مصر: أحلام الحب تحت مطرقة السياسة

طاردتها شعارات الحلال والحرام.. وغلفتها مصطلحات المدنية والشريعة

لم تسلم صخور شاطئ الإسكندرية من الصراع السياسي المحتدم في مصر («الشرق الأوسط»)
TT

لم تسلم صخور البحر من الصراع السياسي المحتدم في مصر، ويبدو أنها سوف تتمرد وتدافع عن كينونتها الوديعة الساجية، خاصة بعد أن طالتها يد العابثين، ولوثتها بشعارات أدخلت شمسها ونسيمها العليل دائرة الحلال والحرام. فلم يكد طارق وعايدة يصلان إلى صخرتهما المحببة بكورنيش الإسكندرية حتى فوجئا بنظرات امتعاض حاصرتهم من كل الجهات من ملتحين يمرون بجوارهم، يمزقون بأعينهم جدار الحب الذي يتلحف به الخطيبان على شاطئ الإسكندرية.

وأصبح في مصر الكثيرون يهربون، خاصة المخطوبين أو الأصدقاء، من الأماكن العامة كالشواطئ والمتنزهات العامة خوفا من هجمات الإسلاميين عليهم والتي باتت يومية لا يغفلها المار بالطريق سامعا ألفاظ «العيب» و«الحرام» تقفز وراء أي اثنين ارتبطا ولو بشكل رسمي وفكرا ولو لمرة في الخروج لعزف ألحان الحب على أرصفة الطرقات أو استعادة ذكريات أماكن اللقاء الأولى.

وقبل بضعة أشهر لقي شاب مصرعه في مدينة السويس إثر قيام مجموعة من الملتحين والمنتمين للتيار السلفي في مصر بطعنه عدة طعنات بعدما وجدوه جالسا على كورنيش المدينة بجوار خطيبته فاتهموه بالفعل الفاضح، وأقروا حكما عليه بقتله وإيقاظ شعور الخوف من الجميع خاصة مرتادي الشواطئ والنوادي العامة التي بدأ يهجرها أحبتها، ولم يبق إلا قليل من شعارات الحب وذكرياته تلتصق على جدرانها وصخورها رافضة أن تستجيب لرغبات من يصفونهم «الحبيبة» بالمتشددين.

وتقول ماري رزق (23 عاما) «الخروج بالنسبة لي أصبح من القرارات الصعبة والتي أتردد في اتخاذها كثيرا»، وتتابع رزق، وهي مخطوبة منذ خمسة أشهر «أصبحت لي طقوس في الخروج مع خطيبي خاصة إذا كنا سنخرج إلى مكان عام أو سنخرج في نزهة على النيل أو الكورنيش، فلا بد من اتخاذ الاحتياطات اللازمة». وتضيف الفتاة المسيحية «أراعي دائما ارتداء ملابس معينة عند الخروج في الأماكن العامة، ولا يتاح لي أن أرتدي ما أريده خوفا من انتقاد أحد السلفيين أو المتشددين لنا، وخوفا من أن يتطور الأمر لاشتباك، وحرصا على أن تسير الأمور بخير».

ولا تمثل رزق حالة منفردة، فبجانب حالات التحرش الكثيرة التي تشهدها مصر خاصة في أيام الأعياد أو غيرها، ولا تفرق بين السيدات ممن يرتدين زيا إسلاميا أو لا يرتدينه، أصبح هاجس المتشددين إسلاميا يوضع في حسبان كل زوجين أو خطيبين أو حتى صديقين يخرجان في نزهة أو أملا في استنشاق بعض من الهواء النقي لتجديد دماء الود والحب بينهما.

ويقول محمد جمال (24 عاما) «لا أستطيع أن أمشي بحرية كما السابق مع صديقاتي وأصدقائي.. كنا في السابق نستطيع الخروج كمجموعة كبيرة من الأصدقاء من الأولاد والفتيات كأصدقاء في جامعة واحدة ونتحدث معا ونمشي ونمرح.. هذا أصبح غير متاح كليا الآن، وكثير من صديقاتنا أصبحن يخشين الخروج معنا خوفا من تعرضها لموقف أو للفظ يجرح مشاعرها». ويضيف جمال، وهو خريج الجامعة الأميركية بالقاهرة «أغلب خروجاتنا الآن تتركز في أماكن تبتعد عن مناطق تركز المتشددين، فنخرج في مناطق الزمالك أو نفضل الخروج والذهاب إلى الأماكن المغلقة أملا في قضاء سهرة من دون أي إزعاج من أحد هؤلاء الذين يريدون أن يعلمونا الدين وينسون أن يطبقوه على أنفسهم».

وزاد الانقسام في مصر ما بين مؤيد للتيار الإسلامي ومعارض له حول القضايا السياسية من مخاوف كثير من المسلمين والمسيحيين ممن لا يرتدون زيا إسلاميا خشية التعرض لهم خشية أن يفرض عليهم النظام الجديد أي قيود تتعلق بالمظهر أو الملبس، خاصة بعد إقرار دستور البلاد الجديد والذي ينص في أغلب مواده على أن تتفق هذه المواد بما لا يخالف أعراف وتقاليد المجتمع وطابعه الأصيل، وهي أمور ذات تعريفات عامة ويخشى مراقبون من أن يتم استخدامها في التضييق على حريات البعض.