باريس ترفض أن يكون الأسد جزءا من الحل السياسي في سوريا

تقارير فرنسية: أمام الإبراهيمي مهلة شهرين وإلا فالحسم عسكري

TT

غابت ردود الفعل الدولية، خاصة الغربية، عن التحركات الدبلوماسية التي تتمحور حول المبعوث العربي - الدولي الأخضر الإبراهيمي الموجود في دمشق منذ ثلاثة أيام. وفي حين نفى الإبراهيمي وكذلك موسكو وجود «خطة روسية - أميركية» للحل في سوريا، بقيت الإدارة الأميركية ومعها العواصم الغربية صامتة إزاء التسريبات الإعلامية التي تؤكد العكس، وتجزم بأن الدبلوماسي الجزائري نقل للرئيس السوري مضمون الخطة ومن عناصرها بقاء الأسد في منصبه ولكن من غير صلاحيات حتى انتهاء ولايته عام 2014 وحرمانه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

وأمس، أدلت باريس بدلوها في الجدل القائم، مؤكدة، من جهة، أنها «تدعم جهود الإبراهيمي من أجل حل سياسي»، وأنها «على تواصل منتظم معه»، غير أنها في المقابل تعتبر أن لا مكان للرئيس السوري في عملية الانتقال السياسي.

وقال فانسان فلورياني، الناطق المساعد باسم الخارجية الفرنسية، في إطار مؤتمر صحافي إلكتروني أمس، إن بلاده تتمنى «أن يستغل الإبراهيمي مناسبة وجوده في دمشق لتمرير الرسائل المناسبة لبشار الأسد»، وأولى هذه الرسائل أن الرئيس السوري «لا يمكن أن يكون جزءا من الحل السياسي». الأمر الذي أكدته باريس على لسان أعلى مسؤوليها أكثر من مرة، وذلك «بسبب استمراره في اللجوء إلى العنف الذي يزداد وحشية ضد شعبه ولتحمله المسؤولية عن موت 45 ألف ضحية» في هذا النزاع.

ويتواءم الموقف الفرنسي مع موقف الائتلاف السوري لقوى المعارضة والثورة الذي رفض بقاء الأسد وطالب بتنحيه والمجموعة العاملة معه عن السلطة شرطا لقبول «خطة» الإبراهيمي. وبذلك تؤكد باريس على موقف ثابت ربط (منذ صدور بيان جنيف أواخر شهر يونيو/ حزيران الماضي) انطلاق العملية السياسية برحيل الأسد المسبق. وبذلك يعود الخلاف على تفسير بيان جنيف إلى النقطة التي انتهى عندها قبل ستة أشهر، حيث يرى الغرب أن البيان يدعو لرحيل الأسد، بينما يتمسك الجانب الروسي بأن البيان لم يشر لهذا الرحيل وأن هذا الموضوع يعود الحسم فيه للسوريين أنفسهم.

وترى باريس أن التطورات التي حصلت في سوريا منذ شهر يونيو وحتى اليوم جعلت بيان جنيف بحاجة إلى إعادة نظر. وتشير المصادر الفرنسية إلى أن عدد القتلى نهاية الشهر المذكور كان في حدود 10 آلاف قتيل، بينما ارتفع اليوم إلى 45 ألف قتيل فضلا عن الدمار الكبير وتشريد مئات الآلاف من السوريين.

غير أن المصادر الفرنسية تلحظ «أشياء إيجابية» في المرحلة الأخيرة، تتمثل في بداية مراجعة موسكو مواقفها من النظام السوري. وبحسب باريس، يبدو أن الطرف الروسي وصل «اليوم» إلى قناعة مفادها أن عليه أن يبدأ العملية التفاوضية مع الولايات المتحدة الأميركية التي اجتازت محطة الانتخابات الرئاسية فيما الرئيس أوباما يتأهب للبدء في ولايته الثانية. ورغم اعتبار المصادر الفرنسية أن موسكو «قد لا تكون تملك المفتاح السحري لتغيير المواقف في سوريا ولتفرض على الرئيس السوري حلا لا يرتضيه»، فإنها تعتبر أن «أوراق الضغط» التي بحوزتها تجعله «يفكر مرتين» قبل أن يدير ظهره لسنده الدولي الأول ويرفض «النصيحة» التي قد تسديها إليه.

ولا تعير باريس أهمية كبيرة لما يصدر عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمسؤولين الآخرين لجهة رفض التدخل ورفض الطلب من الأسد التنحي أو القبول باقتراحات الإبراهيمي أو غيره، لأن القيام بعكس ذلك «يمكن أن يفضي إلى نتائج عكسية».

وتفيد تقارير فرنسية أن الأوضاع «يجب أن تتضح في الشهرين المقبلين، وفي نهاية شهر فبراير (شباط) المقبل بحد أقصى، لمعرفة ما إذا كانت هناك إمكانية لتحقيق حل الانتقال السياسي أم إن الأمور سائرة إلى الحسم العسكري وإلى معركة كسر عظم في دمشق»؛ فمع نهاية فبراير المقبل سيكون انقضى التمديد الأوروبي الجديد لحظر إرسال السلاح إلى سوريا؛ وتحديدا إلى المعارضة المسلحة، مما سيشكل ورقة ضاغطة إضافية على النظام. كذلك ستكون قد انقضت «مهلة الانتظار» المطلوبة من الائتلاف السوري الجديد لتشكيل حكومة انتقالية تحظى بالاعتراف الفعلي والدولي، مما سيؤكد شرعيتها ويمكنها من التوجه إلى المطالبة بمقعد سوريا في المحافل الإقليمية والدولية وأهمها الأمم المتحدة.

وبحسب الخبراء القانونيين الفرنسيين، فإن أي مطلب صادر عن سلطات شرعية يعتبر شرعيا. وبموجب هذه القاعدة ستكون الحكومة الانتقالية السورية مؤهلة لاحتلال مقعد سوريا لدى الأمم المتحدة ولإبرام اتفاقات والمطالبة بالحماية العسكرية أو التزود بالسلاح وخلاف ذلك. ولذا يبدو أن مهمة الإبراهيمي هي ربما «المحك» الدبلوماسي الأخير قبل التغليب النهائي للخيار العسكري الذي سيتوجه إلى الطرفين (السلطة والمعارضة المسلحة في سوريا) بعد أن تكون الجهود السياسية قد أجهضت.