لا يوجد خيار سهل أمام الأسد في سوريا.. سواء رحل أم لم يرحل

مؤيدوه يقولون إن عليه إما التشبث بطموح والده أو التدني إلى وضع جده

TT

يوجد الرئيس السوري بشار الأسد في قصره على قمة الجبل في حين تدور رحى الحرب عند السفح، ويزلزل دوي المتفجرات ضواحي دمشق، وبلده يغرق في الفوضى أكثر فأكثر. والتقى مبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي، الأسد في قصره يوم الاثنين الماضي في محاولة للتوصل إلى حل للصراع الذي اندلع قبل عامين.

ويعتمد رد فعل الأسد على مناشدة الإبراهيمي تكوينه النفسي الذي شكّله الشعور القوي بالرسالة التي ورثها عن والده ذي القبضة الحديدية، حافظ الأسد، ومستشاروه المقربون الذين يصفهم المؤيدون بالحرس القديم المتشدد الذي كان مع والده.. إلى جانب تقديرات الأسد الشخصية، التي لا يعرفها سواه، بشأن ما ينتظره في حال بقائه في سدة الحكم وهل مصيره هو النصر أم الموت على أيدي شعبه.

يستطيع الأسد رؤية عدة احتمالات مستقبلية من عليائه، بينما يقع المطار شرق القصر ويمثل بوابة محتملة مفتوحة على المنفى، وهو طريق يرجح البعض أن تكون والدته وزوجته قد سلكتاه بالفعل. مع ذلك، لا يخلو الطريق من العراقيل، التي لا تتمثل في الثوار فحسب، بل أيضا في اعتقاد الأسد ومستشاريه، بحسب قول المؤيدين، أن الهروب يعد خيانة لبلده وتاريخ وإرث والده. إنه يستطيع البقاء في دمشق والتشبث بطموح والده في فرض نظام سوري علماني والتصرف بوصفه زعيم العروبة على الساحة الإقليمية والعالمية بل الموت دون ذلك، أو يستطيع التوجه إلى المنطقة الجبلية الساحلية التي يتمركز فيها العلويون، الذي ينتمي إليهم، ويترك باقي المناطق لقوى الثورة التي تقودها الأغلبية من السنة.. وسيعني هذا سقوطا دراميا كبيرا، حيث سيتدنى إلى مكانة جده، الذي كان شيخ قبيلة لأقلية مهمشة جل ما تطمح إليه هو البقاء.

ولم يفصح الإبراهيمي عن تفاصيل اللقاء، لكنه حذر خلال الأسابيع القليلة الماضية قائلا إنه من دون حل سياسي، ستكون الدولة السورية على شفا انهيار ومقبلة على سنوات من الحرب الأهلية يتضاءل أمامها كل ما نراه من دمار خلّف وراءه 40 ألف قتيل.

وقال دبلوماسي يقيم في دمشق يوم الاثنين الماضي إن الأسد «يدرك جيدا» أن عليه مغادرة منصبه رغم إنكاره الرسمي، وإنه «يبحث عن مخرج» رغم عدم وجود جدول زمني واضح يلوح في الأفق. وقال الدبلوماسي، الذي يوجد حاليا خارج البلاد لكنه يمتلك سلطات داخل البلاد: «الأهم من ذلك هو شعور الرجال النافذين في الدائرة المقربة من النخبة الحاكمة في دمشق بأن عليهم العثور على مخرج». مع ذلك، يقول مقربون من الأسد ودائرته إن أي انسحاب سوف يصطدم بشعوره المترسخ بالعظمة وكذلك بأماني مسؤولي الأمن، الذين يتزايد نفوذهم، ويراهم أحد أصدقاء الأسد «متهورين».

ويعتقد الأسد أنه يحمي بلده وشعبه ونظامه ونفسه من التطرف الإسلامي والتدخل الغربي؛ على حد قول جوزيف أبو الفضل، المحلل السياسي اللبناني، الذي يؤيد الأسد وتقابل مع مسؤولين في الحكومة السورية الأسبوع الماضي في دمشق. ويقول محللون في روسيا، التي تعد من أهم حلفاء سوريا، إنه مع محاولة الثوار تضييق الخناق على دمشق وقطع كل طرق الهروب عبر حماه، يسيطر الذعر على القصر كما يتضح من الاستخدام العشوائي للأسلحة، حيث إن استخدام صواريخ «سكود» ضد جيش أفضل من استخدامها ضد جماعة متمردة، والألغام البحرية التي تتساقط من الجو مكانها الصحيح هو قاع البحر. مع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان القادة العسكريون سيدعون الأسد يهرب إن أراد، لاعتقادهم أنهم في حال تسليمهم السلاح سيموتون هم وعائلاتهم في أعمال انتقامية، ويحتاجون إليه من أجل جمع الصفوف؛ على حد قول المحللين الروس.

