وزير مصري يستقيل اعتراضا على استمرار حكومة قنديل

مرسي واصل مشاوراته لإجراء تعديل وزاري.. ونائبه المستقيل يواصل ترؤسه جولات «الحوار الوطني»

محمد محسوب
TT

في خطوة مفاجئة تضيف مزيدا من الظلال القاتمة على المشهد السياسي في مصر، الغامض أصلا في أعقاب إقرار دستور جديد مثير للجدل لا يحظى بقبول قطاع عريض من القوى المدنية، تقدم الدكتور محمد محسوب، وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية، القيادي في حزب الوسط، باستقالته من منصبه احتجاجا على استمرار حكومة الدكتور هشام قنديل، وذلك بعد ساعات من إعلان الرئيس محمد مرسي عزمه إجراء تعديل وزاري محدود.

وقال محسوب، الذي لعب دورا بارزا في الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، في نص استقالته أمس، إنه توصل «لنتيجة قاطعة، مؤداها أن كثيرا من السياسات والاجتهادات (في إشارة إلى حكومة قنديل) تتناقض مع قناعاتي الشخصية، بل ولا أراها معبرة عن طموحات شعبنا».

وتقدم محسوب باستقالته أمس، بينما كان الرئيس مرسي يجري مشاوراته مع رئيس حكومته الذي يواجه انتقادات واسعة حتى من حزب الرئيس مرسي نفسه (الحرية والعدالة). وأضاف محسوب، مبررا استقالته: «لما كان الشعب المصري قد أعلن موافقته على دستوره بعد فترة من التفاعل الاجتماعي والسياسي كلفته دماء ودموعا؛ وهو ما يقتضي أن يكون إقرار الشعب لدستوره إعلانا بالبدء في مرحلة جديدة تختلف فيها السياسات والآليات عما سبق؛ بحيث يشعر المواطنون بأن تغييرا جذريا وإيجابيا قد لحق ببنية النظام السياسي وطريقة الأداء الحكومي».

وأشار محسوب إلى الملف الذي سماه «استرداد الأموال المنهوبة» والذي تقدم بتصور وصفه بالـ«كامل» له منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر، ولكنه ظل ساكنا وبيد ذات اللجنة القضائية المشكلة بقرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة التي أدارت شؤون البلاد حتى منتصف العام الحالي.

وقال محسوب إن تلك اللجنة «لم تؤد لأي إنجاز حقيقي منذ إسناد هذا الملف لها، وهو ما يضيع حقوق الدولة المصرية، ويمس هيبتها أمام الدول التي تلقت أموال الفساد الهاربة منها، فضلا عن مصداقيتها التي تتراجع أمام مواطنيها».

ومن جانبه، قال عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، إن استقالة محسوب جاءت بسبب رفض الحزب تكليف قنديل إجراء التعديلات الوزارية، مما يعني بقاءه رئيسا للحكومة في الفترة المقبلة. وأضاف سلطان في تصريحات صحافية أمس: «إن الفترة الراهنة لم تعد تحتمل عدم قيام رئيس الوزراء بمسؤولياته. كنت أتفهم ذلك في ظل النظام السابق، لأن الوزراء كانوا عبارة عن سكرتارية للرئيس، أما اليوم فلرئيس الوزراء صلاحيات واختصاصات واسعة، حيث إن اختصاصات رئيس الجمهورية تقتصر حسب الدستور الجديد على الأمن القومي والدفاع والسياسة الخارجية».

ويرى مراقبون أن استقالة محسوب ربما تعد مؤشرا لتوتر العلاقة بين حزب جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسة الرئاسة وحزب الوسط الحليف الرئيسي لجماعة الإخوان خلال المرحلة الماضية.

وكانت تكهنات قد انتشرت خلال الأسبوعين الماضيين بإقالة حكومة قنديل عقب الاستفتاء على الدستور، بينما تردد اسم أبو العلا ماضي، رئيس حزب الوسط، كمرشح لتولي رئاسة الوزراء خلفا لقنديل.

من جهته، نفى محمد سباق، القيادي في حزب الوسط، أن يكون حزبه قد تلقى أي عرض أو شارك في مشاورات بشأن تولي ماضي رئاسة الوزراء، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «كل ما أثير بشأن هذا الأمر محض تكهنات لا أساس لها».

في المقابل، أبدت قيادات في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، دهشتها من استقالة محسوب. وقال الدكتور عصام العريان، القيادي في الحزب عضو مجلس الشورى، إن «محسوب ربط استقالته بملف استرداد الأموال، وربما إذا زال السبب يتراجع عن موقفه». وأشار العريان إلى أن حزب الوسط لم يطرح مسألة إقالة الحكومة وتشكيل أخرى في أي مشاورات بين الحزبين، مضيفا لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن محسوب شارك في حكومة قنديل لا كممثل عن حزب الوسط، وأعتقد أن استقالته لم تصدر عن الحزب أيضا. نحن نرسي دعائم ديمقراطية وتقاليد دستورية، وعلينا جميعا أن ننتظر انتخاب مجلس النواب لتتولى الأغلبية تشكيل الحكومة الجديدة».

وتضاف استقالة محسوب إلى سلسلة من الاستقالات التي بدأت عقب إصدار الرئيس مرسي إعلانا دستوريا مثيرا للجدل الشهر الماضي، حيث استقال عدد كبير من مستشاري الرئيس، وأحد مساعديه، كما تقدم نائبه المستشار محمود مكي بالاستقالة قبل أيام.

وفي غضون ذلك، قال الدكتور ياسر علي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، في مؤتمر صحافي أمس، إن المشاورات بين الرئيس مرسي، والدكتور قنديل، رئيس الوزراء، لا تزال جارية حول التعديل الوزاري الذي أعلن عنه الرئيس في خطابه مساء أول من أمس، لافتا إلى أنه سوف يتم إعلان التعديل الوزاري فور انتهاء المشاورات.

إلى ذلك، اتفق المشاركون في جولة الحوار الوطني الذي ترعاه مؤسسة الرئاسة، على فتح باب تلقي كافة المقترحات الأخرى من جميع القوى السياسية المختلفة، بما فيها القوى الغائبة عن الحوار في ما يتعلق بالمقترحات الأولية حول قانون انتخابات مجلس النواب المقبل.

وواصل المستشار محمود مكي، نائب الرئيس المستقيل، ترؤسه للحوار، وكان قد دعا القوى المعارضة للمشاركة فيه، في أعقاب إصدار مرسي الإعلان الدستوري، وانتهت الجولة الأولى منه إلى التوافق على إلغاء الإعلان والمضي قدما في الاستفتاء على الدستور.

وترفض «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تعد أوسع تحالف لقوى المعارضة المدنية في البلاد، المشاركة في الحوار بعد أن تجاهلت مؤسسة الرئاسة مطالبها بشأن تأجيل الاستفتاء على الدستور الذي تم إقراره قبل يومين.

وذكر بيان صدر عن رئاسة الجمهورية أمس أنه سيتم بحث مقترحات القوى السياسية بشأن قانون الانتخابات البرلمانية حتى يمكن عرض ما ينتهي إليه الحوار كمقترح على مجلس الشورى قبل مناقشة مشروع القانون المزمع تقديمه من الحكومة، لافتا إلى أن المشاركين في الحوار جددوا دعوتهم لباقي القوى السياسية غير المشاركة للانضمام إلى الحوار وإرسال مقترحاتها حول بنود أجندته المختلفة.