رئيس المجلس المغربي لحقوق الإنسان: المعركة الحقوقية لا نهاية لها.. وليس هناك سقف محدد لها

إدريس اليزمي في حوار مع «الشرق الأوسط» : التقارير الدولية حول بلادنا ظاهرة صحية.. والمغرب اختار طواعية الانخراط في المسلسل الحقوقي

إدريس اليزمي
TT

قال إدريس اليزمي، رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب (هيئة تابعة للدولة ومستقلة عن الحكومة) إن معركة حقوق الإنسان لا نهاية لها، وليس هناك سقف محدد لها. واعتبر اليزمي، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في لندن، التقارير الدولية حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب أنها تشكل ظاهرة صحية، خصوصا أن المغرب اختار عن طواعية الانخراط في هذا المسلسل، مشيرا إلى أن مثل هذه التقارير تجعلنا نتقدم نحو الأمام.

وزاد اليزمي وهو أيضا رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج قائلا: «ما زالت هناك عدة تحديات، وليس من الممكن القول: إننا وصلنا في المغرب إلى الحد المطلوب، وبالتالي يجب علينا أن نتعامل مع هذه الانتقادات كمساندة ومساعدة». وكشف اليزمي أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي خرج من معطف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، هو بصدد إكمال تقرير حول مراكز حماية الطفولة، الذي سيصدر في غضون الأسابيع القليلة المقبلة. كما سيصدر قريبا مذكرة بشأن قانون القضاة.

وبشأن الانتقادات التي تطال المجلس جراء عدم استطاعته تمكين كل المجتمع المدني من التمثيل فيه، قال اليزمي: «إذا كان هناك من يتوفر على عصا أو وصفة سحرية، حتى يكون كل المجتمع المدني ممثلا في المجالس الوطنية التي نص عليها الدستور الجديد فليزودنا بها».

وأوضح اليزمي أن المطلوب الآن بالنسبة للمجالس الوطنية هو القيام بتفكير مسبق بشأن الانسجام فيما بينها سواء على مستوى المهام أو الاختصاصات حتى لا يكون هناك تضارب بينها.

إلى ذلك، وصف اليزمي القانون المنظم لحق التظاهر السلمي بأنه «قانون ليبرالي»، بيد أنه كشف أن من 90% من المظاهرات في المغرب تنظم خارج القانون. وفيما يلي نص الحوار.

* قمتم في الآونة الأخيرة بجولة شملت عدة عواصم غربية ضمنها برلين وواشنطن ولندن. ما هو المغزى من هذه الجولة وماذا قلتم للغربيين بشأن تطور حقوق الإنسان في المغرب؟

- أولا، هنالك اهتمام يومي بوضعية حقوق الإنسان التي أصبحت من البديهيات في العلاقات بين الدول. فأنا أستقبل أسبوعيا في الرباط سفيرا أو مستشارا سياسيا لإحدى السفارات الأوروبية والدولية المعتمدة في المغرب، وهنالك أيضا أسبوعيا زيارات وفود برلمانية دولية إلى بلادنا، هذا إلى جانب اهتمام الاتحاد الأوروبي بوضعية حقوق الإنسان في المغرب، وبالتالي فإن مثل هذه الزيارات لا تأتي اعتباطا. فحقوق الإنسان هي إحدى القضايا الأساسية في العلاقات الدولية. وأنا أروم، من جهة تفسير مهام المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ومن جهة أخرى، وضعهم في الصورة بشأن الوضع العام في بلادنا ذلك أن المغرب دخل منذ أكثر من 15 سنة في مسلسل الإصلاحات التدريجية حيث مر بعدة مراحل، فكانت هناك مرحلة منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي، ومرحلة حكومة التناوب، التي شكلت محطة أساسية، وكذلك مرحلة بداية هذا القرن التي عرفت إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، التي كانت أول خطوة للاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي للمغرب، وإصلاح مدونة (قانون) الأسرة، الذي يعد أكبر الإصلاحات التي طالت قانون الأسرة في العالم الإسلامي وليس العالم العربي فحسب، منذ الإصلاح الذي قام به الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة في منتصف عقد الخمسينات. هناك أيضا محطة الإنصاف والمصالحة. وأظن أننا في المغرب وصلنا، مع الدستور الجديد، ومع إنشاء عدة مؤسسات سواء التي كانت موجودة أو التي ستنشأ بمقتضى هذا، إلى المحطة الثالثة من هذا المسلسل. وفي هذا الإطار فإن المجلس الوطني لحقوق الإنسان لديه بعض الخصوصيات التي حاولت تفسيرها في هذه اللقاءات منها أولا تركيبته الخاصة ذلك أنه يتكون من مجلس وطني و13 لجنة جهوية، وهي لجان تبقى نادرة في عالم المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، إذ توجد فقط في المكسيك والفلبين والمغرب. فهذه الدول وحدها لديها هذه التركيبة، للمجلس أيضا صلاحيات واسعة ضمنها صلاحية تلقي شكاوى المواطنين، وزيارة أماكن سلب الحرية، وأيضا صلاحية التدخل الاستباقي لبعض الحالات المتعلقة بالتوتر الاجتماعي التي يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات حقوق الإنسان.

