سامراء تنضم إلى الأنبار في «العصيان المدني».. والوزير العيساوي يتهم الحكومة بـ«خلق الأزمات»

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يحذر حكومة المالكي من «إقصاء أهل السنة»

أهالي سامراء يتظاهرون أمس مطالبين بإسقاط حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي (أ.ف.ب)
TT

تظاهر آلاف العراقيين في مدينتي الرمادي وسامراء أمس مطالبين الحكومة المركزية بوقف ما اعتبروه «استهدافا للسنة» في البلاد. وتجمع آلاف المتظاهرين وبينهم شيوخ عشائر وأعضاء في مجلس محافظة الأنبار ومواطنون على الطريق الرئيسي في الرمادي (100 كلم غرب بغداد) الذي يربط العراق بسوريا والأردن حيث يواصلون قطعه منذ أيام بالاتجاهين.

وشارك في المظاهرة وزير المالية رافع العيساوي الذي كانت قضية اعتقال بعض أفراد حمايته مؤخرا شرارة انطلاق الاحتجاجات التي بدأت مطالبة بإطلاق سراحهم واتسعت إلى المطالبة بوقف «استهداف السنة» والإفراج عن معتقلات نساء. ورفع المتظاهرون لافتات كتب على إحداها «ثورة ضد الظلم والاستبداد»، وعلى أخرى «جماهير الأنبار تستنكر استهداف الرموز السياسية والدينية السنية».

وشاركت وفود أتت من إقليم كردستان ورفعت لافتات مناهضة للحكومة كتب على إحداها «أهالي كردستان يتضامنون مع أهالي الأنبار». وطالبت النائب ناهدة الدايني في كلمة أمام المتظاهرين السكان السنة الذين يقطنون في بغداد بالانضمام إلى «ثورة الأنبار».

وفي سامراء (110 كلم شمال بغداد) تجمع المئات، وبينهم أعضاء برلمان ومسؤولون محليون، أمام مسجد الرزاق في وسط المدينة، وقد رفع بعضهم أعلام النظام السابق. وردد المتظاهرون هتافات مناهضة لرئيس الحكومة نوري المالكي، بينها: «يا مالكي يا جبان يا عميل إيران»، قبل أن يتلو النائب شعلان الكريم بيانا طالب فيه بإطلاق «سراح المعتقلين والمعتقلات، وتعديل قانون المساءلة والعدالة». كما دعا إلى «إيقاف الاستملاك حول ضريح الإمامين» العسكريين في سامراء التي تسكنها غالبية سنية، والعودة إلى طاولة الحوار «من أجل الوصول إلى أسرع الحلول للقضاء على الفتنة». وقال إمام وخطيب جامع سامراء محمد السامرائي: «هذا استهداف سني صرف (...) الحكومة المركزية تستهدف السنة فقط».

وكان المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006 دعا السبت إلى مواجهة فتنة طائفية جديدة، «يراد للعراق أن يعود إليها». ويشهد العراق منذ الانسحاب الأميركي قبل عام أزمة سياسية متواصلة، حيث يواجه المالكي اتهامات من قبل خصومه السياسيين بالتفرد والتسلط. وعاش العراق بين 2006 و2008 نزاعا طائفيا داميا بين السنة والشيعة قتل فيه عشرات الآلاف.

إلى ذلك، نفى نائب رئيس مجلس محافظة الأنبار سعدون عبيد الشعلان أية صبغة طائفية للمظاهرات في مدن المحافظة، مؤكدا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «كل محاولات إثارة الفتنة الطائفية سوف تفشل لأن المطالب التي تقدم بها الناس وطنية وتهم كل العراقيين». واعتبر الشعلان أن «الغضب الذي يعبر عنه أهالي الأنبار الآن ليس جديدا وإنما هو عملية تراكمية نتجت عن سلسلة الأخطاء التي قامت بها الجهات التنفيذية التي لم تنصف أهالي محافظة الأنبار». وكشف الشعلان عن أن «وفودا من محافظات جنوبية وفي المقدمة منها ذي قار وميسان جاءت للتضامن مع أهالي الأنبار مما ألغى تماما صبغة الطائفية التي حاولت بعض الجهات إما إثارتها وإما الاستفادة من عملية إثارتها لكي تخرج المظاهرات والاعتصامات عن طابعها السلمي والوطني العام الذي يطالب به كل عراقي في كل مكان من العراق».

