غضب غير مسبوق إثر حادثة اغتصاب في الهند

تدابير حكومية لاحتواء الاحتجاجات تتضمن تدريب الشرطة والتوقف عن لوم النساء قبل سماع شكاواهن

موسيقي يندد بجرائم الاغتصاب عبر العزف أمام لافتة تدعو لوقف التحرش في طريق عام بنيودلهي (أ.ب)
TT

أعلنت السلطات الهندية أمس وفاة شرطي متأثرا بجروح أصيب بها في المظاهرات احتجاجا على تعرض طالبة لاغتصاب جماعي قبل أكثر من أسبوع. وكان الشرطي البالغ من العمر 47 عاما يتمركز يوم الأحد الماضي قرب «باب الهند» عندما تجمع حوله المتظاهرون. وقد هاجمته وضربته مجموعة منهم، قبل أن ينقل إلى المستشفى حيث توفي بعد يومين.

وقال الناطق باسم شرطة نيودلهي راجان باغات إن «المتظاهرين رشقوا الشرطي سوباش بالحجارة. وقد دخل في غيبوبة ليومين ثم توفي».

وأعلن عن وفاة هذه الشرطي بينما تسعى الحكومة إلى وضع حد للمظاهرات التي اندلعت في أعقاب تعرض الطالبة للاغتصاب، عبر فرض قيود صارمة والإعلان بشكل متزامن عن عدد من التدابير التي تخفف من غضب المتظاهرين بما في ذلك إنشاء خط طوارئ جديد لشكاوى النساء، وتقديم التدريب الملائم لشرطة العاصمة. وبدأت حدة المظاهرات تخفّ بعد يومين من الصدامات العنيفة بين قوات الشرطة والمتظاهرين، بشأن جريمة الاغتصاب الجماعي البشعة لطالبة في كلية الطب في الـ16 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، حيث انتشرت قوات مكافحة الشغب في الشوارع بكثافة وأغلقت 9 محطات للمترو لمنع انتقال المتظاهرين. وكان أكثر من 300 شخص قد تظاهروا بالجلوس في الشارع والهتاف «نريد العدالة، اقتلوهم». وقد أعلنت الحكومة ومحكمة نيودلهي العليا أن محاكمة مرتكبي جريمة الاغتصاب الجماعي ستبدأ في الثالث من يناير (كانون الثاني) المقبل، في تطور لم يُعرف من قبل عن نظام القضاء الهندي البطيء للغاية.

لكن على الرغم من تحرك السلطات لقمع الاضطرابات، أصيب الكثيرون بالذهول نتيجة انفجار الغضب الهائل نهاية الأسبوع، خاصة في بلد يعد التحرش والاعتداء الجنسي فيه أمرا معتادا، وعادة ما يوجه فيه اللوم إلى النساء. ويرى محللون أن قضية الاغتصاب الوحشي أفاقت الهنود من حالة اللامبالاة المعتادة التي يعانون منها تجاه هذا النوع من الجرائم. وكانت الاستجابة للتظاهرات ناتجة عن التقاء مجموعة من العوامل المعقدة، من بينها نهضة الطبقة الوسطى الحضرية، واستخدام وسائل الإعلام الاجتماعي، وتغير أنماط الحياة.

وكانت عوامل قد أدت إلى انطلاق حركة مقاومة الفساد التي اجتاحت الهند العام الماضي.

وتقول نيلانجانا روي، المؤلفة وكاتبة الرأي التي تكتب في قضايا المرأة: «هذه ظاهرة حضرية للغاية وهي أشبه ببلوغ النساء سن الرشد في مدنهن، وأعادت اكتشاف حقهن في الحصول على الأمن». وأشارت روي إلى أن كثيرا من المتظاهرين أخبروها أن هذه كانت المرة الأولى التي يتظاهرون فيها، وأن هذا الوقت كانت كبيرا للغاية.

وأضافت: «لم تعد لديهن رغبة في أن يوجه إليهن اللوم بعد ذلك بأنهن السبب في وقوع العنف. كان بعضهن يطالبن بتطبيق عقوبة الإعدام وعدالة الغوغاء العنيفة للمغتصبين، وطالبت أخريات بطرق ومواصلات عامة آمنة، وهناك آخرون ممن عبروا عن غضب عارم تجاه النظام، والوسائل القديمة لإنجاز الأمور، وغضبهم تجاه الشرطة وحكومة الولاية».

