سوريون يتكيفون مع ظروفهم المعيشية رغم مرارتها

استعانوا بوسائل الأجداد بديلا عن الوقود والكهرباء

TT

بات الطحين والوقود يشكلان الأمل والحلم الذي يبتغيه كثير من السوريين، ويأملون في الحصول عليهما بانتظام، بعد أن طال أمد الأوضاع الصعبة في بلادهم لأكثر من 21 شهرا من الانتفاضة ضد النظام الحاكم في دمشق، ونتج عن سوء الأوضاع التي يعيشا الكثير من السكان بعدد من المحافظات والمناطق السورية نقص حاد في المواد اللازمة لصنع الغذاء، خاصة الوقود والكهرباء، مما دعاهم للالتجاء إلى مواد وأساليب الماضي، والبحث عن مصادر طاقة بديلة بدائية للتغلب أو التحايل على الواقع المرير والمأساة التي تلف حولهم.

فاستعاض البعض من سكان مناطق محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، وخاصة في الأرياف، بمصادر الطاقة الخضراء (روث الحيوانات)، كبديل عن مصادر الطاقة البترولية التي لم تعد متوفرة، وذلك لغرض التدفئة التي تستخدم في نوع خاص من المدافئ المصنوعة من الصفيح، التي تتميز بقدرتها على رفع درجات الحرارة داخل البيوت في الجو البارد، وكذلك يستخدم الروث في تشغيل الأفران لصناعة الخبز الذي يذهب ضحيته العشرات أمام الأفران التي أضحت هدفا سهلا لطيارات الـ«ميغ» والـ«سوخوي» روسية الصنع، استغلالا لتجمعات سكان الأحياء والمناطق الكبيرة لغرض الحصول على القوت اليومي أو القليل من الأرغفة، في المحافظات السورية المختلفة.

وفي مدينة المالكية، حيث يقطن أكثر من 400 ألف نسمة بآخر نقطة بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا، حيث تشهد أسواق المدينة منذ فترة قصيرة تجارة الروث، حيث يتم بيع روث الحيوانات من قبل بعض الريفيين، كنوع جديد أو بديل عن الوقود الذي أصبح نادرا وجوده، تقول إحدى المقيمات في مدينة المالكية عبر الهاتف لـ«الشرق الأوسط»: إن «الريفيين يقومون بتغليف الروث الحيواني بأكياس بلاستيك كمظهر مشجع على الشراء ويعرضونها في الشوارع الرئيسية وفي الأماكن العامة بالسوق، بعد أن عرفوا أن الحاجة إلى وقود بديل كروث الحيوانات من شأنها أن تجلب لهم مصدر رزق، في الوقت الذي تمر به البلاد بأزمة اقتصادية حادة جدا».

ويقول ناشط إعلامي من مدينة القامشلي رفض الكشف عن هويته بواسطة موقع التواصل (سكايب) لـ«الشرق الأوسط»: «لجأ البعض من سكان المنطقة إلى قطع أشجارهم الموجودة في حديقة المنزل ليستخدموها من أجل تدفئة أنفسهم وأطفالهم الصغار غير القادرين على تحمل البرد الشديد مع تدني درجات الحرارة».

وتضيف السيدة إن: «3 قطع من الروث الصلب تزن كيلوغراما، ويباع الغرام بنحو 25 ليرة سوريا (أي ربع دولار أميركي)».

ويدخل روث الحيوانات في صناعة الخبز، بعد أن بدأت المخابز والأفران في المدن والمناطق السورية بتوزيع مادة الطحين على السكان بدلا من الخبز، وذلك لعدم توافر مادة المازوت التي تشغل الأفران، وكذلك الانقطاع المزمن للتيار الكهربائي، ولا تزال محافظة الحسكة من المحافظات التي تصل إليها مادة الطحين من قبل الدولة، حيث يصنع الخبز من قبل الريفيات وأهالي المدن النائية في المحافظة في التنور (فرن محلي الصنع عادة)، الذي عاد للظهور من جديد بعد الاستغناء عنه منذ عشرات السنيين، ويصنع التنور من الطين ويعتمد على روث الحيوانات كمادة قابلة للاحتراق بداخله في تحميص رقائق العجين، فربات البيوت اللاتي يبلغن من العمر أكثر من 50 عاما لا يزلن قادرات على صناعة خبز التنور أو الخبز البلدي، كما يطلق عليه من قبل أهالي المدن الكبيرة.

وتضاعفت أسعار المدافئ الريفية (الصوبية) كما يقال باللهجة السورية، لزيادة الطلب عليها بغرض الحصول على الدفء في فصل الشتاء السوري المعروف ببرده، وتوضع بداخل هذه المدافئ إما الحطب وإما الروث الحيواني، فبات كلاهما من المشتريات، بعد أن غاب عليهما عقودا طويلة في المناطق الريفية السورية دون أن يستخدم أو يحتاج إليها أحد.

وأشار الناشط الإعلامي إلى أن الحدائق العامة والمناطق التي يوجد فيها الشجر حول المدن, باتت مصدرا لبعض السكان ليقطعوا الأشجار بفرض الحصول الدفء، ويصل سعر الحطب المستخدم لهذه الأغراض في الأسواق إلى نحو نصف دولار أميركي للكيلو غرام الواحد بعد انهيار الليرة السورية.

ويضيف الناشط أن إحدى الحدائق القريبة من منطقة الصالحية في مدينة الحسكة قطعت كل أشجارها، وشهدت بعض الاشتباكات بالأيدي في الحديقة بين بعض الأهالي، بغرض الحصول على الحطب.

ويُصنع الروث الحيواني من فضلات الأبقار والغنم، حيث تخلط الريفيات هذه البقايا من الفضلات مع الماء والقش وتصنعها على شكل طوب دائرية وتترك معرضة لأشعة الشمس حتى تجف من الماء وتصبح صلبة، ومن ثم تخزن.