بدوره، عبر «أمير» قبائل الدليم الشيخ ماجد العلي السليمان عن قلقه مما يجري. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأوضاع في العراق اليوم مقلقة كلها، وإن هناك من يحاول أن يثير الفتن والمشكلات سواء بين أهالي الطائفة الواحدة أو المذهب الواحد أو بين العراقيين جميعا، وهو ما يجعلنا ننظر بقلق إلى ما يجري». وأضاف السليمان أن «الأمور لا تحل بهذه الطريقة وهذا الأسلوب، لا سيما أن هناك من يريد أن يحقق مكاسب وأهدافا انتخابية من خلال تحشيد الشارع باستخدام شعارات صحيحة في ظاهرها ومطالب هي الأخرى سليمة ولكنها مثل كلمة الحق التي يراد بها باطل». وأوضح السليمان: «ليس كل أهالي الأنبار ومدنها وقبائلها راضين عما يجري لأن محاولات زج القبائل في الخلافات بين السياسيين بصرف النظر عن النيات من شأنه أن يؤثر سلبا على النسيج الاجتماعي المتماسك للقبائل في العراق التي لم تعرف الفتنة السياسية في تاريخها».

وكان عشرات الآلاف من أهالي مدن الأنبار ومحافظات ديالى والموصل وميسان وبابل وذي قار توافدوا أمس إلى مركز مدينة الرمادي، واتجهوا إلى الطريق الدولي، ونصبوا هناك سرادق وخياما، قاطعين حركة السير منذ ساعات الصباح الأولى، مطالبين بتصحيح مسار الحكومة وإطلاق سراح المعتقلين ومنهم حراس وزير المالية رافع العيساوي. وكان العيساوي قد انتقد خلال كلمة ألقاها أمام المعتصمين القضاء العراقي، ووصفه بأنه مخترق ومسيّس من قبل جهة معينة. وأضاف العيساوي أن «هذا الحشد لا يمثل طائفة معينة، بل يمثل كل مكونات الشعب العراقي»، رافضا تسميته بـ«تجمع أهل السنة». وأضاف محذرا: «هناك مندسون يريدون أن يخربوا جمعكم، لأن هذا الجمع يزلزل كل خارج عن القانون». وقال: «أنتم الذين نزلتم إلى الشارع وأنتم الذين ستتفاوضون على مطالبكم المشروعة». واتهم الحكومة بأنها «تخلق الأزمات»، مشيرا إلى الأزمة مع الأكراد، وقال: «البلاد لا تدار بهذه العقلية». واعتبر العيساوي أن «أفراد حمايته مخطوفون من قبل ميليشيات وليسوا معتقلين».

وعلى صعيد الجهود المبذولة لحل الأزمة فقد شدد رئيس التحالف الوطني إبراهيم الجعفري على ضرورة الحفاظ على وحدة النسيج المجتمعي العراقي ونبذ الدعوات والشعارات الطائفية التي تحاول تفريق أبناء الشعب الواحد. وقال بيان لمكتب الجعفري لدى استقباله وفدا من أهالي الأنبار برئاسة الشيخ أحمد أبو ريشة أنه أكد «على ضرورة أن يبقى القضاء عادلا ومستقلا لينعم أبناء شعبنا بالأمن والطمأنينة»، داعيا إلى «تكثيف اللقاءات والمشاورات بين الكتل السياسية كافة لحلحلة المشكلات التي تعترض سير العملية السياسية».

من جهته أعلن الحزب الإسلامي العراقي استمرار مساندته لأهالي الأنبار في المظاهرات والاعتصامات والاستنكارات في مختلف مدن المحافظة. وقال بيان للحزب أمس: «إن العدوان قد طال وإن الظلم وصل إلى الحد الذي أصبحنا لا نستطيع أن نسكت أو ننتظر إلى ما لانهاية».

إلى ذلك، حذر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الحكومة العراقية من إقصاء أهل السنة في البلاد. وذكر الاتحاد، في بيان أوردته وكالة الأنباء الألمانية، أمس، أن «سياسة الإقصاء المتعمد لأهل السنة من المناصب العليا وإلصاق التهم بهم، وخصوصا في هذا الظرف الراهن، يهدد بالتمزق وإثارة الفتن الطائفية داخل العراق». ودعا الاتحاد الحكومة العراقية إلى أن تعمل لصالح جميع العراقيين على أسس العدل والمساواة في الحقوق دون إقصاء لطرف على حساب آخر.