مصر: إعادة تشكيل «الدستورية» وهيئات جديدة للإعلام والانتخابات وعزل فلول «مبارك» أهم الآثار المترتبة على بدء العمل بالدستور الجديد

ألغى أيضا الإلزام الذي فرضه الإعلان الدستوري على رئيس الجمهورية بضرورة تعيين نائب له

TT

وقع الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي على مرسوم إنفاذ الدستور الجديد للبلاد، بعد حصوله على موافقة 63.8% في استفتاء شعبي أجري على مرحلتين يومي 15 و22 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ويترتب على بدء العمل بالدستور الجديد، الذي يواجه برفض كبير من جانب قوى المعارضة، الكثير من الآثار المهمة التي تعيد رسم هيكل وشكل الدولة المصرية. فقد ألغى الدستور الجديد الإلزام الذي فرضه الإعلان الدستوري الصادر في نهاية مارس (آذار) العام الماضي على رئيس الجمهورية بضرورة تعيين نائب له، ونصت المادة (153) من هذا الدستور على: «إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لسلطاته حل محله رئيس مجلس الوزراء»، وبموجب ذلك تنتهي رسميا مهمة المستشار محمود مكي نائب رئيس الجمهورية، الذي استقال من تلقاء نفسه قبل يومين من إقرار الدستور.

كما أعاد الدستور الجديد، وفقا للمادة (233)، تشكيل «المحكمة الدستورية العليا»، التي تختص بمراقبة تطابق القوانين مع مواد الدستور، بحيث أصبح عدد قضاتها 11 فقط هم رئيس المحكمة وأقدم 10 أعضاء، مما يعنى استبعاد 7 من تشكيلها الحالي، يعودون إلى وظائفهم التي كانوا يشغلونها قبل تعيينهم، وأبرزهم المستشارة تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة، المعارضة للرئيس محمد مرسي وجماعته، التي يتهمها «الإخوان» بالسعي لإصدار أحكام تنقلب على الشرعية.

وبموجب المادة (230) من الدستور الجديد أيضا، تنتقل سلطة التشريع كاملة من رئيس الجمهورية إلى مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان) الحالي، وحتى انتخاب مجلس النواب الجديد الذي تنتقل إليه السلطة كاملة في ما بعد.

وكان الرئيس مرسي يتولى سلطة التشريع منذ تنصيبه رئيسا للجمهورية في نهاية يونيو (حزيران) الماضي، بسبب حل مجلس الشعب، الذي تم تغيير اسمه لـ(مجلس النواب) في الدستور الجديد. ووفقا لهذا الدستور أيضا، تسحب سلطة إصدار الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات بقوانين، بشكل منفرد من الرئيس مرسي، ويحق للرئيس إعلان الحرب أو إرسال الجيوش للخارج أو إقرار اتفاقيات أو معاهدات مع دول خارجية بعد موافقة البرلمان.

من أبرز آثار الدستور الجديد، حظره على أكثر من ألف عضو من قيادات الحزب الوطني (المنحل)، الحاكم سابقا، ممارسة العمل السياسي لمدة 10 سنوات، وهو قانون كان قد أصدره مجلس الشعب المنحل وحكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته في 14 يونيو (حزيران) الماضي، فجاء نصا صريحا في هذا الدستور، ليقطع الطريق على أي طعن عليه بعدم الدستورية.

وتحدد المادة (232) المعزولين بأنهم (أعضاء الأمانة العامة للحزب الوطني، ولجنة السياسات، وأعضاء المكتب السياسي، ومن كان عضوا بالبرلمان في الفصلين التشريعيين السابقين على ثورة 25 يناير).

وبينما عين الرئيس مرسي، الجمعة الماضية 90 عضوا بمجلس الشورى، قال سياسيون إن من بينهم أكثر من 5 أعضاء ينتمون للحزب الوطني «المنحل» وإنه يجب تفعيل الدستور الجديد عليهم. وتقدم بالفعل أمس عمرو عبد الهادي، عضو الجمعية التأسيسية للدستور، بدعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد رئيس الجمهورية بصفته، بسبب تعيينه أعضاء بالشورى من قيادات الحزب الوطني، منهم النواب (بدوي دسوقي، أيمن هيبة، فضية سالم، عبد الهادي القصبي).