* لقد عرف المغرب على امتداد الـ15 سنة الماضية انفتاحا وتطورا في مجال حقوق الإنسان ورغم ذلك نلاحظ بين الفينة والأخرى صدور بعض التقارير الدولية التي تشير إلى أن وضعية حقوق الإنسان لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب، بمعنى أن المغرب كلما قدم أكثر في المجال الحقوقي تواصلت الانتقادات الموجهة إليه في حين أن الكثير من الدول سجلها الحقوقي سيئ لكنها لا تلقى الانتقادات والضغوطات نفسها. كيف تفسرون ذلك؟

- أنت تعرف أنني عشت فترة خارج المغرب، وكانت لدي مسؤولية في منظمات حقوقية فرنسية ودولية. ومن ثم فأنا أعتبر أن معركة حقوق الإنسان هي معركة لا نهاية لها، فليس هناك سقف محدد لها. وإذا نظرنا إلى المستوى القانوني نلاحظ يوميا أن هناك اتفاقيات جديدة، وإشكالات جديدة أيضا. هنالك الآن نقاش على المستوى الدولي حول الاتفاقية المتعلقة بحقوق المسنين ونقاش كبير حول البيئة وحقوق الإنسان، والعلاقة القائمة بينهما. إذن، هنالك إشكاليات جديدة. وأنا أعتبر كذلك أنه منذ مؤتمر فيينا لعام 1993، كانت إحدى النقط الأساسية فيه تكمن في أن حماية حقوق الإنسان هي مسؤولية مشتركة للإنسانية، ولهذا، بالنسبة لي، الأمر لا يتعلق بانتقادات بقدر ما يتعلق بظاهرة صحية، خصوصا أن المغرب اختار عن طواعية الانخراط في هذا المسلسل، من خلال التوقيع على الاتفاقيات والتفاعل مع آليات الأمم المتحدة في هذا الميدان، إلى جانب انفتاحه على زيارة المنظمات الحقوقية الدولية غير الحكومية. لذا فإن مثل هذه التقارير تجعلنا نتقدم نحو الأمام، وما زالت هنالك العشرات من الرهانات في هذا المجال. زد على ذلك أن التقارير الوطنية في حد ذاتها، بداية بتقارير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تطرح هذه الإشكاليات. إذن، ما زالت هناك عدة تحديات. وليس من الممكن القول: إننا وصلنا إلى الحد المطلوب، وبالتالي يجب علينا أن نتعامل مع هذه الانتقادات كمساندة ومساعدة.

* في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أعلن المجلس الوطني لحقوق الإنسان رسميا وجود التعذيب بأشكال متنوعة في سجون المغرب. فهل يدخل ذلك في إطار الالتفاف على تقرير مقرر الأمم المتحدة خوان منديز حول التعذيب. أم هو تعبير عن رغبة أكيدة في تصفية الشوائب التي تضر بحقوق الإنسان في البلاد؟

- لقد أشرت إلى أن من المميزات الجديدة للظهير (مرسوم ملكي) المؤسس للمجلس الوطني لحقوق الإنسان هو أنه سمح له بزيارة أماكن سلب الحرية. فهذا المعطى الذي جاء في ظهير مارس (آذار) 2011 جرى النقاش بشأنه داخل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان لأنه هو من أنجز هذا الظهير في 2010 ولم تكن زيارة منديز واردة آنذاك. فمنذ مارس 2011 تاريخ إنشاء المجلس الوطني وإعطائه هذه الصلاحيات، بدا أن هناك وعيا بوجود تحديات في أماكن سلب الحريات. وأريد أن أذكر هنا بأن أول تقرير للمجلس الاستشاري لحقوق حول السجون صدر عام 2004 وكانت هنالك في ذلك الوقت بعض الإشارات إلى هذه الانتهاكات التي رجع إليها المجلس الوطني لحقوق الإنسان لاحقا.

إن التحضير لهذا التقرير بدأ في يناير (كانون الثاني) 2011 واستغرق خمسة أشهر، وفي نفس الوقت كنا نحضر للتقرير الذي صدر قبله عن وضعية مستشفيات الأمراض العقلية، والذي تضمن حقائق ووقائع صامدة. ونحن الآن بصدد إكمال التقرير حول مراكز حماية الطفولة الذي سيصدر في غضون أسابيع قليلة، وسترون ماذا سيتضمن.

إلى جانب كل ذلك، نحن أيضا بصدد إعداد تقرير عن مراكز الحراسة النظرية لدى الشرطة والدرك الملكي والجمارك والقوات المساعدة، سوف نعلن عنه قريبا.

لقد انطلقنا من السجون لأنه كانت تصلنا شكاوى بعض المواطنين. والمعروف أن فئة المواطنين الأكثر كتابة للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان هم السجناء، وبالتالي كان لا بد من الاهتمام بهذه الفئة. وأود الإشارة إلى أن الرأي العام والصحافيين التقطوا بالتأكيد ما قلناه عن التعذيب، ولكن هناك كذلك ملاحظات أخرى كشفنا عنها ونعتبرها خطيرة ضمنها كيف أن معدل المساجين الموجودين في حالة اعتقال احتياطي لم ينزل منذ ست سنوات عن معدل 40%، وأيضا قلة وضعف آلية الرقابة. فعلى مستوى وزارة العدل، وبمقتضى القانون المغربي هناك أربعة مستويات من الرقابة المتعلقة بزيارة السجون. بيد أن آليات الرقابة هذه كانت تعمل بنسبة تقل عن 50% من المطلوب منها أي عدد الزيارات التي كان مفترضا القيام بها. كانت هناك أيضا لجان إقليمية تابعة لوزارة الداخلية لم تكن بدورها تزور السجون. أما الآن فقد تحركت وبدأت تزور السجون منذ صدور تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وهنالك أيضا المس بالحقوق الأساسية للأطفال، وحقوق الأجانب المعتقلين، الذين يفوق عددهم 2000 معتقل إلى غير ذلك. زد على ذلك قلة ضعف ميزانية إدارة السجون وتفشي الرشوة.

إن هذه الظواهر، منذ صدور التقرير، ما زالت قائمة. كما أن عدد سجناء الحق العام في المغرب يبلغ 70 ألفا أي أكثر من سجناء فرنسا التي يبلغ سكانها ضعف سكان المغرب. وذلك راجع إلى أن الإفراج الاحتياطي لا يجري العمل به في بعض الحالات رغم أن القانون المغربي نص عليه.

ففي 2010 لم يتم الإفراج احتياطيا على أي واحد من المعتقلين خاصة الذين قضوا أكثر من ثلثي عقوبتهم، وأبانوا خلالها على حسن سلوكهم.

* في سياق ذلك، تحدثتم كثيرا في المجلس الوطني لحقوق الإنسان عن وجود اختلال في المنظومة القضائية للبلاد، الأمر الذي يؤدي إلى الاكتظاظ في السجون. هل من خارطة طريقة أو مقاربة لدى مجلسكم لوضع حد لهذا الاختلال؟

- تعرف بلادنا منذ أربعة أشهر نقاشا وطنيا حول إصلاح منظومة العدالة. فهناك هيئة وطنية تشرف على هذا النقاش، وهناك أكثر من 40 شخصية مشاركة فيها ضمنهم شخصي المتواضع. وهذه الهيئة نظمت سلسلة من الندوات الجهوية تهدف إلى تقديم ميثاق وطني لإصلاح العدالة في يناير أو فبراير (شباط) 2013, ونحن في المجلس الوطني لحقوق الإنسان ساهمنا في هذا النقاش عبر طريقتين. الأولى، تكمن في إعادة نشر كل ما يتعلق بتاريخ ومقترحات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في هذا الميدان، وكذلك بلورة واعتماد مذكرات لإغناء هذا النقاش خلال الجلسات العامة للمجلس. وكانت أول مذكرة في هذا الميدان حول المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي قدمنا مقترحاتنا بشأنه. هناك كذلك مذكرة أخرى ستصدر قريبا عن المجلس بشأن قانون القضاة، إضافة إلى مذكرة أخرى نحن بصدد إعدادها حول القانون الجنائي، وقانون المسطرة الجنائية، وستنشر كلها قبل نهاية السنة الحالية كمساهمة من المجلس في هذا النقاش الوطني.

