مخاوف من «اجتثاث» دروس الرسم والرياضة والموسيقى في مدارس العراق

باحثون وتربويون يدقون ناقوس الخطر.. ووزارة التربية آخر من يعلم

تلاميذ يرسمون في ورشة تعليم الفنون ببغداد («الشرق الأوسط»)
TT

منذ نشأة نظام التعليم في العراق عام 1921، حرص القائمون عليه على أهمية شموله بأحدث الأساليب التربوية والعلمية، من بينها مراعاة مواهب الطلبة وتطوير قابلياتهم الذهنية عبر الاهتمام بدروس الرسم والرياضة والنشيد والموسيقى، لكن بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 تراجع مستوى التعليم في البلاد حاله حال بقية القطاعات، وازداد الوضع سوءا بعد الغزو الأميركي عام 2003.

وتشكو عائلات عراقية من تغييب شبه كامل لتدريس مناهج الرسم والنشيد والموسيقى والرياضة في الكثير من المدارس العراقية هذا العام، وظهر ذلك جليا عند تسلمهم الشهادات المدرسية من إدارات المدارس، عن الفصل الدراسي الأول، إذ خلت من درجات تلك الدروس في حين ظل حقلها شاغرا، بانتظار اجتثاثها نهائيا من البطاقة المدرسية في الأعوام المقبلة حسب التوقعات.

يقول الطالب يوسف فراس، من مدرسة الإسكندرونة الابتدائية في منطقة السيدية (جنوب غربي بغداد)، إنه اضطر إلى ترك ألوانه ودفتر الرسم الذي اشتراه في بداية العام الدراسي على الرغم من حبه لمادة الرسم بسبب عدم تضمينه في جدول الدروس الأسبوعي، كما عبر عن استيائه من إهمال درس الرياضة. ويضيف «تبدو أوقات الدراسة ثقيلة من دون حصص للرياضة أو الموسيقى».

أما الطالبة ميساء خميس، المرحلة الثالثة من مدرسة بلاد العرب الابتدائية، فقالت «أكثر شيء أحبه هو درس الفنية، لكن مع الأسف لا أعرف كيف أرسم، ومدرس الرسم في مدرستنا يأتي ليقول لنا افتحوا درس الرياضيات وراجعوا المادة الأخيرة».

وتأسف والد الطفل يوسف فاضل (المرحلة الرابعة) من عدم الاهتمام بموهبة ولده في الرسم، أو حتى تشجيعه، من قبل إدارة مدرسته، في حين أن معظم رسوماته تشي بموهبة قادمة، حتى إنه فضل إدخاله مدرسة أهلية العام المقبل علها تولي اهتماما أكبر لمواهب وقدرات الطلاب، كما هو الحال مع الدروس المنهجية.

الفنان والباحث التشكيلي خالد المبارك، الذي يرعى تقوية مهارات الصغار عبر مرسمه الصغير في وزارة الثقافة العراقية، قال لـ«الشرق الأوسط»: «ما نراه وما نسمعه اليوم من تغييب لدرس الفنية والنشيد والرياضة من مدارسنا شيء مؤلم حقا، ضحيته الصغار، ومع الأسف صار واقعا تعيشه معظم مدارسنا». وأضاف «هناك مواهب كبيرة وحقيقية تتعرض للاندثار يوميا بسبب إهمالها، إذ إن الطفل كالنبتة الصغيرة بحاجة لرعاية ودعم، ونجد أن هناك قدرات مهمة نسعى لاحتضانها هنا في مرسمنا، لكن ذلك لا يكفي لأن المرسم له طاقات محددة لا تستوعب الجميع». وأكد «إذا ما استمر الحال على هذا النحو فإن الفن والرياضة في العراق سيندثران تماما، ويصبح هم البحث عن لقمة العيش هو الشغل الشاغل لمعظم الناس».

بدوره، قال الإعلامي صالح الحمداني «المعطيات التي تطالعنا على أرض الواقع في عراق ما بعد عام 2003 تشي بانحدار مستوى التعليم في العراق من سيئ إلى أسوأ». وأضاف «درس الموسيقى والنشيد مثلا في العراق لهما تاريخ عريق، بدأ مع بداية التعليم الحديث مطلع القرن الماضي، إذ تخرج من تحت عباءته معظم الموسيقيين العراقيين الكبار، الذين وضعوا أسس المدرسة الموسيقية العراقية».

من جهتها، نفت وزارة التربية العراقية علمها بأمر اجتثاث درسي الفنية والنشيد من المدارس الابتدائية هذا العام، وقالت على لسان وكيلها عدنان النجار، لـ«الشرق الأوسط»، إن «إلغاء درسي الفنية والنشيد من المواد المنهجية للطلبة إنما هو اجتهاد من بعض المدارس، خصوصا المدارس ذات الدوام الثنائي أو الثلاثي، بسبب قلة الأبنية المدرسية، إذ تحاول فيه اللحاق بإكمال المنهج الدراسي على حساب الدروس اللامنهجية (الفنية والرياضة والنشيد)، علاوة على ما تخلفه العطل والأعياد والمناسبات الدينية من تأخير في إكمال المناهج الدراسية الأساسية». وأضاف «تسعى الوزارة للتأكيد كل عام على أهمية الدروس اللامنهجية (الفنية والنشيد والرياضة) في النظام التربوي لما تضيفه من نشاط على الطالب وقدرة على استيعاب المناهج التربوية بشكل كبير».