بعد أعوام من التهكم على حكومة وجيش أفغانستان بوصفهما أداتين فاسدتين للغزاة الغربيين، بدأت حركة طالبان الإعلان على الملأ عن رؤية أكثر لينا ومرونة لمستقبل الدولة، من خلال قول قادة بارزين بها إن المسلحين مستعدون للحكم جنبا إلى جنب مع فصائل أفغانية أخرى، وتبني الجيش الحالي الممول من أميركا باعتباره جيشهم الخاص. وجهت هذه الرسالة على مدار الأيام القليلة الماضية من قبل مبعوثي حركة طالبان أثناء مقابلات خاصة مع مسؤولين أفغان وساسة من المعارضة بالقرب من باريس، بحسب مسؤولين مطلعين على المحادثات، وقد ترددت أصداء الأسلوب الأكثر لينا في المقابلات الأخيرة مع شخصيات من حركة طالبان موالية لقائد الحركة الاسمي الملا محمد عمر. ويعتبر هذا أبعد مدى تصل إليه القيادة العليا لحركة طالبان للتعبير بصورة رسمية عن أن الحركة سوف تكون على استعداد للعمل كفصيل سياسي أفغاني شعبي بدلا من تمني العودة كحكام فاتحين بعد نهاية مهمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) القتالية في عام 2014. ولكن مع حركة طالبان، دائما ما تكون هناك تساؤلات.
لقد ازداد انقسام الحركة بفعل الصراعات على السلطة، وفقا لبعض المحللين الغربيين وأفغان مقربين من حركة طالبان، وأحيانا لم يبدو أي ارتباط بين البيانات الاسترضائية الموجهة من مستويات القيادة العليا وتجاوزات القادة الميدانيين. إضافة إلى ذلك، طالما اجتهد مسؤولون أفغان وأميركيون يحاولون بدء محادثات سلام مع حركة طالبان للوقوف على ما إذا كان أي عرض لتسوية يمكن أن ينظر إليه بوصفه مشروعا أم مجرد حيلة تكتيكية لكسب دعم شعبي.
ما زالت التصريحات الجديدة تحمل احتمالا جذابا لقيام قيادة طالبانية مستعدة لإجراء محادثات، حتى وإن كان الكثير من أهدافها غير متوافق مع الحكومة الأفغانية وحلفائها الغربيين.
ربما يكون ذلك الاستعداد من ناحية مدفوعا بشكل جزئي بعداء ما زال يتجلى تدريجيا داخل مستويات القيادة العليا بالحركة، بحسب مقابلات أجريت مؤخرا مع قائد طالباني بارز وأفغاني آخر مقرب من الحركة. ويقول هذان الرجلان، اللذان تحدثا مشترطين عدم الكشف عن هويتهما، إنه قد تم إبعاد القائد العسكري المتشدد، الملا عبد القيوم ذاكر، الذي كان محتجزا من قبل بسجن «غوانتانامو» الأميركي، لصالح منافسين أكثر اعتدالا.
ينظر إلى الملا ذاكر باعتباره مقاتلا صاحب رؤية محدودة لإيجاد وسيلة لإنهاء الحرب سلميا، ويواجه انتقادات متزايدة بشأن سلسلة من الهزائم في السنوات الأخيرة على أيدي قوات التحالف التي يقال إن غاراتها قد اخترقت صفوف القادة الميدانيين للحركة بشكل عميق.
وقد شكا الكثير من القادة الميدانيين الباقين على قيد الحياة علنا من أن الملا ذاكر غير مستعد أو غير قادر على دعم قتالهم، بحسب الرجلين. كحركة، ما زالت تلك الشخصيات الأقل مستوى تبسط نفوذها داخل حركة طالبان: ساهم عدم رضائهم بمعرفة أن قيادة حركة طالبان شاركت في عملية سلام وليدة مع الولايات المتحدة هذا العام في إحباط تلك الجهود.
وينافس على شغل مكان الملا ذاكر رئيس الإمدادات بحركة طالبان، الملا أختر محمد منصور، الذي عمل أيضا نائبا ثانيا للملا عمر. ويعتبر صاحب نهج معتدل نسبيا داخل الحركة، بحسب الرجلين.