ولم يكتف الدستور الجديد بتنظيم وإعادة هيكلة المؤسسات الحالية، بل أنشأ عددا من الهيئات الجديدة المستقلة لإدارة شؤون الدولة، ونصت مادته رقم (202)، على أن يعين رئيس الجمهورية رؤساء هذه الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية بعد موافقة مجلس الشورى، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة.

ومن أبرز هذه الهيئات، «المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد»، التي تم إنشاؤها بموجب المادة (204)، وهي تختص بالعمل على محاربة الفساد، ومعالجة تضارب المصالح، ونشر قيم النزاهة والشفافية وتحديد معاييرها، ووضع الاستراتيجية الوطنية الخاصة بذلك كله.

وهيئة أخرى تحت اسم «المجلس الاقتصادي والاجتماعي»، ووفقا للمادة (207)، يقوم هذا المجلس على دعم مشاركة فئات المجتمع في إعداد السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويتشكل من مائة وخمسين عضوا كحد أدنى، تختارهم تنظيماتهم المنتخبة من النقابات والاتحادات، ويعد هذا المجلس نموذجا مطورا للمجلس القومي للإنتاج الذي دشنه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

أما شؤون الانتخابات، فقد تم استحداث هيئة خاصة لها تحت اسم «المفوضية الوطنية للانتخابات»، وتختص هذه الهيئة وفقا للمادة (208)، بإدارة الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية، بدءا من إعداد قاعدة بيانات الناخبين وإبداء الرأي في تقسيم الدوائر، وتحديد ضوابط التمويل والإنفاق الانتخابي والإعلان عنه، وغير ذلك من إجراءات، حتى إعلان النتيجة.

أما أكثر المؤسسات المثيرة للجدل، فهو «المجلس الوطني للإعلام»، الذي يتولى وفقا للمادة (215)، تنظيم شؤون البث المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها، ويكون مسؤولا عن ضمان حرية الإعلام بمختلف صوره وأشكاله والمحافظة على تعدديته، وعدم تركزه أو احتكاره، وعن حماية مصالح الجمهور، ووضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها، والحفاظ على اللغة العربية، ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة وفقا لنص المادة. لكن هذا المجلس يواجه اعتراضات كثيرة من الإعلاميين والصحافيين والجمعيات المدافعة عن الحريات، الذي ينظرون إليه على أنه جهة حكومية للرقابة على حرية الإبداع ولوضع قيود على الرأي.

كما أضاف الدستور هيئات جديدة مثل «الهيئة العليا لحفظ التراث»، التي تعنى بتنظيم وسائل حماية التراث الحضاري، و«المجلس الوطني للتعليم والبحث العلمي»، الذي يختص بوضع استراتيجية وطنية للتعليم بكل أنواعه وجميع مراحله، والذي يعتبره كثيرون لا يختلف عن «المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا»، الذي أنشأه الرئيس السابق حسني مبارك عام 2007.

الجدير بالذكر أن الدستور الجديد تجاهل محاكم أمن الدولة العليا طوارئ، التي كان منصوصا عليها في المادة (171) من الدستور السابق، والتي تختص في الجرائم الخطرة التي تهدد الأمن القومي مثل جرائم الانتماء إلى تنظيم محظور، ولم يشر إليها مطلقا، أو يحدد مصيرها. لكنه حجم إعلان الرئيس لحالة الطوارئ، حيث نصت المادة (148) على ضرورة أخذ رأي الحكومة في إعلان حالة الطوارئ؛ ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية، أو مجلس الشورى في حال حل النواب، وتجب موافقة أغلبية عدد أعضاء كل من المجلسين، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر، لا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة بعد موافقة الشعب في استفتاء عام، كما لا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ.