ليبراليون يطالبون بمساءلة منظر الدعوة السلفية بسبب تصريحاته حول الدستور

قيادي بحزب النور: المعارضة لا تنتهي من الجدال ولكن «قضي الأمر»

حلقت ناشطات مصريات أمس شعر رؤوسهن أمام عدسات المصورين بوسط ميدان التحرير بالعاصمة القاهرة رمز ثورة يناير للتعبير عن موقفهن الرافض للدستور الجديد (أ.ف.ب)
TT

لا يزال ما جاء على لسان الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية في مصر ومنظرها العام، بشأن المادة (219) من الدستور، المفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية، وكواليس تمريرها خلال أعمال الجمعية التأسيسية، يثير جدلا في مصر، خاصة من جانب القوى والتيارات الليبرالية المعارضة، رغم توضيح برهامي لبعض ما جاء على لسانه أمس.

وقال برهامي: «كنت أقصد أن أوضح للحضور معي في الفيديو كيف مرت الأحداث داخل الجمعية التأسيسية منذ بدايتها حتى وصلنا إلى الاستفتاء». وحول تطرقه لخداع الأقباط والليبراليين، ووصفهم بأنهم «مش فاهمين»، قال: «نحن أردنا تفسير المادة الثانية على حقيقتها، وقد أضافت هيئة كبار العلماء جملة (على مذهب أهل السنة والجماعة)، وقصد بها المذاهب الأربعة وأيضا مذاهب الصحابة والتابعين، وطالب الليبراليون بوضع كلمة (أدلتها الكلية) ونحن صممنا على وضع (مصادرها) ورغبوا في الهروب من التطبيق الضيق إلى الأمور الكبيرة فقط».

وتنص المادة 219 على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة»، وهي تفسير للمادة الثانية من الدستور «الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع».

وكان الداعية السلفي ياسر برهامي قد كشف خلال تصريحات مصورة بثها موقع «أنا السلفي» التابع للدعوة السلفية، كواليس أعمال الجمعية التأسيسية، وقال حول المادة 219 إنه «لا العلمانيين ولا النصارى فاهمين المسألة! دا كويس (...) والله هي مرت عليهم لأنهم لم يفهموها». وقال: إن «المادة تضمنت أدلتها ومصادرها ومذاهب أهل السنة والجماعة، والمذاهب هي عبارة عن أمور فقهية أنا لا أريد أن أتحدث في تفاصيلها في الإعلام حتى لا ينتبهوا أكثر، هي عدت (انطلت) عليهم والله لأنهم مش فاهمينها (لم يفهموها) ثم بعد ذلك لما انتبهوا قالوا: إنها مادة كارثية». كما أشار إلى أن الدستور فيه قيود كاملة ولم توجد قبل ذلك في أي دستور مصري. وحركت كلمات برهامي من جديد الجدل الدائر أصلا بشأن الدستور، وأثارت استنكارا واسعا من جانب التيارات الليبرالية في البلاد بعد أن خصهم برهامي بالحديث، معتبرين أن كلماته تكشف النية المبيتة من هذا التيار (السلفي) لخطف الدولة، وكانت الكنيسة والمعارضة المصرية في مجال اعتراضها على الدستور قد اعتبرت أن المادة 219 تفتح الباب لأكثر التفسيرات تشددا للشريعة.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة: «علينا أن نعرف أن لدى التيار السلفي خططا ومشاريع أخرى خطيرة، وأن معركة الدستور ليست سوى بداية لسلسلة ممتدة من معارك المواد الملغومة في الدستور».

وأوضح «نافعة» في تغريدة له عبر حسابه على موقع «تويتر»: «الدستور كان نتاج مساومات وصفقات عقدت في غرف مغلقة تحت الظلام، وما قيل عن مشاركة الشعب لم يكن سوى ستار لإخفاء هذا العوار». وتابع: «قيادة جماعة الإخوان الحالية التي تعبر عن التيار المحافظ، أصبحت أقرب فكريا إلى التيار السلفي المتشدد، وحولت الجماعة إلى أداة في يدهم».

