دمشق بلا أضواء عشية أعياد الميلاد

احتقان لدى المسيحيين من رؤساء الكنائس لعجزهم عن حمايتهم

سوريون في قداس عيد الميلاد بكنيسة مار إلياس بدمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

عشية عيد ميلاد السيد المسيح الذي تحتفل به الطوائف المسيحية، تبدو مدينة دمشق حزينة، إذ لا تغيب فقط الزينة عن الشوارع والمنازل في الأحياء المسيحية، بل إن الكهرباء عموما تغيب عن معظم أحياء العاصمة التي ترزح تحت وطأة ليالي مرعبة لا تتوقف خلالها أصوات القصف على ريف دمشق ومعظم أحياء الأطراف الساخنة، وذلك وسط حالة احتقان لدى غالبية المسيحيين تجاه رؤساء الكنائس الذين لم يتمكنوا من ضمان حد أدنى من الحماية لرعاياهم من قذائف مدفعيات وطائرات النظام التي هدمت منازلهم في مناطق عدة على الرغم من موقفهم الحيادي حيال الثورة. وتقول ليلى (50 عاما) من طائفة الروم الكاثوليك، وهي أم لأربعة أبناء: فعلت ما بوسعي لتسفير أبنائي خارج البلد، لا أريد أن أخسرهم. لم يتمكن البطريرك ولا أي رجل دين - وعلى الرغم من مساندتهم للنظام - من مساعدتنا. وليلى، التي تعيش في منطقة القصاع بينما يسكن أهلها في مدينة داريا، تشير إلى أن أهالي درايا من المسيحيين الكاثوليك ناشدوا خلال الفترة الماضية البطريك غريغوريوس الثالث لحام - ابن داريا - أن يتوسط لدى النظام لتجنيبهم حمم قذائف المدفعية، لكن دون جدوى.. لم يلقوا أي إجابة ودمرت منازلهم وهجروا من داريا. ووجه البطريريك لحام كلمة إلى رعية الروم الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد، دعا فيها إلى المصالحة مع الله وبني البشر، وقال إن الميلاد دعوة إلى المصالحة.

دعوة البطريريك جاءت عامة جدا ولا تلحظ معاناة المسيحيين؛ بحسب رأي سليمان، الذي نزح من أحياء حمص المسيحية إلى جرمانة في ريف دمشق؛ حيث شكا من تجاهل البطاركة للمسيحيين في حمص وبالأخص الطائفة الكاثوليكية. وقال، إن «حمص من دون مطران منذ أكثر من سنة، ومعظم الكنائس دمرتها مدفعيات النظام، ولم يتداع البطاركة لحمايتها ورد القصف عنها، بل راحوا يعمقون الهوة بين المسيحيين والمسلمين بوقوفهم إلى جانب النظام بزعم الوقوف إلى جانب استقرار سوريا وحماية الأقليات التي لا يضمنها إلا النظام.. وذلك على الرغم من رؤيتهم للمدفعيات تدك كنائس حمص وريفها». ويضيف سليمان (60 عاما): أن «البطاركة غطوا تقصيرهم وعجزهم حيال رعاياهم بتقديم الإعانات الإنسانية وحسب، لم يعملوا على رأب التصدعات جراء الاحتقان الطائفي، ودعوا إلى السلام دون فعل أي شيء لتحقيقه على الأرض، ولم يعملوا على حفظ كرامة المسيحيين السوريين». ويصادف اليوم الثلاثاء عيد الميلاد، في وقت ترتفع فيه الأصوات في قرى ريف حماه (ذات الأغلبية السنية) لمطالبة أهالي المدن والبلدات المسيحية - لا سيما محردة والصقيلبية - بإخلائها أو طرد قوات النظام منها، وذلك بعد وقوع مجزرة في بلدة حلفايا يوم الأحد راح ضحيتها أكثر من 150 شخصا وجرح العشرات كانوا يقفون أمام باب الفرن البلدي حين سقط عليهم صاروخان من الطيران الحربي التابع للنظام. وقال أهالي من حلفايا إنهم يتعرضون للقصف من مدفعيات النظام التي تتمركز في مدينتي محردة والصقيلبية المسيحيتين، وأن الجيش الحر سيقوم بضرب معاقل النظام هناك.. لذلك ناشدوا أهالي المدينتين بإخلائهما.

في حين قال بشير، من الصقيلبية، إن عشرات العائلات المسيحية «هجرت نحو القرى المسيحية في محافظة طرطوس، بعد تهديدات الإسلاميين»، أما ليليان فألقت اللوم على «ذعر المسيحيين الذين التحقوا بالشبيحة وقاتلوا إلى جانب النظام، وجروا البلاء على كل المسيحيين»، كما انتقدت بشدة مواقف آباء الكنائس في سوريا ووصفت مواقفهم بـ«المخزية».

وقالت: «لم نسمع منهم إدانة واحدة للمجازر التي يرتكبها النظام بحق السوريين، وكل ما يفعلونه التعبير عن الخوف من المد الإسلامي»، مؤكدة على أن «المسيحيين ليسوا مع النظام المجرم؛ لكنهم يدعمون الثورة بشكل سري لأن أحدا لا يحميهم بسبب تخاذل آباء الكنائس، فيبدو الدعم العلني وكأنه عمل فردي». وتضيف ليليان، التي تعيش في مدينة حماة: «نجح النظام في تثبيت الخوف في نفوس المسيحيين من المتطرفين الإسلاميين، مع أن ما يرتكبه من جرائم لا تجاريه جرائم أكثر الجماعات تطرفا في العالم».

معظم المسيحيين يفكرون بالهجرة بعدما اقتربت المعارك إلى قلب دمشق، وقلة منهم بدأت تشعر بأن النظام استخدمهم وقودا في معركته من أجل البقاء، بينما يسيطر على أغلبهم خوف من المستقبل في محيط متشدد بحسب ميار، الذي يعيش في حي القصور المسيحي، ويقول: «يوم السبت سقطت قذيفة على حينا وقتلت طفلا، ولا نعرف من أطلق تلك القذيفة في ظل فوضى تجتاح البلاد». وكان بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، الذي خلف البطريرك الراحل أغناطيوس الرابع هزيم، قال: إن «ما يجري علينا يجري على الآخرين»، مشددا في خطبة ألقاها في لقائه الأول مع رعيته بعد تسلم مهامه على أن المسيحيين «موجودون في هذه البلاد وباقون، ونحن نؤمن بأن وجه المسيح لن يغيب عن هذه المنطقة التي انطلقت منها المسيحية». وقال في قداس احتفالي أقيم بكنيسة المريمية يوم الأحد إنه «بفضل وعي أبناء سوريا ستزول الغيمة التي تعبر الآن سماء بلادنا الحبيبة، وسيعود الأمن والاستقرار إلى ربوع الوطن»، مشيرا إلى أن «الكنيسة الأنطاكية عرفت عبر التاريخ أن تعيش مع الآخر المسيحي ومع الآخر المسلم، فأعطته وأخذت منه.. عاشت له كما لذاتها، فهي كنيسة مشرقية تحترم التعددية، وقد نجحت عبر العصور بمحبة الآخر واحترامه. وهي كنيسة منفتحة على كل لون وعلى كل مسعى خير، وسيتم العمل على تنمية العلاقات المسيحية والعلاقات مع المسلمين، فهي الكنيسة المسيحية الناطقة بالعربية والأقرب إلى فهم المسلمين ومخاطبتهم واحترام تقواهم». أما الأب إلياس زحلاوي، الذي يتمتع بمكانة مرموقة وسط رعيته، فتركزت دعوته بمناسبة الميلاد على التفكير بالفقراء الذين يتزايدون بسرعة، وعلى المحرومين والحزانى، بدل التفكير بالعيد والزينات وإضاءة الواجهة وشجرة الميلاد.. وقال: «أضيئوا القلوب، بدل أن تضيئوا الواجهات! أضيئوا القلوب، بدل أن تضيئوا الأشجار! مدوا أيديكم؛ افتحوا قلوبكم». ويأتي كلام الأب زحلاوي في وقت يفتقد فيه السوريون عموما - وليس فقط المسيحيين - لأبسط مقومات الحياة في أجواء حرب يفتقد فيها الغذاء والدواء والكهرباء.. مما يجعل سليمان يضحك ساخرا لدى قراءته كلمة الأب زحلاوي من خلال الإنترنت، ويقول: «السوريون مجبرون على التقشف لا تقربا إلى الله؛ بل إنهم ضحايا نظام أمم المصائب».