جدل في مصر حول فتاوى سلفية بتحريم تهنئة المسيحيين في أعياد الميلاد

أزهريون: التهنئة من السنة فعلا وعملا * سياسيون: مؤسفة وتضر بالمجتمع

TT

أثارت فتاوى سلفية تحرم تهنئة المسيحيين في أعياد الميلاد جدلا دينيا وسياسيا ودوليا في مصر، وخاصة أنها تعد امتدادا للفتاوى المتعلقة بالشأن السياسي والتي أطلقها عدد من مشايخ السلفية مؤخرا تتعلق بالأوضاع الحالية في البلاد، وأثارت مخاوف القوى المدنية والمسيحيين.

وبينما أفتت هيئة سلفية ذات ثقل بعدم جواز تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد، مؤكدة أن «مشاركة وتهنئة النصارى وأهل الملل في المناسبات الدينية التي هي من أخص ما تتمايز به الشرائع غير محللة، باتفاق الأصل بأن لكل قوم عيدا»، أفتى رئيس حزب سلفي، بعدم جواز إرسال تهنئة للمسيحيين في أعيادهم.

ورفض علماء الأزهر الشريف فتاوى عدم جواز تهنئة المسيحيين قائلين إنه «لا يجوز التحريم إلا بنص، والتهنئة من السنة فعلا وعملا».

وردا على سؤال ورد إليها حول حكم تهنئة المسيحيين بأعياد الميلاد، قالت «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» (السلفية): إن «الأصل في الأعياد الدينية أنها من خصوصيات كل ملة ونحلة، فكل أهل ديانة شرعت لهم أعياد وأيام لم تشرع لغيرهم، فلا تحل المشاركة، ولا التهنئة في هذه المناسبات الدينية، التي هي من أخص ما تتمايز به الشرائع باتفاق».

و«الهيئة الشرعية» هي هيئة عرفت نفسها بعد الثورة المصرية، بالهيئة العلمية الإسلامية الوسطية المستقلة، وتضم رموزا من الدعاة والسياسيين من التيارات السلفية، وجماعة الإخوان المسلمين، والجماعة الإسلامية أبرزهم، الداعية السلفي محمد حسان، وخيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، المرشح الرئاسي المستبعد، والدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية.

وأشارت «الهيئة الشرعية» في فتواها إلى أنه «فيما يتعلق بالمناسبات الدنيوية، فلا حرج في برهم والإقساط إليهم وتهنئتهم، في مناسبات زواج أو ولادة مولود أو قدوم غائب، وشفاء مريض وعيادته، وتعزية في مصاب، ونحو ذلك، لا سيما إذا كان في هذا تأليف للقلوب على الإسلام، وإظهار لمحاسنه».

وفي السياق ذاته، أفتى رئيس حزب الأصالة (السلفي) عادل عبد المقصود، بعدم جواز تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وقال إن «الحزب لن يبعث بأي تهنئة للمسيحيين، ولن يشاركهم في أعياد الكريسماس أو أعياد الميلاد».

وردا على هذه الفتاوى، قال الشيخ علي عبد الباقي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، إن «هذه الفتاوى بها جانب من التشدد الذي لم يرد في الإسلام، فلو نظرنا إلى الرسالة كيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُعيد على أهل الكتاب، على الرغم من أنهم كانوا يضعون الأذى له في الطريق».

وأضاف الشيخ عبد الباقي: التهنئة من السنة فعلا وعملا، والقرآن نفسه يلفت النظر إلى المعاملات بين الإنسان والإنسان، ويقول تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين» والمسيحيون لا يقاتلوننا في الدين؛ بل على العكس، يقاتلون معنا أعداء الله وأعداء الوطن، ويبنون معنا البلاد، لأنها تخص الجميع، لافتا إلى أن الإسلام يحث على المحبة وعلى التسامح، والرسالات السماوية لم تنه عن المعاملة بين أبناء الملة والأخرى.

وأضاف الدكتور محمد مهنا، عضو المكتب الفني لشيخ الأزهر، مخاطبا أصحاب الفتاوى، «فليأتوا بنص من الإسلام أو الديانات الأخرى يحرم التهنئة، فنحن أحوج إلى كلمة طيبة للإصلاح بين اثنين وليس بين الملايين، يقول الله تعالى: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم)».

وقال الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر السابق، إنه «لا يجوز التحريم إلا بنص لقوله تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام)، والمسيحيون يعيشون جنبا إلى جنب مع المسلمين، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فأقول (من أراد أن يهنئ لا شيء عليه، ومن لم يهنئ لا شيء عليه)».

ووصف الدكتور مصطفى النجار، عضو البرلمان المصري المنحل، الفتاوى بـ«المؤسفة التي تخالف منهج الأزهر الوسطي». وطالب النجار بتقنين تشكيل الهيئات المتحدثة باسم الدين عبر معايير حتى لا نرى هذه الممارسات التي تضر بالمجتمع وتلاحمه الوطني.

وأدان الاتحاد العام للمصريين بأوروبا فتوى الهيئة الشرعية، وقال الدكتور فاروق إبراهيم، رئيس الاتحاد العام، إن ما تدعو إليه الهيئة الشرعية بتحريم التهنئة بقول «إن لكل قوم عيدا».. صحيح؛ ولكن في الصحيحين حينما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة للمدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسأل لماذا يصومون يوم عاشوراء؟ فقالوا هذا اليوم نجّى الله فيه موسى، فقال الرسول: «نحن أولى بموسى منهم»، فصامه، ودعا الناس لصيامه، وهذه مناسبة دينية عند اليهود.

وأشار الاتحاد إلى أن كل الأعياد سواء الإسلامية أو المسيحية، بها بعدان، ديني واجتماعي، أما تلك الآراء التي تدعو لعدم التهنئة فهي آراء تمثل أصحابها.

وكانت الكنائس الثلاث في مصر قد انسحبت من أعمال الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور وأعلنت تحفظها على عدة مواد من بينها مادة تفسر معنى مبادئ الشريعة الإسلامية التي نص الدستور على أنها المصدر الرئيسي للتشريع في البلاد.