السودان وجنوب السودان يتبادلان الاتهام بشن هجمات على حدود بلديهما

الرئيس السوداني البشير يرقص في أول تجمع جماهيري يحضره بعد الجراحة

الرئيس السوداني عمر حسن البشير يحتفل بافتتاح أحد المطارات في جنوب كردوفان أمس (أ.ف.ب)
TT

تبادل السودان وجنوب السودان، أمس، الاتهام بدخول مناطق تتنازعها الدولتان على الحدود بينهما في انتكاسة جديدة للخطط الرامية لضمان أمن الحدود واستئناف تصدير النفط من الجنوب.

وجاءت الاتهامات غداة تصريح الرئيس السوداني عمر حسن البشير باستعداده للاجتماع مع نظيره في جنوب السودان سلفا كير سعيا للدفع قدما بالمحادثات المتعثرة بشأن إقامة منطقة حدودية خالية من القوات العسكرية، حسبما ذكرت وكالة «رويترز» أمس.

وكان البلدان اتفقا في سبتمبر (أيلول) الماضي على وقف العمليات العسكرية واستئناف تصدير نفط جنوب السودان عن طريق خطوط الأنابيب السودانية المؤدية إلى البحر الأحمر بعد أن اقتربا من حافة الحرب في أبريل (نيسان) الماضي الذي شهد أعنف اشتباكات بينهما منذ انفصال جنوب السودان في يوليو (تموز) العام الماضي. لكن الجانبين لم يسحبا جيشيهما من المنطقة الحدودية وهي خطوة يقول كلاهما إنها ضرورية لاستئناف تصدير النفط الذي يعتمد عليه اقتصاد البلدين.

وقال العقيد الصوارمي خالد سعد، الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، لوكالة السودان للأنباء (سونا) إنه بعد أن قامت قوات تابعة لدولة جنوب السودان بزراعة مجموعة كبيرة من الألغام البشرية بمنطقة سماحة ببحر العرب في ولاية شرق دارفور تم تشكيل فريق هندسي للعمل على إزالة الألغام التي تضرر منها المواطنون، حيث أعاقت حركة وتنقلات القبائل الرعوية التي تقطن منطقة سماحة، مما حدا بالمواطنين في المنطقة إلى الدخول في معارك مع المجموعات المسلحة التابعة للجيش الشعبي لدولة جنوب السودان.

وأضاف أن القوات المسلحة من جانبها تؤكد التزامها بكل ما تم الاتفاق عليه في المفاوضات الأخيرة بأديس أبابا وأنها ستعمل جاهدة على إنفاذ ما يليها فيما يختص بالترتيبات الأمنية.

من جهته، قال فيليب أقوير، المتحدث باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان، وهو جيش جنوب السودان، إن طائرات حربية سودانية قصفت منطقة كير آدم التي تقع داخل شريط عرضه 14 ميلا (5.‏22 كيلومتر) يعرف باسم منطقة الميل 14 ويقول كل من البلدين إنه جزء من أرضه.

وأضاف: «قتل خمسة أشخاص خلال القصف أمس»، مضيفا أن «كل الضحايا مدنيون».

واتفق البلدان في سبتمبر الماضي على الاعتراف بالحدود الإدارية التي استخدمها الاستعمار البريطاني عند استقلال السودان عام 1956 وسحب جيشيهما إلى مسافة عشرة كيلومترات من ذلك الخط، لكنهما يختلفان على مسار الخط في بعض المناطق. وتمتد منطقة الميل 14 بمحاذاة الضفة الجنوبية لنهر كير المعروف في السودان ببحر العرب. وتقول بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، إن كير آدم تقع شمال خط الحدود الإدارية لعام 1956 وجنوب نهر كير.

وكان جنوب السودان يعتزم استئناف تصدير النفط بحلول نهاية العام بعد أن أوقف الإنتاج الذي يبلغ 350 ألف برميل في اليوم في يناير (كانون الثاني) في غمرة خلاف على رسوم التصدير مع السودان. وحث الاتحاد الأفريقي البشير وسلفا كير على الاجتماع لحل الخلافات.

إلى ذلك، ألقى الرئيس السوداني عمر البشير أمس خطابا حمل نبرة تحد وأخذ يرقص ويلوح بعصاه في أول تجمع جماهيري يحضره منذ خضوعه لعملية جراحية في السعودية وتصديه لما وصفه مسؤولون بأنه محاولة انقلاب.

