مصريون بين سندان «الدستور» ومطرقة «الفقر»

بائعة متجولة قالت بأسى: دستور إيه اللي بيتكلموا عليه.. أنا دايخة السبع دوخات

مصريتان تستريحان في طابور الاستفتاء على الدستور (رويترز)
TT

«البلد داخلة حارة سد» و«الفقر هيبقى للركب».. عبارتان تناثرتا في حديث رجلين خرجا مسرعين من أحد مساجد محافظات دلتا النيل بعد أداء صلاة فجر الأحد الماضي، بينما تناهت في الخلفية جوقة من الأصوات لملتحين تردد عبارات «ربنا نصرنا» و«الله أكبر»، وبينما تبادلوا كلمات أخرى تعبر عن سعادتهم بما آلت إليه المؤشرات الأولية من انحياز للدستور المصري، بعد الجولة الثانية من الاستفتاء عليه السبت الماضي، لفتت كلماتهم نظر إحدى السيدات الريفيات على بعد خطوات منهم، والتي خرجت في هذه الساعة المبكرة للبحث عن رزقها، كونها تبيع الجبن واللبن.

لكن الوجوه الفرحة لم ترق لصاحبة الوجه البائس التي تستعد ليوم طويل وشاق، فقالت بغضب قبل أن تركب الميكروباص الذي تتوجه به للقاهرة لبيع بضاعتها: «دستور إيه اللي بيتكلموا عليه؟ أنا دايخة السبع دوخات علشان لقمة العيش، وهما فرحانين بالدستور.. يا ترى الدستور هيأكلنا العيش؟».

السيدة وكلماتها ليست حالة فريدة يمكن أن يصادفها المرء في مصر، التي تشهد اليوم بداية إقرار دستور البلاد الجديد، فكثير من المصريين، خاصة البسطاء منهم والفقراء، لا يعرفون كثيرا عن مواد الدستور التي تصدرت المشهد السياسي بالبلاد منذ شهر مضى، وترتب عليها اشتباكات بين المؤيدين والرافضين له، كما لا توجد إحصائيات تحصي عدد من لا يشغلهم أمر الدستور، إلا أن المؤشرات الأولية التي تشير لفوز الدستور بنحو 64% تؤكد امتناع أكثر من 34 مليونا عن التصويت في الاستفتاء من أصل 51 مليونا قد يؤكد ذلك.

وبعيدا عن هذه النسبة، وفي إحدى أسواق العاصمة، المجاورة لمقر حزب الوفد الليبرالي معقل جبهة الإنقاذ الوطني الرافضة للدستور؛ حطت رحال سيدة اللبن والجبن، حيث تختلط أصوات الباعة والزبائن، ومن خلفها ترتفع أصوات «راديوهات» المقاهي بأخبار نتائج الدستور دون اهتمام روادها.

لكن الدستور لا يهمه أن الناس لديهم احتياجات أخرى كثيرة، وأنهم أكثر من أي وقت آخر لا يهمهم سوى البحث عن لقمة العيش، في بلد وصلت نسبة الفقراء فيه 25.2% بحسب تقرير رسمي عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء صدر الشهر الماضي، وفي ظل تحذيرات من الإقبال على أزمة اقتصادية سيكون لها تأثيرها على المواطن.

وبحسب أحد زبائن المقهى: «دستور قديم ولا جديد، ولا مسلوق، ولا متاكل نصه.. مش مهم إحنا نشتغل وناكل عيش، عايزين نعيش بكرامة، كفاية ذل وفقر».

الهم نفسه يؤكده سيد بائع خبز في العشرينات، معلقا على دستور بلاده: «إحنا عمرنا ما عرفنا دستور، فهو يهم الناس اللي في السلطة، الإخوان عاملين الدستور لحسابهم، أنا أتمنى أن أستفيد منه وتكون فيه مصلحتي، ولكنه ليس معمولا لنا ولكنه لأصحاب المصالح». قبل أن يضيف: «ما أريده أن حال البلد يتصلح وكل واحد يأخذ حقه».

على بعد خطوات من بائع الخبز، كانت تفوح رائحة الليمون، الذي دخل على خط السياسة المصرية مع ظهور «حزب الليمون» الذي يجد أعضاؤه أنفسهم بين خيارين أحلاهما مر فيختارون أحدهما على مضض، وراء قفص الليمون جلس بائعه الملتحي، وليد عبد العظيم، الذي يشير إلى أنه أحد أعضاء حزب النور «السلفي»، ويقول: «أعرف أن (نعم) أو (لا) لن تؤكلنا العيش، ولكني أيدت الدستور لأن الشيوخ قالوا: إن نعم ستجعل حالنا أفضل وتدور العجلة، فنحن نعاني من وقف الحال». ويتابع: «الآن بعد الدستور أتمنى أن الناس تترك الرئيس في حاله، علشان يقدر يصلح من حالنا».

من بين المتسوقين، يقول الأربعيني «بدر»، عامل بوفيه بإحدى الشركات، إنه قال: «لا» للدستور، بسبب أنه استمع من موظفي الشركة أن المواد الخاصة بالتعليم والصحة لا تنحاز للمواطن الفقير، ويتابع: «أنا أعرف القانون، ولكني لا أعرف الدستور، وقد رفضته لأنه لا يعرف الناس الغلابة مثلي». ويكمل: «أطالب الرئيس مرسي بأن يرفع المرتبات التي وعد بها ولم تنفذ حتى الآن، وأن يهتم بالرقابة على التموين خاصة رغيف العيش الذي أقف أكثر من ساعتين في طابور طويل للحصول عليه».

بجوار أحد الحوائط التي كتب عليها عبارة «دستور باطل»، تلخص بائعة الخضراوات «أم حسام» مطالبها من الدستور الجديد، الذي لا تعلم عنه شيئا، أن «يقضي على البلطجية، والناس تبطل تموت بعض».

وبسؤال إحدى زبائنها عن الدستور، رفضت الحديث قائلة: «الدستور مش هيديني حاجة ولا هيخليني آكل لقمة عيش». ثم أضافت في سخرية: «يا ريت لو يخليني أركب طقم أسنان».