مظاهرات حاشدة في بنغازي بمشاركة قوات الجيش والشرطة للمرة الأولى

رغم تحذيرات حكومة زيدان ودعوات المفتي لمقاطعتها

متظاهرون ليبيون في بنغازي يهتفون تقديرا لتضحيات العسكريين (أ.ف.ب)
TT

استعاد سكان مدينة بنغازي ثاني كبرى المدن الليبية ذاكرة المظاهرات الحاشدة مجددا، حيث احتشد أمس الآلاف من المواطنين في وسط المدينة في جمعة حملت اسم «مليونية إنقاذ بنغازي»، على الرغم من تحذيرات الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور علي زيدان ودعوات المفتي الصادق الغرياني لمنع التظاهر. ورفع المحتجون في جمعة «بنغازي لن تموت» أعلام الاستقلال التي ترمز إلى حقبة العاهل الليبي الراحل إدريس السنوسي، وهتفوا منادين بمعاقبة المتورطين في عمليات الاغتيال التي وقعت بمدينة بنغازي. وأكدوا أنهم لن يسمحوا لأي كائن بأن يسيء إلى مدينة بنغازي مهد الثورة وحاضنتها أو أن يحولها إلى معقل للتنظيمات الإرهابية.

كما طالبوا في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، بإنهاء ظاهرة التشكيلات المسلحة وضمها لمؤسسات الجيش والشرطة.

وندد البيان بما وصفه بالموقف السلبي للمجلس المحلي للمدينة تجاه الانفلات الأمني المتعلق باستمرار عملية التفجيرات والاغتيالات والاعتداءات على بعض المقار الأمنية بالمدينة، معتبرا أن التصريحات التي صدرت عن المجلس المحلي للمدينة تحمل في طياتها محاولات للتغطية على منفذي هذه الجرائم.

وتجاهلت معظم القنوات الفضائية الليبية بما في ذلك المملوكة رسميا للدولة متابعة هذه المظاهرات التي تزامنت مع مظاهرة مماثلة جرت في مدينة مصراتة ثالث كبرى المدن الليبية للمطالبة بإصدار قانون العزل السياسي لكل من عمل مع نظام العقيد الراحل معمر القذافي.

وحتى إعداد هذا التقرير مساء أمس بالتوقيت المحلي لمدينة بنغازي لم تتلق «الشرق الأوسط» أي تقارير عن وقوع أحداث عنف أو شغب، على غرار المظاهرات التي تمت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي وسقط خلالها 74 شخصا ما بين قتيل وجريح خلال عملية اقتحام لمقرات بعض الكتائب المسلحة التابعة للثوار.

لكن مظاهرات الأمس حملت للمرة الأولى مؤشرا خطيرا ولافتا للانتباه، حيث أكدت عدة مصادر متعددة لـ«الشرق الأوسط» مشاركة عدد كبير من قوات الجيش والشرطة بشكل ملحوظ.

وحلقت طائرات من سلاح الجو الليبي على ارتفاع منخفض فوق سماء بنغازي في عدة طلعات جوية، بينما أكد شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» أن إحدى الطائرات العمودية للجيش (هليكوبتر) قد هبطت على جزيرة شارع دبي في بنغازي والتف حولها المتظاهرون تعبيرا عن سعادتهم بانضمام سلاح الجو للمظاهرة.

لكن مصادر ليبية عسكرية قالت في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن هبوط الطائرة لم يكن له أي صلة بأجواء مظاهرات بنغازي أمس، مشيرة إلى أن طاقم الطائرة كان فقط يحيي المجهودات التي بذلها شباب يطلقون على أنفسهم اسم «شباب بنغازي الخير» كانوا قد انتهوا مساء أول من أمس من طلاء الجزيرة في عملية للنظافة التطوعية.

وقال سكان محليون وناشطون سياسيون في المدينة لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف إن المظاهرات التي بدأت في التجمع عقب صلاة الجمعة، قد وصلت إلى ذروتها مساء أمس عندما احتشد مئات الآلاف من الليبيين في ساحة الكيش وميدان التحرير بوسط المدينة، مرددين الهتافات التي تطالب بتفعيل قوات الجيش والشرطة وحل كتائب الثوار المسلحة.

