أحزان الإسكندرية بين كنيسة القديسين ومسجد القائد إبراهيم

متوالية لا تنتهي من العنف.. والعنف المضاد

جندي بين زملائه من الأمن المركزي يراقب المتظاهرين أمام مسجد القائد إبراهيم بمحطة الرمل وسط المدينة من تيارات الإسلام السياسي وقوى ثورية ترفض هيمنة الإسلاميين (رويترز)
TT

يبدو أن أنواء الإسكندرية لا تزال تفشل في غسل أحزان مدينة الإسكندرية عروس البحر الأبيض المتوسط، فبينما يستعد مسيحيون مصريون لإحياء ذكرى التفجير الإرهابي الذي طال كنسية القديسين بمنطقة سيدي بشر (شرق المدينة) قبل عامين، وراح ضحيته 24 قتيلا، امتد العنف إلى مسجد القائد إبراهيم بمحطة الرمل وسط المدينة، هذه المرة بين تيارات الإسلام السياسي وقوى ثورية ترفض هيمنة الإسلاميين على مقاليد السلطة في البلاد.

وفي أعقاب سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك، استبشر مسيحيو الإسكندرية خيرا في إمكان كشف النقاب عن حقيقة المتورطين في تفجير كنسية القديسين بعبوة ناسفة ليلة الاحتفال بالعام الجديد في 2011، لكن دماء جديدة سالت خلال الشهر الماضي في اشتباكات بين إسلاميين ونشطاء سياسيين على وقع كلمات خطيب الإسكندرية الشهير أحمد المحلاوي، بينما بقي الغموض يحيط بمصير العدالة التي لم تقتص بعد لدماء أخرى سالت أثناء الثورة المصرية، وقبلها مع مقتل الشاب السكندري خالد سعيد علي أيدي شرطيين قبل شهور من ثورة 25 يناير.

وبينما انعقدت الآمال على أن تنهي ثورة 25 يناير أحزان المدينة العريقة، امتدت مشاعر الخوف لتتجاوز قلق المسيحيين من انتشار الفكر السلفي المتشدد وسيطرته على الإسكندرية لتطال أيضا أنصار الدولة المدنية من المسلمين، خاصة بعد أن احتدم الصراع السياسي في البلاد بعد أن صمم الإسلاميون على أن يمرروا دستورا جديدا للبلاد لا يحظى برضا القوى المدنية والكنائس المصرية الثلاث، ويثير مخاوف الكثيرين من فقهاء الدستور وأساتذة القانون.

وسقط خلال الأسابيع الماضية عشرات الجرحى في اشتباكات في محيط مسجد القائد إبراهيم في أعقاب خطبة جمعة دعا فيها الشيخ المحلاوي للتصويت بـ«نعم» على مشروع الدستور الذي تم إقراره مؤخرا.

وفقدت المدينة التي طالما تميزت بروح «كوزموبوليتانية» تسامحها المعتاد، وتلاحقت فيها الدعوات لمظاهرات حاشدة شهدت اشتباكات حادة خلال الشهرين الماضيين. ودعا نشطاء أمس إلى تنظيم مظاهرة لرفض الدستور تحت شعار «لا للتزوير» في إشارة إلى ما يعتبرونه انتهاكا لنزاهة عملية الاستفتاء التي جرت منتصف الشهر الحالي، في محيط مسجد القائد إبراهيم الذي صممه معماري إيطالي في أربعينات القرن الماضي. ولم تحظ الدعوة إلى مظاهرة «لا للتزوير» بإقبال يذكر، وأعلنت عدة حركات وقوى أنها لم تشارك في مظاهرات الأمس، كما غاب عن الخطبة الشيخ المحلاوي، مما بدا وكأنه اتفاق ضمني على هدنة لالتقاط الأنفاس بعد صدامات دامية تكررت في محيط المسجد.

وبينما تتهيأ المدينة للاحتفال بالعام الجديد، تستعد كاتدرائية الأقباط الأرثوذكس لإحياء الذكرى الثانية لتفجيرات كنيسة القديسين مطلع العام الجديد، وقال الدكتور كميل صديق سكرتير المجلس الملي بالإسكندرية، في تصريحات صحافية أمس إن الكنيسة سوف تقيم قداسا وصلاة جنائزية على أرواح الشهداء بكنيسة القديسين غدا (الأحد)، يعقبها في اليوم التالي إحياء الذكرى الثانية بدير مارمينا العجائبي بمنطقة كينج مريوط الذي تم دفن جثامين الضحايا به.

وفي مسعى للتضامن أعلن عدد من النشطاء المستقلين والمثقفين بالإسكندرية مشاركتهم في إحياء ذكرى تفجيرات كنيسة القديسين بالقرب من مكان الحادث، موجهين دعوات مختلفة لكافة المواطنين لإحياء الذكرى بشكل رمزي من خلال ارتداء ملابس الحداد، وإضاءة الشموع، مشددين على ضرورة عدم رفع رايات حزبية.

ويخشى مراقبون من الانقسام الحاد الذي طال المشهد السياسي في مصر، وامتدت آثاره لتخلق انقساما مجتمعيا، في وقت يحذر فيه نشطاء حقوقيون وتقارير غربية من تنام ملحوظ لظاهرة هجرة المسيحيين المصريين إلى خارج البلاد.