تهافت على امتحانات للفوز بفرص عمل محدودة في إيطاليا

انتقاد السلطات لعودتها إلى أساليب قديمة للحد من البطالة المرتفعة في قطاع التعليم

متقدمون لوظائف في التدريس ينتظرون لإجراء امتحان قررت السلطات تنظيمه العام الحالي بعدما كانت تخلت عنه قبل 13 عاما
TT

شبهت لويزا ريبولتسي، خبيرة التعليم في إيطاليا، العمل في المدارس الحكومية عند تدهور الاقتصاد «بسفينة النجاة لكل من يسبح في البحر». والآن، تخيل أنك شاهدت السفينة بعد ثلاثة عشر عاما من الغياب.

كان هذا هو الحال عندما أعلنت إيطاليا إجراء امتحانات لشغل وظائف التدريس الشاغرة في مدارسها الحكومية الأسبوع الماضي للمرة الأولى منذ عام 1999، الذي تسبب في حالة أشبه ما تكون بالجنون على مستوى إيطاليا بين المعلمين العاطلين والعمالة المؤقتة الذين أصابهم اليأس، حيث تقدم أكثر 321.000 شخص للاختبارات لشغل 11.500 وظيفة فقط.

تنبئ هذه النسبة بالكثير عن آفاق العمل المتراجعة في إيطاليا، حيث تزيد نسبة البطالة على 11% بشكل عام وما يقرب من 14% بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 24 و35 عاما.

يوضح بعض المنتقدين أن الامتحان يفترض أن يعقد كل ثلاث سنوات، لكن وزارة التعليم عمدت إلى تأجيله أكثر من مرة لتوفير المال، مستعيضة عن ذلك بالتعيينات المؤقتة، الأمر الذي أثار حفيظة المعلمين الطامحين والنقابات. ويقول مسؤولو الوزارة إن امتحان العام الحالي يهدف إلى تصحيح الأخطاء السابقة وضم جيل جديد من المدرسين لقوة عمل يبلغ متوسط أعماره الآن 50 عاما، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم، بعد تجميد تعيينات الشباب لفترة طويلة، لكنها كانت مؤشرا على مدى انتشار المصاعب الاقتصادية التي تشهدها إيطاليا حتى إن العمر المتوسط للمرشحين الذين تقدموا للاختبار هذا العام أكثر من 38 عاما.

ويرى منتقدو النظام الحالي، الذي يفصل بين المعلمين الدائمين والمؤقتين الذين يعملون بأجور منخفضة بعقود لعام أو أقل، أنه أصبح عاجزا عن العمل. وقال ماركو باولو نيغي، الأمين العام لنقابة المعلمين الوطنية (سنالز كونفشال): «إنها تقضي بالأساس على آمال الشباب، الذين ظلوا يعملون عاما تلو الآخر. إنه لأمر مخز، ولذا سنحاول أن نغير هذا النظام».

ورغم فتح امتحان التدريس الأسبوع الماضي الطريق للأشخاص المؤهلين الباحثين عن عمل كي يصبحوا معلمين، فإنه تحول في الوقت ذاته إلى فرصة لإجراء فحص دقيق لنظام التعليم والتعاقد، الذي يقول الكثيرون، من أمثال نيغي، إنه بحاجة إلى تجديده.

يجرى الامتحان للمرة الأولى على الحاسبات، بهدف قياس المنطق وفهم القراءة والرياضيات والقدرات اللغوية. وكان من بين الأسئلة: «ما شاشة اللمس؟» وأسئلة في قواعد اللغة الإنجليزية. ويشير بعض المنتقدين إلى أن الامتحان أداة توظيف رديئة لأنها لا تستطيع قياس سمات للتعليم، وأن حب الأطفال هو الأساس في المعلم الجيد.

وتقول رومانيا دي سيزاريو، مدرسة التاريخ والفلسفة في بيسكارا، على ساحل البحر الإدرياتيكي، التي تعمل بعقود مؤقتة منذ 10 سنوات: «هناك وسائل أفضل لتحديد الجدارة. فهذا الاختبار الضخم مهين لنا، نحن الذين نمتلك خبرة تعليمية. فقد تستطيع اجتياز الاختبار، لكن قد لا تملك الكفاءة المطلوبة لتعليم الطلاب».