وتعبيرا عن فقدان الثقة بالسلطات الليبية وخاصة المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الذي يعتبر أعلى هيئة سياسية في البلاد هتف المتظاهرون قائلين: «يا مؤتمرنا صباحنا بنغازي ومساءنا بنغانستان»، على وزن أفغانستان.

كما حملت هتافات المتظاهرين انتقادات علنية للمفتي الصادق الغرياني حيث هتفوا قائلين: «وينك وينك يالغرياني، بنغازي من الموت تعاني».

وكان المفتي قد نصح أهالي بنغازي بعدم تلبية الدعوات والخروج في المظاهرات، معتبرا أن هذه الدعوات تهدف إلى تأجيج الموقف وإشعال فتنة يصعب إطفاؤها. وقال رياض الشهيبي مسؤول المركز الإعلامي للقوات الخاصة بالجيش الليبي لـ«الشرق الأوسط» من بنغازي عبر الهاتف إن «المظاهرة التي حملت عنوان (بنغازي لن تموت) جاءت للمطالبة بالجيش والشرطة والقصاص من الجناة الذين اغتالوا أبناء بنغازي»، مشيرا إلى أن الشعب غاضب على اللواء يوسف المنقوش رئيس الأركان ويقول إنه متواطئ مع الميليشيات ولا يريد تكوين جيش وطني.

وأضاف الشهيبي أن «عدد المتظاهرين كان خياليا كأنها ثورة من جديد، كل الطوائف مجتمعة تحت مظلة المطالبة بإصدار قانون العزل السياسي لكل من أفسد الحياة السياسية على مدى سنوات حكم الطاغية القذافي»، معتبرا أن أهالي بنغازي خرجوا في مظاهرة سلمية وراقية لإيصال صوتهم لمن يفرضون أنفسهم كأوصياء على بنغازي، على حد قوله. وتابع أن «قوات الأمن يعني الشرطة والجيش موجودة وسط الشعب ويطالبون بنفس حقوقهم، مطالبنا مشروعة وتطالب بها تقريبا كل النخب من كافة أهالي بنغازي سواء رجال جيش أو شرطة أو نشطاء أو إعلاميون، بالإضافة إلى الكثير من المواطنين».

وفي محاولة لتفادي سيناريو الاعتداء على مقرات أمنية أو كتائب الثوار التي تثير غضب رجل الشارع العادي في بنغازي، استبقت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي مظاهرات الأمس بإعلان أنها في تعاون وتنسيق مستمر مع وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية التابعة لها بشأن ما تشهده بنغازي من بعض الخروقات الأمنية والحراك الشعبي الذي يطالب بتوفير الأمن والأمان.

وأوضحت رئاسة الأركان العامة في بيان بثته وكالة الأنباء الرسمية أنه إشارة إلى طلب وزارة الداخلية ببيان كتائب الثوار التابعة لرئاسة الأركان العامة في نطاق منطقة بنغازي، فإن قوة الثوار المنضمة إلى رئاسة الأركان العامة ضمن برنامج «درع ليبيا» في نطاق منطقة بنغازي تتكون من درع ليبيا القوة واحد ودرع ليبيا القوة 2، و3 ودرع ليبيا القوة 7، بالإضافة إلى جهاز الأمن الوقائي في بنغازي.

وأكدت رئاسة الأركان أنها تعمل بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة وهيئة شؤون المحاربين ليل نهار على استيعاب الثوار ضمن كافة مؤسسات ومرافق الدولة لتوفير العمل المناسب لهم وتعمل على إعادة بناء الجيش الليبي كما يريده الشعب. وتزامن البيان مع تأكيدات للدكتور عوض البرعصي نائب رئيس الوزراء الانتقالي أن حكومته تدعم إدماج الثوار في مؤسسات الدولة سواء كانت الشرطة أو الجيش، مضيفا: «بالتالي تطلب (الحكومة) من كل الكتائب الموجودة أن تنضم إلى هذه المