يعرب الشرع: النظام في أسوأ أيامه.. والحل لن يكون إلا باعتماد الشعب على نفسه

قال لـ «الشرق الأوسط» إن ضربات «الجيش الحر» الموجعة أسفرت عن تحرك دولي وإقليمي

العقيد يعرب الشرع
TT

اعتبر العقيد يعرب الشرع، رئيس فرع المعلومات بالأمن السياسي، وابن عم نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، الذي أعلن انشقاقه في أغسطس (آب) الماضي، أن النظام السوري يعيش اليوم أسوأ أيامه، وهو الآن يركز معظم قواته في دمشق للدفاع عن آخر معقل له، آملا في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن يقوم المجتمع الدولي بأي دور للتخفيف عن الشعب في معركة باتت نهايتها معروفة.

وفي حين لفت الشرع إلى أن عددا من أفراد عائلة الأسد ومن المقربين منه غادروا سوريا حاملين معهم أموالهم، وأن الكثير من أبناء الطائفة العلوية غير راضين عن أفعال النظام، كشف أنه تمت تصفية عدد كبير من الضباط والعسكريين أو سجنهم بسبب رغبتهم في الانشقاق، مؤكدا كذلك أنه تم اعتقال وقتل عشرات العناصر والخبراء الروس والإيرانيين والذين ينتمون إلى حزب الله، خلال مشاركتهم في المعارك.

وفي ما يلي نص الحوار..

* كيف تقيّم وضع النظام السوري اليوم، وهل تعتقد أن سقوطه بات قريبا؟

- النظام السوري اليوم في أسوأ أيامه.. فداخليا، هو لا يزال يواجه شعبه بالقتل والتهجير والاعتقال، وهي سياسة أثبتت فشلها طوال ما يقارب عامين وأوصلته إلى طريق مسدود بشهادة حلفائه. مع العلم بأنه لا يواجه بحربه هذه شعبا أعزل خرج مطالبا بحريته وكرامته، وبقي متمسكا لمدة ستة أشهر بخياره السلمي، حيث اضطرته ممارسات النظام لحمل السلاح للدفاع عن نفسه وماله وعرضه.

النظام سقط منذ سقوط أول قتيل في محافظة درعا، في 18 مارس (آذار) 2011، عندما واجه المظاهرات السلمية بإطلاق الرصاص المباشر عليها. وهو يخسر، يوما بعد يوم، بضربات المعارضة المسلحة المتمثلة في «الجيش الحر» بكل ألويته وكتائبه، والمزيد من المدن التي يسيطر عليها، كما أنه يقوم بتركيز معظم قواته في دمشق للدفاع عن آخر معقل له. لذا، بات سقوط النظام وشيكا ويتوقف على مستوى التقدم الذي سيحرزه «الجيش الحر» في العاصمة دمشق بشكل خاص، حيث يضيق الخناق عليه أكثر فأكثر، والمسألة باتت مسألة وقت لا أكثر.

* ما الذي يعوق أو يؤخر سقوطه.. وما هو الحل برأيك؟

- تأخر سقوط النظام يعود لأسباب خارجية وداخلية.. الداخلية تتمثل في انحياز قيادات كثيرة من العسكريين والمدنيين لـ«الباطل» ووقوفهم مع النظام في حربه ضد الشعب السوري، وكذلك اعتماده على كتائب خاصة مدنية تسمى «الشبيحة» قام بتسليحها وأطلق لها العنان للقيام بعمليات الذبح والقتل وترهيب الشعب السوري، بالإضافة إلى التأثير على المسؤولين في النظام لا سيما من هم مغلوب على أمرهم تحت وطأة الخوف والترهيب، ومنعهم من الانشقاق وإعلان موقفهم الصريح. وميدانيا، مما لا شك فيه أن استخدام النظام لأعتى أنواع الأسلحة التدميرية من طيران ودبابات ومدافع وأسلحة فتاكة جديدة، وآخرها استخدامه أسلحة تحمل غازات سامة في مناطق معينة إضافة إلى استخدامه صواريخ «سكود»، كلها أمور تؤثر سلبا على الواقع الميداني وعلى سير المعارك. أما الأسباب الخارجية التي تؤخر سقوطه فتتمثل في الدعم المالي والبشري والتسليحي اللامحدود من روسيا وإيران وحزب الله ودول أخرى.

لذا فالحل لن يكون إلا باعتماد الشعب السوري على نفسه سلميا وعسكريا، من دون انتظار أي حلول خارجية، لأنه وعلى امتداد سنتين والمجتمع الدولي يقوم بدور الصامت والمتفرج. «نسمع جعجعة ولا نرى طحنا» حتى هذه اللحظة، متسلحين بحجج واهية لا أساس لها، خاصة بعد توحيد المعارضة سياسيا وعسكريا تحت مظلة الائتلاف الوطني السوري وقيادة الأركان المشتركة لـ«الجيش الحر».