وفي إشارة دالة على أن الملا منصور له اليد العليا، كان اثنان من الموالين له، وهما شهاب الدين دلاور ومحمد نعيم، هما من مثلا حركة طالبان في المؤتمر الذي عقد على مقربة من باريس يومي الخميس والجمعة، بحسب رجل أفغاني مقرب من حركة طالبان.
وفي المؤتمر، وفي مقابلات، عرض مسؤولون بحركة طالبان رؤية لحركة مستعدة للحكم مجددا، ولكن في انسجام مع هيكل القيادة الأفغانية الحالية، حتى لو كانوا ما زالوا يكنون مشاعر الكراهية للرئيس حميد كرزاي وحلفائه. على سبيل المثال، قال المسؤول رفيع المستوى بحركة طالبان إن المسلحين سيكونون على استعداد لمنح عفو عام لهؤلاء الذين قد قاتلوا ضدهم، مما يسمح باستمرار الجيش وقوة الشرطة الوطنية الحاليين اللذين أنفقت الولايات المتحدة مبلغا قيمته 39 مليار دولار لبنائهما ودعمهما. فضلا عن ذلك، يفكر المسلحون في الاحتفاظ بالكثير من المؤسسات الحكومية التي أنشأها الغرب.
وفي محاولة واضحة للرد على بعض من أشرس الانتقادات الموجهة لحكم الجماعة الوحشي في الفترة من عام 1996 إلى 2001. قال مبعوثون إنه في ظل حكومة جديدة بقيادة حركة طالبان، سوف تتمتع النساء بفرصة الذهاب إلى المدرسة «بصورة تتوافق والشريعة الإسلامية»، بحسب نص خطاب ألقاه المبعوثون في فرنسا، والذي أرسلته حركة طالبان لمؤسسات إخبارية يوم السبت.
وأشار المسؤول في مقابلة أجريت معه إلى أن التحول كان مدعوما من قبل الملا عمر وعكس فهما متزايدا بين قادة الحركة مفاده أنه مثلما قد تغيرت أفغانستان، يتحتم أن يطرأ عليهم التغيير بالمثل.
قال المسؤول: «نحن ندرك أننا لا نستطيع إدارة أفغانستان من دون دعم الأفراد المثقفين، ولن نكون صارمين مثلما كنا».
غير أن إقناع الأفغان، خاصة المنتمين لطوائف الطاجيك والأوزبكية والهزارة العرقية الذين ذاقوا ويلات العذاب على أيدي حركة طالبان، بأن الحركة يمكن أن تتخلى عن أساليبها الاستبدادية والوحشية - يعتبر بمثابة مهمة صعبة. من جانبه وصف الجنرال عتيق الله باريالي، وهو عضو بارز بالتحالف الشمالي الذي قاتل حركة طالبان في تسعينات القرن الماضي والذي يشكل الآن محور المعارضة السياسية في أفغانستان، حديث حركة طالبان بأنه «دعاية سياسية».
ورغم قوله إن إظهار حركة طالبان استعدادا للحوار يعد أمرا إيجابيا، فإنه أضاف: «لا أعتقد أن حركة طالبان ستصدق فيما زعمته في باريس، الأمر يتعلق بدرجة أكبر بالدعاية وبتجنب التقدم».
تبدو حركة طالبان مستعدة فقط لتجاوز المدى في التواصل مع المنافسين الحاليين. وفي الخطاب الذي ألقي في فرنسا، أعلن مبعوثو حركة طالبان صراحة عن أن «إمارة أفغانستان الإسلامية» (الاسم الرسمي الذي اختارته حركة طالبان لنفسها) «حقيقة مشروعة. إنها ما زالت الحكومة الشرعية».
إضافة إلى ذلك، فإن بعض المطالب الرئيسية للحركة ما زالت تبدو عروضا مرفوضة بالنسبة لنظام كرزاي والمسؤولين الأميركيين. ما زالت حركة طالبان تطالب بجلاء كل القوات العسكرية الغربية، وحتى المستشارين، من أفغانستان بعد موعد الانتهاء الرسمي للمهمة العسكرية الغربية في عام 2014. وتطالب الحركة أيضا بإعادة صياغة دستور الدولة بناء على قواعد إسلامية صارمة. ينص الدستور الحالي على أن الإسلام هو المصدر الرئيسي الذي يحكم قوانين الدولة، وقد ذكر مسؤولون أفغان وأميركيون أنهم على استعداد لقبول تعديل الدستور، وليس إعادة صياغته.
* خدمة «نيويورك تايمز»