عندما أكملت الثامنة عشر: «نحن لا نثق في الإعلام ولكن نثق في أقوال الشيوخ وعائلاتنا وهم يعلمون أكثر منا».

ولا تقف العادات والتقاليد ونسبة الأمية المرتفعة فقط حائلا بين أبناء الجنوب وأبناء الشمال، ولكن الفقر والهجرة أيضا عاملان آخران يجعلان أهالي الصعيد يفكرون على نحو مختلف في دستورهم القادم بعكس أولئك الذين صوتوا برفضه في الوجه البحري، بل تقف أيضا ثقافات مترسخة جعلت الصعيد آخر مناطق مصر تأييدا للثورة ضد مبارك، وأكثرها تأييدا للمجلس العسكري الحاكم، ويسير بسرعة نحو تأييد الحاكم الجديد على الرغم مما يعانيه من أوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة تجعل أبناءه يهربون منه إلى العاصمة بحثا عن عمل.

ويقول أشرف أحمد (33 عاما): «لا أعتقد أن التصويت بـ(لا) سيخدم البلاد.. نحن نريد الاستقرار من أجل وظيفة آمنة وخدمات جيدة ولا نريد المزيد من المظاهرات والتي تعطل الإنتاج».

ويشير تقرير التنمية البشرية لعام 2008 إلى أن الفقر يستوطن الصعيد بشكل أساسي، فتوجد 762 قرية في محافظات المنيا وسوهاج وأسيوط من بين أفقر 1000 قرية في مصر، وتوجد 59 قرية منها في محافظة سوهاج وحدها، والتي صوتت الجولة الماضية بأكثر من 77 في المائة تأييدا للدستور.

وما بين العادات والتقاليد الحاكمة لقرارات «الصعايدة» في التصويت على الدستور وما بين الدراسات التي تبحث أسبابا تجعل أفقر مناطق مصر هي أكثرها تأييدا لقرارات الحكام، تبقى ثقافة المجتمع التقليدي ضاربه بجذورها في أرض الجنوب تبرز كثيرا من الإيجابيات والسلبيات في آن واحد.