فالواقع على الأرض أسرع وأجدى من أي حلول سياسية سمعناها لسنتين مضتا ولم يتحقق منها أي شيء على أرض الواقع. لكني في الوقت عينه أرى أن أي حل سريع ضمن برنامج زمني محدد وقصير لا بد أن يتضمن رحيل بشار الأسد ومحاكمته محاكمة عادلة، والحوار مع بعض مسؤولي النظام الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء تمهيدا لتشكيل حكومة انتقالية، نتمكن عندها من الوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية كما يريد الشعب السوري.

* برأيك.. هل المعارضة أصبحت اليوم قادرة على حسم المعركة سياسيا وعسكريا؟

- من الطبيعي أن ما يحدث على الأرض من عمليات عسكرية يقوم بها الجيش الحر بضرباته الموجعة للنظام هي التي تفتح أي كوة على الحل السياسي، وهذا ما بدأنا نلمسه أخيرا من خلال التحرك الإقليمي والدولي، وطرح الكثير من المبادرات السياسية حتى من قبل حلفاء النظام.

وبالتأكيد فإن السوريين باتوا واثقين من قدرتهم على حسم معركتهم مع النظام، على الرغم من التكلفة البشرية والمادية الناتجة عن همجية ردود أفعاله في وجه تقدم الجيش الحر على الأرض، وهذا أمر محسوم وبات أمرا واقعيا، وبقي أن نأمل أن يقوم المجتمع الدولي بأي دور لتخفيف هذه الخسائر، في معركة باتت نهايتها معروفة.

* هل صحيح أن الأسد هو الذي يقوم بالإشراف شخصيا على العمليات العسكرية.. وما هو اللواء أو الألوية التي يعتمد عليها الأسد بشكل أساسي في العمليات العسكرية؟

- بشار الأسد أشرف شخصيا على العمليات العسكرية في بداية المعركة، لكن عندما توسعت دائرة العمليات وأصبحت تشمل معظم الأراضي السورية لم يعد يسيطر على كامل الوحدات العسكرية، فأعطى صلاحيات واسعة لقادة هذه الوحدات للتصرف واتخاذ القرارات التي يرونها مناسبة. ولكن في كل الأحوال فإن رأس النظام هو القائد العام للجيش والقوات المسلحة وكل الأسلحة المستخدمة في قتل الشعب السوري تحت إمرته وقيادته، وما حصل ويحصل يجري تحت سمعه وبصره وعلى مسؤوليته. مع العلم بأن الأسد يعتمد في العمليات العسكرية على الفيالق والفرق والألوية والكتائب العسكرية.. وقد تحركت كل هذه الوحدات من أماكن تمركزها الأساسية حسب الحاجة بهدف إنهاء الثورة؛ لكن هناك وحدات عسكرية تستخدم أشد أنواع البطش والقتل والعنف من ذبح وتصفيات جماعية ميدانية، وهذه الوحدات هي «الحرس الجمهوري» و«الفرقة الرابعة» و«عصابات الشبيحة المرتزقة» من المدنيين، وهؤلاء أيضا استخدموا الأسلحة المتنوعة ومنها السكاكين لذبح المدنيين من الشعب وهذه كلها حقائق ووقائع موثقة.

* ماذا عن مصدر الدعم العسكري له.. وهل صحيح أن هناك خبراء عسكريين روسا وإيرانيين إضافة إلى عناصر من حزب الله يشاركون في القتال؟

- مصدر الدعم العسكري هو السلاح الروسي والإيراني، وبالتأكيد أن هناك خبراء وفنيين عسكريين روسا وإيرانيين، وآخرين من حزب الله، يشاركون في التدريب وفي المعارك الميدانية، وقد وقع في الأسر عشرات منهم، كما سقط بعضهم خلال المعارك.

* ما هي صحة المعلومات التي تقول إن هناك شخصيات كثيرة في النظام أصبحت معارضة له وتنوي الانشقاق، كما أنها في بعض الأحيان تتم تصفيتها؟

- نحن على تواصل مع الداخل، وهناك الكثير من الكوادر والشخصيات والمناصب العسكرية والمدنية يقفون في صف الثورة، ولم يعودوا قادرين على تحمل ما يفعله النظام بحق الشعب السوري من تدمير للبشر والحجر والبنى التحتية، وهناك الكثير منهم يستعدون للانشقاق. لكن منهم من يخضعون للمراقبة الشديدة، ومنهم من يتوجسون من الخطوة خوفا على عائلاتهم وأهلهم وأقاربهم. وقد تمت تصفية وسجن عدد كبير من الضباط والعسكريين بسبب رغبتهم في الانشقاق. لكني أؤكد أن الكثير من أبناء الطائفة العلوية غير راضين عن أفعال النظام، ونسبة التململ في صفوفهم تزداد بشكل مستمر.