* الملاحظ أنكم في المجلس لم تحملوا جهة معينة مسؤولية ما يحدث في السجون من تعذيب وممارسات غير إنسانية، وقلتم إنها انتهاكات فردية وليست ممنهجة لكن ألا ترون أن المسؤولية في الأخير تعود لإدارة السجون؟

- لقد صدر تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول السجون بعنوان «مسؤولية مشتركة». أكيد أن إدارة السجون لديها مسؤولية ولكن هناك أيضا مسؤولية وزارة العدل خاصة عندما لا تقوم بالرقابة المطلوبة منها بصفتها مكلفة الرقابة في السجون. وهناك آليات أخرى مثل لجان التحري البرلمانية، وبالتالي فالمسؤولية مشتركة. وأود الإشارة في هذا الصدد إلى أن الظهير (المرسوم الملكي) الذي عين السيد حفيظ بن هاشم مندوبا ساميا لإدارة السجون يتضمن بندا ينص على تشكيل لجنة الأمناء العامين لكل الوزارات، مهمتها مراقبة السجون. ولقد طالب السيد بن هاشم عبر عدة رسائل وجهها إلى عباس الفاسي، رئيس الحكومة السابق، وعبد الإله ابن كيران، رئيس الحكومة الحالي، بالتئام هذه اللجنة بيد أنها لم تجتمع حتى يومنا هذا. فهذه اللجنة كان بإمكانها مراقبة وضعية السجون ومن هنا جاء عنوان التقرير «مسؤولية مشتركة».

* كيف هي علاقة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالحكومة نصف الملتحية، في ظل اتهام نواب حزب العدالة والتنمية له بأنه مجلس إقصائي إثر إقصاء منتدى الكرامة الذي يترأسه عبد العالي حامي الدين، القيادي في الحزب، من عضوية المجلس. بماذا تردون على ذلك؟

- أنت تعرف أن الدستور المغربي الجديد يتضمن نحو أكثر من 10 مؤسسات جديدة سيتم إخراجها إلى الوجود مثل هيئة المناصفة ومحاربة أشكال التمييز، ومجلس الشباب والعمل الجمعوي، ومجلس الأسرة والطفولة. ومن يكون في عضوية هذه المجالس، هي إشكالية واجهتنا في المجلس الوطني لحقوق الإنسان حينما كنا نفكر في مسألة عضويته. وهذه الإشكالية سوف تتعمم على كل المجالس التي هي مجالس للحكامة وحقوق الإنسان، ومجالس لا تحظى بشرعية ديمقراطية تكتسب عبر التصويت، وأنت تعرف النقاش الذي دار في مجلس الجالية المغربية في الخارج. وبالتالي إذا كان هناك من يتوفر على عصا أو وصفة سحرية، حتى يكون كل المجتمع المدني ممثلا في هذه المجالس فليزودنا بها. لدينا في المغرب الآن أكثر من 44 ألف جمعية، حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط، بينما يقول السيد الحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، إن عددها أكبر من ذلك. وبالتالي كيفما كانت الأحوال فإن جزءا كبيرا من المجتمع المدني يوجد خارج هذه المجالس، والتحدي الأساسي القائم الآن هو هل يمكن لهذه المجالس أن تعمل مع هذا الجزء من المجتمع المدني أم لا؟

إنني أعتبر بعض الانتقادات تبين أن هذه الجمعيات تريد أن تشتغل مع هذا المجلس أي أنها تعتبره مؤسسة مهمة. ومن ثم فإننا لا ننظر إلى الأمر كانتقاد بل كاعتراف بأهمية المؤسسة. بالنسبة للأستاذ حامي الدين، هو صديق شارك مؤخرا في نشاط مهم للمجلس أقيم في مدينة طنجة، مثلما شاركت معنا مؤخرا النائبة ماء العينين، المنتمية لحزب العدالة والتنمية، في ملتقى نظمه المجلس في مدينة أغادير. كما أن السيد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال (الإعلام)، أرسل لنا مشروع المجلس الأعلى للصحافة وأجبناه، وأرسل لنا السيد الشوباني خلال الصيف الماضي مذكرة حول تمويل الجمعيات، وتعاملنا معه. إذن، عدم الوجود داخل إحدى المؤسسات لا يعني عدم التفاعل معها. إذ يمكن إبرام اتفاقيات معها.

