أيتام روسيا.. آخر ضحايا الصراع السياسي مع أميركا

بوتين يتجه لتوقيع قانون حظر تبني الأميركيين لأطفال روس ردا على إجراء قانوني أميركي

أيتام روس يتناولون الطعام في دار للأيتام بمدينة روستوف أون دون بجنوب روسيا مطلع الشهر الحالي (رويترز)
TT

أقر مجلس الاتحاد (مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي) بالإجماع يوم الأربعاء مشروع قانون يحظر على الأميركيين تبني أطفال روس، وتم إحالته إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قال أمس إنه لا يجد «أسبابا» تمنعه من توقيع القانون.

وسيكون تمرير قانون التبني، الذي جاء ردا على قانون أميركي (قانون سيرغي مانييتسكي) يعاقب الروس المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان، أقوى ضربة للعلاقات الروسية - الأميركية خلال عام شهد سلسلة من الانتكاسات. وقد تم تمرير القانون بالإجماع، حيث تمت الموافقة عليه من قبل جميع أعضاء مجلس الاتحاد الحاضرين والبالغ عددهم 143 عضوا، في الوقت الذي لم يحضر فيه 43 عضوا. وبموجب القانون، يحق للرئيس بوتين التوقيع على القرار في غضون أسبوعين، ولكن من المتوقع أن يتم التصديق عليه في وقت أقرب من ذلك.

وقال بوتين في اجتماع في الكرملين أمس بشأن القانون: «لا أرى أسبابا تمنع التوقيع مع أنني أنتظر لأرى النسخة النهائية. هناك بالتأكيد في العالم أماكن مستوى المعيشة فيها أفضل مما عندنا، لكن ماذا يعني ذلك؟ هل نرسل كل أطفالنا؟ وربما يمكننا أن ننتقل نحن أيضا!». وذكر مثالا على ذلك إسرائيل التي «تواجه مشاكل أمنية معروفة»، على حد قوله، فقال «هل يرسل الإسرائيليون كل أولادهم إلى مكان ما؟ إنهم ما زالوا يناضلون من أجل هويتهم القومية. إنهم يواجهون الأمر». وتابع قائلا إن «شعبا عظيما يشعر بأهميته يتصرف بطريقة مختلفة قليلا في هذه القضايا»، مشيرا إلى روسيا. وأكد بوتين أنه «يجب دعم كل المبادرات التي تهدف إلى فعل كل شيء في حدود بلدنا لنؤمن مستقبلا كريما لأطفالنا بما في ذلك الأيتام».

ويطالب مشروع القانون بفرض الحظر اعتبارا من يوم الثلاثاء المقبل.

من جهته، نشر السفير الأميركي في موسكو مايكل ماكفول، الذي سبق أن انتقد مشروع القانون بعد إقراره في مجلس النواب الأسبوع الماضي، تعليقا على «تويتر» أكثر تحفظا يوم الأربعاء، مشيرا إلى الخلاف الحاد الذي اندلع داخل أروقة الحكومة الروسية والمجتمع الروسي بشأن هذا القرار، حيث كتب يقول: «أنا أتفق مع مئات الآلاف من الروس الذين يريدون تنحية الأطفال جانبا بعيدا عن النقاشات السياسية. أشعر بالحزن بسبب تصويت مجلس الاتحاد اليوم».

يذكر أن قضية الحقوقي سيرغي مانييتسكي الذي توفي في عام 2009 بعد توقيفه احترازيا أحد عشر شهرا بسجن في موسكو، محور مواجهة بين روسيا والولايات المتحدة. ونص «قانون مانييتسكي» الأميركي على معاقبة المسؤولين الروس المتورطين في القضية.

ومنذ عودة بوتين إلى الكرملين في مايو (أيار) الماضي، يلجأ المسؤولون الروس إلى اتخاذ قرارات تنفيذية وتشريعية قوية للحد من نفوذ الولايات المتحدة ووجودها في روسيا، وهو ما يعد بمثابة تراجع عن الشراكات الكبرى التي بدأت بين الجانبين عقب انهيار الاتحاد السوفياتي.

ومع ذلك، يعد حظر التبني الخطوة الأولى التي تستهدف الرأي العام الأميركي بشكل مباشر، وسوف يلغي اتفاقية ثنائية بشأن عمليات التبني على المستوى الدولي والتي تم إقرارها خلال العام الحالي ودخلت حيز التنفيذ في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وكانت هذه الاتفاقية تدعو إلى وجود رقابة مشددة وصارمة على عمليات التبني، بعد حالات عدة من سوء المعاملة والوفيات للأطفال الروس الذين تم تبنيهم في الولايات المتحدة. يذكر أن عام 2011 شهد تبني نحو 1000 طفل روسي من قبل آباء وأمهات من الولايات المتحدة، ليرفع عدد الأطفال الروس الذين تم تبنيهم من قبل أميركيين منذ عام 1999 إلى أكثر من 45.000 طفل. وقال بافيل أستاخوف، وهو المفوض الروسي لحقوق الطفل وأحد مؤيدي قرار الحظر، الأربعاء، إنه يتوقع سن القانون الذي سيمنع على الفور خروج 46 طفلا روسيا كان سيتم تبنيهم من قبل أميركيين. وأضاف أستاخوف أنه سيتم حظر التبني بغض النظر عن الاتفاقيات السابقة مع الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن بعض عمليات التبني قد حصلت بالفعل على موافقات قضائية، مشيرا إلى أنه لا يشعر بأي ندم بسبب المشاكل العاطفية التي ربما تصيب الأسر المعنية.