* وما مدى صحة المعلومات التي تقول إن الأسد هرّب عائلته إضافة إلى شخصيات مقربة منه إلى خارج سوريا؟

- هناك الكثير من الأشخاص في عائلة الأسد ومن النظام ومن المقربين منه قد غادروا سوريا فعلا، حاملين معهم أموالهم إلى دول أخرى، لكن بالتأكيد، سيأتي اليوم الذي نتمكن فيه من استعادة المال العام الذي يتم تهريبه وإخراجه خارج سوريا.

* هل برأيك سيتمكن الأسد من إنشاء دولة علوية في سوريا كما تشير بعض المعلومات.. وهل ترى أنه يسعى إلى ذلك؟

- بداية، لا بد من الإشارة إلى أن مشكلة السوريين ليست مع طائفة بعينها، بل هي مشكلة مع عصابة حاكمة واستبدادية ومستفيدة من عمليات النهب وسرقة خيرات البلاد.. الدولة العلوية المزعومة مرفوضة من الشعب السوري برمته ومن كل طوائفه، وسواء أراد الأسد إنشاء دولة علوية أو لا فإن هذا المشروع لن يكتب له النجاح، وقد رفع السوريون منذ انطلاقة الثورة المباركة شعار «واحد واحد واحد.. الشعب السوري واحد». والشعب السوري عموما لن يسمح بإنشاء هكذا دولة، وسيقوم بالقضاء على أي مشروع من هذا النوع، والأيام القادمة ستثبت ذلك.

* كيف تمكنت من الهرب إلى خارج سوريا، ومع من تواصلت للقيام بهذه الخطوة؟

- أنا لم أهرب، وإنما أعلنت انشقاقي عن النظام بسبب كل الجرائم التي يقوم بها، والتي لا تتوافق مع الحد الأدنى من تعاليم الديانات السماوية ولا مع الأخلاق والقيم الإنسانية.. علما بأن طبيعة عملي في الأمن كانت إدارية وليست ميدانية ولا علاقة لها بما كان يحصل من ممارسات تجاه الشعب الثائر على الأرض. وقبل ذلك حاولت تقديم استقالتي مرات عدّة، وكانت آخرها في شهر يونيو (حزيران) الماضي، وقوبلت جميعها بالرفض، بعد ذلك تم التخطيط المحكم لعملية الانشقاق بالتنسيق مع بعض كتائب «الجيش الحر» في درعا وريفها إلى أن تمكنت من الخروج بشكل آمن مع عائلتي إلى خارج سوريا.

* هل نتوقع أن يكون ليعرب الشرع منصب في السلطة في المرحلة الانتقالية.. وما هي علاقتك بالمعارضة السياسية والعسكرية؟

- أقولها بكل صدق وصراحة، ليس لدي أي طموح في تولي أي منصب أو سلطة في المرحلة الانتقالية أو القادمة، ولم أكن كذلك حتى خلال حكم النظام القاتل.. ومنذ أكثر من عشر سنين - بسبب عدم تأقلمي وانسجامي مع طبيعة عمل الأجهزة الأمنية والممارسات السيئة التي تقوم بها تجاه المواطنين - فقد لجأت إلى متابعة الدراسات العليا والبحث العلمي في المجالين القانوني والإداري، وكنت قبل انشقاقي بصدد إعداد رسالة الدكتوراه والأبحاث المتعلقة بها، وطموحي الآن هو استكمال رسالة الدكتوراه والعمل بعدها في المجال الأكاديمي في الجامعات السورية والعمل في المحاماة من خلال نقابة المحامين. وهذا ليس تهربا من مسؤولياتي، لأن جيل الثورة هو الأحق والأجدر بقيادة وإدارة شؤون البلاد، وسأكون جاهزا لتقديم أي نصائح أو خبرات تصب في المنحى الذي يؤسس للدولة التي خرج الشعب السوري ثائرا في سبيلها.

* ما هي معلوماتك عن نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، ومواقفه السياسية، لا سيما أن هناك شائعات كثيرة حوله، والبعض شكك حتى في المقابلة الأخيرة التي أجريت معه؟

- ليست لدي أي معلومات عن فاروق الشرع، لكن مواقفه السياسية كانت واضحة ولا لبس فيها ولا غموض في أكثر من تصريح، وعلى الرغم من صلة القرابة التي تربطني به، فلا يوجد أي تواصل معه منذ انشقاقي وخروجي من الأراضي السورية.

* هل لديك معلومات عن جهاد المقدسي، وهل تتواصل معه، لا سيما أن المعلومات الأخيرة تفيد بأنه يتعاون مع الاستخبارات الأميركية؟

- أيضا، لا أملك أي معلومات عن المقدسي، ولم يكن هناك أي تواصل بيننا، ولا أعرف عنه أي شيء. لكن المؤكد أن هناك إشارات استفهام واضحة حول وضعه وما حدث له، ولن أستبق النتائج لأدخل في التخمينات والاحتمالات.. وننتظر الأيام القادمة التي قد تحمل الجديد حول هذه القصة.