فيما قال جابر جاد نصار، عضو الجمعية التأسيسية المنسحب في تصريحات تلفزيونية إن الفيديو «الخطير» كشف عن المؤامرة التي تعرض لها الدستور المصري داخل التأسيسية، وأثبت صحة ما قيل من قبل بشأن وجود جلسات سرية للمساومة على دستور مصر.

وطالب باسل عادل، وكيل مؤسسي حزب النيل عضو مجلس الشعب السابق، بمحاكمة شعبية للدكتور ياسر برهامي، بسبب الفيديو، والذي وصفه بـ«الكاشف والخطير»، والذي يكشف النية المبيتة من هذا التيار لخطف الدولة، بحسب وصفه. وأكد عادل في أمس أن دعوات الأحضان والورود والحوار التي يطلقها تيار الإسلام السياسي، والتي لا تحل المشكلات، هي محاولة لـ«بروزة» أن التيار المدني لا يريد الحوار، وبالتالي تحميله مسؤولية المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع.

على الجانب الآخر، أوضح الدكتور يونس مخيون، عضو الهيئة العليا لحزب النور السلفي (الذراع السياسية للدعوة السلفية) في مصر، عضو اللجنة التأسيسية لكتابة الدستور، حقيقة ما دار حول المادة 219. قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «ما حدث أننا كتيارات إسلامية كنا نطالب أن تكون الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، ومع كوننا قلة ومع الاعتراضات من جانب الأغلبية للأخذ بكلمة مبادئ، طالبنا بأن تفسر هذه الكلمة، وهو ما قالت عنه المحكمة الدستورية العليا أن تكون الأحكام بقطعية الدلالة وقطعية الثبوت، وهو ما يجعلها مادة ديكورية ليس لها قيمة، لذا اتفقنا على أن يكون الأزهر المرجعية النهائية لتفسير المبادئ، وهو ما رفضته التيارات الليبرالية، ومع جلسات التفاوض بيننا تم الاتفاق على أن تفسر المادة من جانب هيئة كبار العلماء، وهو ما حدث، ومن ثم وضعت المادة في باب الأحكام العامة».

وحول الخلاف حول لفظ «أدلتها الكلية» و«مصادرها» اللتين تضمنتهما المادة، قال: «طالب الليبراليون بوضع كلمة أدلتها الكلية، ونحن صممنا على وضع كلمة مصادرها، فالكلمة الأولى لا تخرج عن نطاق كلمة مبادئ، لذا فقد اقترحنا الكلمة الثانية أي يكون هناك رجوع للقرآن الكريم والسنة والإجماع والقياس، أي المصادر المتفق عليها والتي يتم تدريسها، وهو ما لم يعترض عليه شيخ الأزهر قائلا: إنه تأكيد لا مانع منه».

ونفى مخيون انسحاب القوى وقت مناقشة المادة، موضحا أن هناك 22 توقيعا عليها من جانب التيارات الليبرالية مثل الوفد والغد، إلى جانب الأزهر والكنيسة.

وحول ما اعتبرته الكنيسة والمعارضة المصرية بأن المادة 219 تفتح الباب لأكثر التفسيرات تشددا للشريعة، قال عضو الهيئة العليا لحزب النور: «الكنيسة ليس لها شأن وليس لها أن تتدخل، فهم غير فاهمين للمعنى الصحيح الذي فسره هيئة كبار العلماء، ومن يعترض على المادة عليه الرجوع لهيئة كبار العلماء».

وانتقد مخيون ما ردده البعض من أن المادة 219 «مادة كارثية»، موضحا أن من قالها هو بابا الكنيسة: «وهو كلام غير مقبول منه تماما، ولا يصح أن يتدخل في شريعتنا ولا في تفسيرات الشريعة».

وعن زيادة اللغط والجدل من جانب التيارات الليبرالية بعد كلمات برهامي، قال: «اللغط سيظل موجودا فترة ثم ينتهي بمرور الوقت، فهم لا ينتهون من الجدال، ولكن قضي الأمر، وإذا أرادوا فتح الحديث حولها وتغييرها فعليهم أن يفعلوا ذلك في مجلس النواب (الغرفة الأولى من البرلمان)، بعد أن يدخلوه بعد اجتياز الانتخابات والفوز بالأغلبية إذا كان لهم أرضية».