ويرى أندرياس شليتشر، مستشار رئيس «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» (تضم 34 دولة) لشؤون التعليم، أنه رغم أن نسبة المدرسين إلى الطلاب في إيطاليا تعد الأعلى في أوروبا، فإن ذلك لا ينم بالضرورة عن ارتفاع جودة التعليم. وقال: «حققت إيطاليا مستوى أدنى من معيار المنظمة على صعيد أداء الطالب. فهناك أعداد كبيرة من المعلمين، لكنهم لا يتلقون رواتب ملائمة ويتلقون مستويات متدنية من التدريب. أما الأنظمة الأخرى فتولي أهمية لجودة المعلمين على حجم الفصول».

وجدير بالذكر أن أكثر من 260.000 مرشح تقدموا للامتحان يوم الاثنين والثلاثاء، محاولين الإجابة عن 50 سؤالا في 50 دقيقة. وتكفي 35 إجابة صحيحة لاجتيازه والانتقال إلى المرحلة التالية في عملية التوظيف الطويلة، التي سينالها 34% فقط ممن اجتازوا الاختبار.

ومن بين الذين تقدموا للامتحان فالانتينا، (34 عاما)، التي أفصحت عن اسمها الأول فقط بسبب الخوف من الاعتداء على خصوصيتها، وأشارت إلى أنها كانت تعمل في مكتب للمحاماة في روما على مدى السنوات الثماني الماضية، لكنها لم تنجح في الحصول على وظيفة بدوام كامل في مكتب للمحاماة، لذا استعانت بشهادة الثانوية العامة التي تمكنها من التدريس في المرحلة الابتدائية للتقدم للاختبار وربما تغير مهنتها بالكامل. وقالت متشككة وهي تنظر إلى بوابة المدرسة الثانوية في الحي الذي تسكنه الطبقة المتوسطة في روما: «ربما أنجح في ذلك».

بعد اختبار الأسبوع الماضي، ستكون المرحلة التالية عبارة عن اختبارات تحريرية وشفهية بداية من العام المقبل، وإذا ما اجتازت هذه الاختبارات فسوف تلتحق فالانتينا بواحدة من بين 118 روضة أطفال التي يتوافر فيها أماكن شاغرة في روما وحولها، والتي تدفع 1.200 يورو (نحو 1.580 دولارا) شهريا. وقالت عن التوقعات بشأن التعيينات ككل: «إنه لأمر محزن».

تعد المسابقات أمرا نادرا إلى حد بعيد في إيطاليا نتيجة تقلص الخدمة العامة وتخفيضات الميزانية، ولذا فقد جذب اختبار الأسبوع الماضي قدرا كبيرا من الاهتمام الإعلامي. وتقول ريبولتسي، نائب رئيس الهيئة الوطنية لتقييم الجامعات والمؤسسات البحثية: «نتيجة لغياب الانتظام في عملية تعيين المعلمين، تأخذ عملية التعيين، التي تجري في الدول الأخرى بصورة طبيعية، شكلا طقوسيا».

وقد أدت الأوضاع المعقدة في المدارس إلى تكرار خفض الميزانية وفشل الكثير من المحاولات لتطوير معايير التدريس. ويشير آرنولد آغوستيني، رئيس تحرير مجلة «لافورو فاتشيلي»، التي تنشر قوائم بفرص العمل المتاحة، إلى أن سوق العمل الإيطالية رديئة للغاية ونادرا ما تفتح أبوابها للمنافسة، إلى حد وجود «سيل من الطلبات في كل منافسة يتم الإعلان عنها بغض النظر عما إذا كانت في القطاعين العام أو الخاص».

وقد اعترض الكثير من منتقدي وزارة التعليم على عقدها الامتحان للمتقدمين الجدد رغم وجود مدرسين مؤهلين يقبعون بالفعل على قوائم المرشحين المؤهلين. وقال ماسيمو غارغيولو، المتحدث باسم لجنة مدارس روما، إحدى المنظمات التي تمثل المعلمين أصحاب العقود المؤقتة: «النظام التعليمي في إيطاليا لا يملك خطة شاملة».

وقال غارغيولو إن هناك بالفعل 200.000 معلم مؤهل بالكامل ينتظرون تعيينهم، حتى قبل امتحان الأسبوع الماضي. (لم تتمكن وزارة التعليم من تقديم إحصاءات رسمية). وأضاف: غارغيولو: «في الوقت الراهن، لدي 50 معلما مؤهلا لتدريس اللغة اليونانية في روما، لكن الاختبار سيضع عشرات الآلاف من المتسابقين الآخرين في المنافسة. إنها ليست منافسة، إنها يانصيب».

* خدمة «نيويورك تايمز»