يقول سيميون باغداساروف، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بموسكو وهو يضحك بوقار: «إذا كان يستطيع الهروب من دمشق، فهناك إدراك للمسؤولية أمام الآخرين. وسيكون بذلك هو الذي خان الملايين من أقرب الناس إليه». لا يزال كثير من السوريين يعتقدون، مثل الأسد، أنه يحمي الدولة السورية، وهو ما يساعد في تفسير صموده حتى هذه اللحظة.

وخلال غداء فاخر أقامه سياسي لبناني خارج بيروت في سبتمبر (أيلول) الماضي، تحدث مؤيدون سوريون بارزون للأسد من علويين وسنة ومسيحيين عن الرئيس، وأمامهم كؤوس مترعة، باعتباره حصن الدولة السورية الحديثة التي تتسم بالتنوع الثقافي. مع ذلك، تجرأ أحد أصدقاء الأسد وقال بصراحة إن مستشاري الأسد «متهورون» حيث قالوا له: «أنت ضعيف، ويجب أن تكون قويا». وأضاف قائلا: «إنهم ينصحونه بشن مزيد من الهجمات بالطائرات على أي وجه كان. إنهم يتحدثون عن الثوار وكأنهم كلاب أو إرهابيون أو إسلاميون أو وهابيون. لهذا سيتمادى حتى النهاية». وأوضح الصديق أن الأسد، رغم حديثه عن الحوار أحيانا، فإنه لا يريد سوى أن يكون البطل الذي يدافع عن البلاد ضد هجوم خارجي. وقال: «إنه لا يفكر سوى في النصر؛ النصر فحسب».

هذه الأزمة هي آخر شيء متوقع بالنسبة للشاب بشار الأسد. لقد كان الأخ الثاني الخجول ذا الذقن المنحسر الذي اضطر للتخلي عن حياته الهادئة بصفته طبيب عيون في لندن بعد موت شقيقه الأكبر باسل عام 1994 في حادث أثناء توجهه إلى المطار، وهو الطريق نفسه الذي يحاصره القتال الآن. تولى حافظ الأسد السلطة منذ عام 1970 حتى 2000. وتمكن خلال تلك السنوات من رفع مقام العلويين الذين كانوا مهمشين، والوصول بهم إلى السلطة والغنى. مع ذلك، يقول المنتقدون إن عائلة الأسد لم تعمل خلال أربعة عقود من الحكم على تعزيز الوحدة بين الطوائف العرقية والدينية، بل على توطيد أركان حكم العلويين خلف قناع علماني.

بعد اندلاع الثورة في موجة من الاحتجاجات السلمية في مارس (آذار) عام 2011، رفض الأسد كل الدعوات بإجراء إصلاحات حقيقية جادة التي كانت موجهة من شعبه، والمسؤولين الأتراك الذين قضوا سنوات في دعمه، بل ومن جماعتين مسلحتين طالما دعمهما وهما حماس وتنظيم حزب الله، الذي عرض التوسط في محادثات مع الثوار، بحسب حركة حماس.

بدلا من ذلك، استمر الأسد على خطى أبيه، الذي هدم أحياء بأكملها وقتل عشرة آلاف شخص على الأقل في الثمانينات لقمع ثورة إسلامية. ويقود الابن الآن حربا أهلية بدأت بالأساس بوصفها عملية قمعية عدد ضحاياها أكبر من ضحايا أبيه بأربعة أمثال ولا يزالون يتساقطون.

في ظل نظام أصبح يزداد كتمانا، من المستحيل معرفة كيفية اتخاذ الأسد قراراته على وجه الدقة. ويقول البعض إنه أراد إجراء إصلاحات، لكن أقنعته والدته وكذلك أقنعه القادة العسكريون وقادة أجهزة الاستخبارات، الذين كانوا من أخلص رجال والده، بأن الإصلاحات سوف تؤدي إلى سقوطه.