* هناك مشكلة مطروحة بقوة تخص تعامل قوى الأمن بعنف مع التظاهر السلمي هذا دون أن ننسى أن الكثير من المظاهرات السلمية هي غير قانونية، حسب تصريحات عدد من المسؤولين الأمنيين، فأين يكمن الخلل لتفادي الجدل حول التدخل العنيف للأمن؟

- هذه من الإشكالية الأساسية المطروحة أي كيفية تدبير الحق المشروع في الاحتجاج السلمي. والأكيد الآن هو أن أكثر من 90% من المظاهرات التي تنظم في المغرب هي مظاهرات تنظم خارج القانون. هذا مع العلم أن القانون المنظم لحق التظاهر السلمي هو قانون ليبرالي، ذلك أنه لا يطلب من الراغبين في التظاهر طلب إذن للقيام بذلك، وإنما يجب التصريح بذلك، وإذا تم منع المظاهرة بإمكان المعنيين بالأمر اللجوء إلى المحكمة الإدارية. الآن ليست هناك تصريحات وليست هناك شكاوى تقدم للمحكمة الإدارية، وحتى الحكومة في أغلب الأحيان لا تمنع القيام بالمظاهرات، وهناك تدخل في بعد الحالات وعدم التدخل في حالات أخرى. هنالك مظاهرات غير قانونية على مستوى الشكل القانوني، ولا يكون هناك تدخل، لكن في مظاهرات أخرى يكون هناك تدخل. إن المجلس الآن هو بصدد الانتهاء من دراسة حول المظاهرات، ويعتزم تنظيم ندوة يشارك فيها أكبر عدد ممكن من القوى السياسية والنقابية والمجتمعية والسلطات، على أساس أن نجد طريقة لضمان الحق في التظاهر في إطار القانون. وأظن أن هذه الندوة ستعقد في يناير المقبل.

* بالنسبة للمجالس العشرة التي ينص عليها الدستور الجديد، ولها علاقة بحقوق الإنسان. متى تتوقعون أن ترى النور؟

- من يتحكم في المخطط التشريعي هو الحكومة، وأحزاب الغالبية والمعارضة أيضا، فالدستور الجديد يضمن عدة حقوق للمعارضة البرلمانية، تخول لها التحكم في هذا الأمر. وفي سياق ذلك، قدم فريق العدالة والتنمية مؤخرا مشروعا حول المحكمة الدستورية. وأعتقد أن ما يجب القيام به الآن هو الإعلان بوضوح عن أجندة السنوات المقبلة حتى يكون النقاش متعددا ورزينا حول هذه المجالس، وحول مقتضيات أخرى.

إن المطلوب الآن بالنسبة للمجالس الوطنية هو القيام بتفكير مسبق بشأن الانسجام فيما بينها سواء على مستوى المهام أو الاختصاصات حتى لا يكون هناك تضارب بينها ومن هنا ينبغي توفير مقاربة لتحقيق الانسجام المنشود بين هذه المجالس. لا سيما أن هناك مجالس أخرى سيتم إنشاؤها غير تلك التي نص عليها الدستور. مثلا، وفي سياق الحديث عن الانسجام، هناك بند في الدستور يضمن حق الولوج إلى المعلومة، وبالتالي يجب وضع آلية للقيام بذلك تضمن هذا الحق. هناك كذلك بعض الاتفاقيات الدولية التي تجبرنا على وضع آليات موازية مثلا بالنسبة لبروتوكول مناهضة التعذيب. وبما أن المغرب صادق عليه ينبغي وضع آلية للوقاية من التعذيب بشراكة مع المجتمع المدني. وهنا أتساءل: هل نترك هذه الآلية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان أم نتركها لآلية أخرى. وإذا نظرنا إلى مؤسسة الوسيط فإننا نجد أن لديها قسما مكلفا الولوج إلى المعلومات الإدارية. فنحن الآن بصدد مسلسل إعادة بناء كل هذا المشهد المؤسساتي الوطني المتعلق بالديمقراطية التشاركية وفي نفس الوقت يجب علينا أن نحرص على البعد المجالي لهذه المجالس الوطنية لأن تقرير الجهوية الموسعة قدم أيضا مقترحات في إطار الديمقراطية التشاركية. إذن المطلوب إيجاد انسجام بين المستوى الوطني والجهوي والمحلي. مثلا في ميثاق الجماعات المحلية (البلديات) هناك فصل ينص على إنشاء لجنة من أجل المساواة وتكافؤ الفرص، بحيث يجب أن يكون هناك انسجام أفقي وعمودي وهذا هو التحدي الأساسي. أما هذه المجالس فستأتي مع الوقت بما أن الدستور يقول إن مقتضياته يجب أن تفعل خلال السنوات الأربع المتبقية من عمر الحكومة.