وكانت طالبة الطب الشابة تعرضت للاغتصاب من قبل 4 رجال في حافلة استقلتها هي وصديقها بعد مشاهدة فيلم سينمائي. تعرض الاثنان للضرب بوحشية بقضيب حديدي، وتم إلقاؤهما من الحافة على شفا الموت في الشارع. اعتقلت الشرطة المتهمين الـ4، وتصارع الفتاة لتتعافى من الإصابات في مستشفى المدينة، وقد وضعت على جهاز التنفس الصناعي.

استخدمت الشرطة يومي السبت والأحد العصي والغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق المتظاهرين، مما أدى إلى إصابة كثير منهم.

وقال رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ، في خطاب نادر للشعب الهندي استغرق دقيقتين يوم الاثنين: «كأب لـ3 فتيات، أشعر بأسى بالغ مثلكم جميعا. الغضب بشأن هذه الجريمة أمر مبرر، لكن العنف لن يحقق شيئا».

تمتلك نيودلهي أعلى معدل في عمليات الاغتصاب في السنوات الأخيرة، مقارنة بالمدن الأخرى مثل مومباي وبنغالور، حيث تم الإبلاغ هذا العام عن 600 قضية في العاصمة حتى الآن، متجاوزة رقم العام الماضي الذي بلغ 568 حالة اغتصاب. في الماضي، كانت رئيس شرطة المدينة والضباط يوصون السيدات بالالتزام بالحشمة وعدم الخروج بمفردهن بعد الغروب. وفي المناطق الريفية خارج نيودلهي كان كبار قادة القرى يلقون اللوم على الملابس الغربية للنساء واستخدام الهواتف الجوالة في ارتفاع معدلات الاغتصاب.وتقول راجانجا كوماري، مديرة مركز الأبحاث الاجتماعية، وهو مركز يعنى بالدفاع عن حقوق النساء: «كان غضبا متراكما لشباب عانوا مثل هذه المواقف بشكل يومي، لكن لم تُتَح لهم الفرصة للتعبير عنه. إنه أشبه باللحظة التي ترتفع فيها المياه فوق أنفك، وتدرك أنك قد بدأت في الغرق».

وأشارت كوماري إلى أن نقطة التحول جاءت بعد يوم من واقعة الاغتصاب الجماعي عندما تجمعت طالبات جامعيات وبعض الحقوقيات النساء خارج قسم الشرطة للمطالبة بالتحرك. لكن الشرطة طردتهم.

وتذكر كومار التي شاركت في المظاهرة: «كانت جميع المشاركات يحملن هواتف جوالة ورأيت الطالبات يرسلن رسائل نصية وتغريدات في الحال. وردت إحدى الطالبات: إذا كان الأمر يتطلب حشد أعداد كبيرة للاستماع إلينا، فسوف تكون هناك أعداد ضخمة للغاية».

وقال تيجيندرا خانا، حاكم نيودلهي، للصحافيين يوم الاثنين إن قسم الشرطة سيعقد اجتماعات شهرية مع المنظمات النسائية من الآن فصاعدا. أضاف خانا: «سيتم تدريب الشرطة على عدم الحديث بلغة فظة مع النساء اللاتي يتقدمن بشكاوى، وسيتم إيصال رسالة بأنه لن يكون هناك تهاون في سوء السلوك مع النساء».

لكن المتظاهرات قالوا إنه تم اتخاذ إجراءات مماثلة من قبل، لكن دون نجاح يذكر. وتقول بارول تشاذا، 21 عاما، طالبة جامعية رفعت لافتة: «لقد حاولت استخدام رقم المساعدة عدة مرات، لكن أحدا لم يجب»، وتساءلت: «ما الذي تفعله نيودلهي؟ لقد سمعنا عن تدريب لقوات الشرطة بشأن كيفية التعامل مع النساء قبل وقت سابق، لكن عقلياتهم لم تتغير».

وتشير تشاذا إلى أن الاغتصاب الجماعي أثار غضبها، لأن المرأة الضحية قد تكون أي امرأة تعرفها. وأضافت تشاذا: «كانت طالبة عادية، خرجت مع صديقها إلى السينما، وكانت عائدة إلى منزلها في التاسعة والنصف، لم تكن متأخرة للغاية. إن ذلك شبيه للغاية بحياتي، وكان من الممكن أن يحدث هذا لي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»