وثارت تكهنات من دبلوماسيين ومدونين سودانيين بشأن الحالة الصحية للبشير (68 عاما) بعد أن قل ظهوره في المناسبات العامة خلال الأشهر الماضية. ولم يحضر البشير مؤتمرا اقتصاديا في الخرطوم يوم 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وهو من الأحداث التي اعتاد في الماضي استغلالها لمهاجمة حظر تجاري تفرضه الولايات المتحدة على بلاده.

وافتتح الرئيس السوداني أمس حقلا نفطيا جديدا في غرب السودان تأمل الحكومة في أن يحد من خسارة فقد الخرطوم احتياطيات نفطية ضخمة بعد انفصال جنوب السودان العام الماضي.

وقال البشير أمام آلاف المحتشدين في حقل حديدة النفطي بإقليم دارفور: «نقول لأعداء السودان الذين قالوا إن السودان بعد فقدان بترول الجنوب سيضيع.. نقول لهم الأرزاق ليست من أميركا ولا من عند إسرائيل ولا من أوروبا ولكن الأرزاق من عند الله».

وعلى مدار 23 عاما قضاها في السلطة واجه البشير عمليات تمرد مسلحة وارتفاعا في معدل التضخم وأعواما من العقوبات التجارية الأميركية ومذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية واحتجاجات طلابية، فضلا عن انفصال الجنوب العام الماضي.

وواجه الرئيس السوداني أيضا سخطا شعبيا من أزمة اقتصادية وانقسامات في صفوف زمرته الحاكمة. وألقت الحكومة القبض على صلاح قوش، الرئيس السابق لجهاز الأمن والمخابرات السوداني، و12 آخرين الشهر الماضي بتهمة محاولة تنظيم انقلاب.

وأجريت للبشير عملية جراحية في الأحبال الصوتية في قطر في أغسطس (آب) الماضي وتوجه إلى السعودية في نوفمبر الماضي، لإجراء ما وصفه مسؤولون بأنه جراحة بسيطة.

ولم يدم خطابه الذي بثه التلفزيون أمس أكثر من عشر دقائق غير أنه أدى رقصته الاحتفالية الشهيرة للمرة الأولى منذ عدة أشهر. ولم يشر الرئيس مباشرة إلى محاولة الانقلاب المزعومة.

وقال: «ابتعدوا عن الصراعات والمشكلات لأن الصراعات تزيد أعداءنا قوة واجلسوا مع بعضكم البعض لحل جميع مشكلاتكم».

على صعيد آخر، عقدت مساء أول من أمس جلسة مباحثات مشتركة بين السودان وإثيوبيا ببيت الضيافة، حيث رأس الجانب السوداني الرئيس البشير، بينما رأس الجانب الإثيوبي هايلي مريام ديسالجين، رئيس الوزراء، بحضور عدد من الوزراء من الجانبين.

وأكد الجانبان متانة العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين وبحثا سبل تنفيذ بنود الاتفاقيات الموقعة بين السودان ودولة الجنوب وإزالة العقبات التي تواجه عملية التنفيذ على أرض الواقع.

وأكد البشير في تصريحات صحافية عقب جلسة المباحثات استعداده للقاء الفريق سلفا كير ميارديت، رئيس دولة جنوب السودان، في أي مكان وزمان لتسريع تنفيذ اتفاق أديس أبابا بشأن اتفاقيات التعاون المشترك في وقت واحد في مجالاتها المختلفة.

وقال إن اللقاء تطرق لمعظم القضايا التي تهم البلدين على مستوى العلاقة بين السودان وإثيوبيا، مشيرا إلى أن اللقاء أكد متانة العلاقات الثنائية وترابطها والاستمرار في تنفيذ مشاريع الربط بين البلدين والتي تشمل الطرق والسكك الحديدية والربط الكهربائي وتسهيل العمليات التجارية والاقتصادية بين البلدين، مشيرا إلى أن اللجنة العليا للبلدين ستعقد اجتماعا قريبا بالخرطوم لمراجعة الاتفاقيات التي تم توقيعها والعمل على إنفاذها والإسراع في إنفاذ كل ما اتفق عليه بين الجانبان.