أعياد الميلاد في سوريا يكسوها قلق المسيحيين

أمين التعاون الإسلامي لـ «الشرق الأوسط»: ملاحقة المسيحيين واستهدافهم في سوريا تصرف غير مقبول

أكمل الدين إحسان أوغلي
TT

دعا البروفسور أكمل الدين إحسان أوغلي، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، المعارضة السورية إلى عدم التعرض للمسيحيين، واصفا ملاحقة أو قتال المسيحيين أو أصحاب الديانات أو المذاهب المختلفة في سوريا بأنها «تصرف غير مقبول، في ظل ديمقراطية ترنو المعارضة إلى ترسيتها في الدولة بعد نجاح الثورة».

وأدانت منظمة التعاون الإسلامي ما تداولته وسائل إعلام بتصوير فيديو منسوب إلى «لواء الأنصار» السوري، من تهديد باقتحام بلدتي محردة والسقيلبية المسيحيتين في شمال مدينة حماه.

وقال الأمين العام في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» مساء أمس: «إذا كانت قوات المعارضة تسعى من أجل قيام نظام ديمقراطي بديل عن النظام الاستبدادي الموجود، فعليها أن تحتضن الجميع ويجب أن تعتبر المسيحيين أو أصحاب أي ديانة أخرى في سوريا أنهم أهل في البلاد، لهم ما للآخرين من حقوق، وعليهم ما على الآخرين من واجبات. وباسم العالم الإسلامي وضمير الأمة الإسلامية أهيب بهم أن لا يتعرضوا للمسيحيين أو أصحاب أي ديانات أو مذاهب أخرى».

وأضاف البروفسور أوغلي أن الاقتتال الذي يتم في سوريا حتى اللحظة «لم يأخذ بعدا طائفيا، وهو قتال بين المعارضة والنظام بهدف تغيير النظام من أجل إقامة دولة ديمقراطية وتعددية، والآن كون عناصر المعارضة تلاحق المسيحيين وتقاتلهم فهو تصرف غير مقبول البتة، لا إسلاميا ولا إنسانيا».

وتابع: «إن المسيحيين عاشوا في بلادنا 14 قرنا، والمسلمون أعطوهم حقوقهم وسمحوا لهم بممارسة طقوسهم الدينية وبناء الكنائس إلى جانب التعليم والتوظيف، وكفلت لهم كل حقوقهم الاجتماعية، فهل يعقل بعد 14 قرنا من هذه الممارسة ورغم كل العقود والعهود والقواعد الفقهية التي تحمي حقوقهم في أنظمة الدول الإسلامية، أن يأتي من يدعي الإسلام ويقول سنهاجمكم، أو من هذا القبيل؟ إن هذا أمر غير مقبول».

يشار إلى أن المنظمة أصدرت يوم أمس بيانا أعربت فيه عن استنكارها، بشدة، التهديد ضد مواطنين سوريين مسيحيين لهم نفس الحقوق في الأمن والرعاية والعيش الكريم كغيرهم من سكان سوريا مهما كان دينهم أو عرقهم، باعتبار هذا التهديد بالاعتداء مخالفا لتعاليم الإسلام السمحة التي تدعو للتسامح والإخاء والسلام ونبذ العنف.

وقال البيان: «تحذر الأمانة العامة من الانزلاق في البعد الطائفي للأزمة السورية باعتبار الشعب السوري شعبا واحدا تعايشت فيه على مدى التاريخ كل الطوائف والأعراق».

من جهة أخرى، يعم الخوف والقلق مسيحيي سوريا في وقت الاحتفال بأعياد الميلاد. ويقول جورج، وهو محاسب في دمشق يبلغ من العمر 38 عاما، لوكالة الصحافة الفرنسية إنه «لا مزاج لنا للاحتفال بالعيد هذا العام، فكل من حولي مكتئب والوضع صعب جدا». يضيف: «كيف لي أن أحتفل فيما من حولي مهجر من منزله أو فقد غاليا؟» في نزاع أدى إلى مقتل أكثر من 44 ألف شخص، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. من جهتها، تستعيد مريم تقارير للإعلام الرسمي يقدم فيها المقاتلين المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد بوصفهم «مجموعات إرهابية مسلحة»، لتقول: «بتنا نخشى على أنفسنا وعلى وضعنا المستقبلي بسبب قدوم هؤلاء التكفيريين» الذين ترى أنهم قد يرغمونها على «ارتداء الحجاب وعدم الخروج للعمل».

أما نادين، فتقدمت بطلب للحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة لملاقاة والدتها وعدد من أقاربها، بعدما ترددت في القيام بذلك لمدة طويلة. وتقول هذه المهندسة الأربعينية المقيمة في دمشق: «بعدما اقتربت الاشتباكات من المدينة أحسست بالخطر أكثر من ذي قبل». ومع عدم شعورها بوجود حل قريب، أصبحت الهجرة هي الملاذ بعدما بات السلاح «اللغة الوحيدة المتداولة الآن».

لكن ميشال يصر على أنه لن يغادر وطنه أيا تكن الصعوبات، وسيبقى «متمسكا بجذوره» في سوريا، رغم أن المكتب السياحي حيث كان يعمل، أغلق أبوابه جراء الأوضاع الراهنة. وككثيرين غيره من المسيحيين السوريين، يستعيد ميشال النموذج العراقي، حيث اضطر الكثير من المسيحيين إلى مغادرة هذا البلد المجاور مع صعود الحركات الإسلامية المتطرفة وتزايد أعمال العنف بعد الاجتياح الأميركي عام 2003.

وتتمتع سوريا بتركيبة اجتماعية متنوعة دينية كما العراق. وبحسب الباحث الفرنسي الخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش، يتوزع السوريون البالغ عددهم 23 مليون نسمة، بين غالبية مسلمة سنية (قرابة 80 في المائة)، وأقلية علوية (10 في المائة)، إضافة إلى 5 في المائة من المسيحيين، 3 في المائة من الدروز، والبقية من الإسماعيليين.

وبقي المسيحيون السوريون البالغ عددهم نحو 1.8 مليون نسمة، في منأى عن النزاع بين الرئيس الأسد ومعارضيه في شكل عام، إلا أن كثيرين منهم يتخوفون من أن تفرز «الثورة» حكما إسلاميا متطرفا مناهضا للحريات الدينية التي نعموا بها على مدى عقود طويلة، من دون أن يحول ذلك دون انضمام أعداد منهم إلى المعارضة و«الحراك الثوري».

والسبت، أكد بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي أن «ما يجري علينا يجري على الآخرين»، مشددا في مؤتمره الصحافي الأول في دمشق إثر انتخابه في هذا المنصب على أن المسيحيين «موجودون في هذه البلاد وباقون، ونحن نؤمن أن وجه المسيح لن يغيب عن هذه المنطقة التي انطلقت منها المسيحية».