وأصدر أستاخوف بيانا قال فيه: «الأطفال الذين وقع عليهم الاختيار من قبل آباء وأمهات أميركيين – نحن نعلم أن هناك 46 طفلا تم رؤيتهم وتجهيز أوراقهم وخضعوا لمراقبة من الأجهزة الأميركية – لن يكون بمقدورهم الذهاب إلى الولايات المتحدة إلى أولئك الذين يريدون تبنيهم. ليس هناك حاجة لمغادرة البلاد والتحول إلى مأساة».

وأشار أستاخوف، الذي يطالب بالحد من عمليات التبني في جميع أنحاء العالم منذ فترة طويلة، إلى أنه سيسعى إلى تطبيق حظر التبني في جميع دول العالم، مضيفا: «أعتقد أن أي عمليات تبني من قبل أجانب تعد أمرا سيئا بالنسبة لأي دولة».

ورد الصحافي والمعلق المعروف سيرغي بارخومينكو على تلك التصريحات قائلا: «التبني عند الحاجة يصب في مصلحة الطفل، وليس في مصلحة البلاد»، متهما أستاخوف بإهمال واجبه في خدمة الأطفال لصالح خدمة بوتين الذي عينه.

ويرى بعض البرلمانيين الروس أن الاتفاقية الثنائية بشأن التبني مع الولايات المتحدة ستكون ملغاة اعتبارا من الثلاثاء المقبل، على الرغم من أن الرئيس بوتين قد قال في مؤتمره الصحافي السنوي الأسبوع الماضي إن إدخال أي تعديلات على الاتفاقية يجب أن يتم بعد إخطار الطرف الآخر بعام كامل.

وقد تسبب الحظر المقترح في حالة نادرة من الانقسام داخل أعلى المستويات في الحكومة الروسية، حيث أعرب العديد من كبار المسؤولين عن رفضهم لهذا القرار بصورة علنية، كما أثار هذا القرار حالة من الجدل بين الروس، حيث يرى منتقدو الحظر أنه سيؤثر بالسلب على الأيتام الروس، وكثير منهم يعاني بالفعل في ظل نظام الرعاية الاجتماعية للطفل الذي يعاني من خلل شديد.

وخلال مناقشة القرار يوم الأربعاء، قال النواب إنهم شعروا بأنهم مضطرون للرد على قانون وقعه الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال الشهر الحالي وينص على معاقبة المواطنين الروس المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان، من خلال منعهم من السفر إلى الولايات المتحدة ومن امتلاك العقارات أو غيرها من الأصول هناك.

وقال المشرعون أيضا إن روسيا، التي لديها أكثر من 650.000 طفل يعيشون دون إشراف أو مراقبة من الوالدين، يتعين عليها أن تهتم بهؤلاء الأطفال من تلقاء نفسها. وفي الوقت نفسه، اعترف المشرعون بوجود عيوب في نظام التبني واتخذوا قرارا الأربعاء يدعو إلى اتخاذ تدابير لتسهيل عمليات التبني للمواطنين الروس.

وقال القرار: «الموقف تجاه حماية الأسرة والطفولة يجب أن يتغير بشكل جذري على كل المستويات»، مشيرا إلى البيروقراطية المفرطة وعدم وجود تمويل للرعاية الصحية للأطفال وعدم كفاية الجهود المبذولة لتشجيع التبني.

وقال فاليري رايزانسكي، وهو عضو بمجلس الشيوخ عن منطقة كورسك: «يتعين علينا وضع خطة للمستقبل»، قبل أن يؤكد على الشعار الذي تبناه العديد من المشرعين في الأيام الأخيرة حين قال: «روسيا من دون أيتام!»، في حين غير غينادي ماكين، وهو عضو بمجلس الشيوخ عن منطقة فورونيغ، هذا الشعار قليلا، حيث قال: «روسيا من دون دور أيتام».

وسخر المدافعون عن رعاية الطفل من هذه التصريحات، مشيرين إلى أن أكثر من 80.000 طفل كانوا بحاجة إلى رعاية في عام 2011، وأن الدولة لم تكن قادرة على توفير منازل للغالبية العظمى من الأطفال المطلوبين للتبني والبالغ عددهم 120.000 طفل.

يذكر أن عام 2011 قد شهد تبني أكثر من 10.000 روسي، تبنى الأجانب نحو 3.400 طفل منهم.

وعلاوة على حظر تبني الأطفال الروس من قبل أميركيين، سوف يفرض مشروع القانون الذي تمت الموافقة عليه الأربعاء عقوبات على قضاة أميركيين وآخرين بتهمة انتهاك حقوق الأطفال الروس الذين تم تبنيهم في الولايات المتحدة.

وقد أظهر التركيز على قضية الأطفال الذين تم تبنيهم أن الحكومة الروسية تسعى لأن ترد بالمثل على القانون الأميركي الجديد لحقوق الإنسان.

ويسافر الروس، ولا سيما الأغنياء منهم، إلى الولايات المتحدة في كثير من الأحيان ويمتلكون عقارات هناك، في حين يسافر عدد قليل من الأميركيين إلى روسيا ولا يتركون أصولا مالية هناك في غالب الأمر.

* خدمة «نيويورك تايمز»