ويقول يورغن تودينهوفر، الصحافي الألماني الذي أجرى معه مقابلة في يوليو (تموز) الماضي: «هناك شخصيتان داخل بشار الأسد؛ واحدة تتسم بالهدوء لا تحب هذه الوظيفة وتبحث عن مخرج، بينما الأخرى تريد أن تؤكد للعائلة والعالم أنها قوية الشكيمة وليست خانعة».

ويقول آخرون إن دوافع الأسد الإصلاحية كانت دائما تهدف إلى التمتع بمباهج الحياة والترف ومباركة الغرب. لقد تولى الوالد، حافظ الأسد، والخال، اللذان كانا يتسمان بالعدوانية، تربية الأخوين وكانا دائما يرسخان في عقليهما أنهما أنصاف آلهة وأن سوريا هي مملكتهما؛ على حد قول رنا قباني، ابنة دبلوماسي بارز تعرفهما مذ كانوا طفلين.

ويقول مسؤولون أتراك إن الأسد كان ينصت إلى انتقاداتهم بهدوء خلال المحادثات الكثيرة التي كانت تجرى خلال الأشهر الأولى من الثورة، وأشاروا أنه أكد أنه مسؤول عن أفعال الحكومة ووعد بالتوصل إلى حل. وقال مسؤول تركي بارز رفض ذكر اسمه: «إما أنه ماهر في الكذب، أو غير قادر على تنفيذ وعوده».

أمام الأسد، الذي يبلغ الآن 47 عاما، مجموعة من الخيارات الكريهة. من الصعب تخيل أن الأسد، الذي نشأ في دمشق وتزوج من عائلة تنتمي إلى النخبة السنية ويحسد على لكنته الدمشقية، يهرب ويصبح مجرد قائد جماعة مسلحة علوية كما يوضح جوشوا لانديز، الأستاذ بجامعة أوكلاهوما الذي يدرس الشؤون السورية والعلويين. لقد ظل الاعتقاد بأن الأسد يستمع إلى نصح أمه وأخيه ماهر رئيس الفرقة الرابعة في الجيش التي تثير الرعب، وزوج شقيقته آصف شوكت، وأبناء أخواله من آل مخلوف، سائدا لفترة طويلة. مع ذلك، يُعتقد أن أمه هربت من سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية، في حين قُتل شوكت نائب وزير الدفاع في تفجير خلال شهر يوليو (تموز) الماضي. ويُعتقد كذلك أن آل مخلوف يهرّبون الأموال من البلاد. ووردت أنباء عن فقدان ماهر إحدى رجليه أثناء التفجير، لكنه لا يزال يقود القوات.

ويتفق المحللون الأتراك والروس والسوريون واللبنانيون على أن مستشاري الأسد الأساسيين حاليا هم رجال والده المتشددون وقادة الشبيحة الذين نفذوا هجمات ضد معارضي الأسد. وإذا كان في يوم من الأيام هناك معتدلون في النظام السوري قد يقنعون الأسد بتسليم السلطة إلى خليفة له يستطيع الحفاظ على تماسك الدولة السورية، فهذا الخيار بات بعيد المنال الآن. ويوضح باغداساروف قائلا: «لقد أريقت الدماء وبات من المستحيل القيام بذلك».

وقال رجل أعمال من الطائفة العلوية في المنطقة الساحلية، يزعم أنه على علاقة بدائرة الأسد، إن الشخص الوحيد القادر على إقناع الأسد بالتخلي عن الحكم هي زوجته أسماء، لكنها لم تلعب دورا محوريا في هذه الأزمة، فقد غادرت البلاد مع أبنائها أو ربما منعها ماهر من ذلك أو ربما لا تزال مصرّة على البقاء بحسب آخر شائعة آتية من دمشق التي تموج بالغضب والاضطرابات.

* شارك في إعداد التقرير كريم فهيم وديفيد كيركباتريك من بيروت وإيلين باري من موسكو وسيبنيم أرسو من إسطنبول وريك غلادستون من نيويورك وأحد مراسلي «نيويورك تايمز» من طرطوس بسوريا

* خدمة «نيويورك تايمز»