الأميركيون في نظر العراقيين بعد عام على رحيل قواتهم.. «محررون» و«محتلون»

قيادي سني: دمروا العراق.. وشيعي: لم يأتوا كجمعية خيرية.. وكردي: لولاهم لبقي صدام

جنود أميركيون خلال لقاء مع وجهاء عشائر في إحدى مناطق جنوب العراق أواخر عام 2011 (أ.ب)
TT

تغيرت المعادلات كثيرا في العراق في غضون السنوات العشر الماضية. ففي عام 2003 سقط نظام صدام حسين بعد فترة حكم استمرت 3 عقود.. وبسقوط نظام صدام حسين يكون «العراق البريطاني» حسب توصيف المفكر وعضو البرلمان العراقي حسن العلوي قد انتهى وانتهت معه الدولة ذات البعد العروبي في العراق، التي قامت طوال 80 عاما على تهميش الشيعة مذهبيا والأكراد قوميا.

وحسب توصيف العلوي نفسه، فقد حل بعد عام 2003 «العراق الأميركي». وبعد نحو 9 سنوات من وجودهم العسكري الكثيف في العراق أعلن الأميركيون انسحابهم من العراق طبقا للاتفاقية التي كانت الإدارة الأميركية، أواخر عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، قد وقعتها مع الحكومة العراقية عام 2008.. بينما تقرر أن يكون موعد انسحاب آخر جندي أميركي من العراق في اليوم الأخير من عام 2011. هذا الاحتلال الذي دخل القاموس السياسي والإعلامي العراقي بمسميات وصياغات شتى. فخلال السنوات العشر الماضية وجد الأميركيون أنفسهم محاصرين بتسميات متباينة.. فهم «محررون» من وجهة نظر الأكراد الذين لا يزالون يطلقون عليهم هذه التسمية، لأنهم حرروهم من نظام صدام حسين الذي كان قد مارس ضدهم حرب إبادة جماعية في الأنفال وحلبجة. وهم «محتلون» من وجهة نظر الشارع السني والشيعي مع اختلاف صيغ المقاومة. ففي الوقت الذي بدأت فيه «المقاومة المسلحة» ضد الأميركيين في مدينة الفلوجة (60 كلم غرب بغداد) في وقت مبكر من عام 2003، بعد شهور على الوجود الأميركي في العراق فإنها بدأت متأخرة نسبيا في المدن ذات الأغلبية الشيعية.

وفي وقت تبنت فيه مجموعات سنية مسلحة مفهوم المقاومة، فإن دخول تنظيم «القاعدة» على خط تلك المقاومة سرعان ما جعل الفرز الطائفي واضحا فيها. وبينما استفاد الأميركيون من هذا الفرز فإنهم لم يحسنوا سياسة «فرق تسد» التي برع فيها أسلافهم البريطانيون في العراق. فالفرز الطائفي جعل من مفهوم «المقاومة» في الخطاب السياسي والإعلامي للطبقة السياسية العراقية مرادفا لـ«الإرهاب». ولم يحصل الفرز حتى حين دخل التيار الصدري الذي يقوده الزعيم الشيعي مقتدى الصدر على خط المقاومة المسلحة وسط وجنوب العراق. فلم يحصل مثلا أي توحيد لفصائل مقاومة سنية وشيعية بسبب الفرز الطائفي الواضح الذي تعزز تماما بعد أحداث سامراء في فبراير (شباط) عام 2006. فبعد ضرب قبتي مرقد الإمامين العسكريين في سامراء حصلت الحرب الأهلية في العراق، التي انقسم فيها المجتمع العراقي انقساما طائفيا حادا بين الشيعة والسنة.

ودخل الأميركيون بضراوة على خط إنهاء تلك الحرب بالتعاون مع القبائل السنية في المنطقة الغربية، حيث كان تنظيم «القاعدة» قد عزز نفوذه هناك، حتى بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي في مايو (أيار) عام 2006، حين أعلن التنظيم أواخر العام ذاته دولته الإسلامية في محافظة الأنبار. وكان الاتفاق الذي رتبه قائد القوات الأميركية في العراق آنذاك الجنرال ديفيد بترايوس مع تلك القبائل وتشكيل ما أطلق عليه فيما بعد «قوات الصحوة» البداية الحقيقية لانحسار قوة تنظيم القاعدة. غير أن انحسار نفوذ «القاعدة» عزز من جهة أخرى قدرات فصائل المقاومة ضد الأميركيين.

سياسيا، بدا الأمر مختلفا للطبقة السياسية العراقية؛ فالزعيم السني حامد المطلك عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الأميركيين دمروا العراق على كل المستويات، بدءا من حل الجيش والمؤسسات الأمنية فضلا عن سياسة الاجتثاث»، مشيرا إلى أنهم «بذروا فكرة تقسيم العراق، وهي الفكرة الرائجة الآن بين أبناء الطبقة السياسية ممن استفادوا من مشروع الاحتلال». ويرى المطلك أن «المستفيد الوحيد مما جرى في العراق هو إيران حيث تسلمت العراق جاهزا من الأميركيين بسبب فشلهم»، معتبرا أن «مستقبل العلاقة معهم مجهول».

من جانبه، يرى القيادي الشيعي جواد الجبوري عضو البرلمان العراقي عن كتلة الأحرار الصدرية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المقاومة الإسلامية كان لها الدور الأكبر في إخراج الأميركيين الذين سعوا إلى العودة بوسائل شتى، منها مسألة التدريب وغيرها». واعتبر الجبوري أن «فكرة الخلاص من نظام صدام حسين أمر في غاية الأهمية، لكن الأميركيين لم يأتوا إلى العراق والمنطقة بوصفهم جمعية خيرية، بل لهم مصالحهم في المنطقة وهي مصالح ضد شعوب المنطقة». وأكد أن «التيار الصدري لم يكن جزءا من مشاريع المعارضة في نسختها الأميركية، بل اتبع سبيل المقاومة الوطنية للخلاص من المحتل»، مشيرا إلى أن «الأميركيين إذا أرادوا بناء علاقة صداقة طبيعية، مثل أي دولة في العالم، فهذا أمر لا اعتراض عليه».

أما القيادي الكردي شوان طه عضو البرلمان العراقي عن التحالف الكردستاني، فإنه يرى في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أنه «إذا أردنا أن نكون منصفين فإنه لولا الأميركيون لما تمت إزاحة نظام صدام حسين من العراق»، مشيرا إلى أن «الأكراد مثل باقي إخوانهم من أبناء الشعب العراقي، عانوا من حكم صدام وقد فرح الجميع لإسقاطه».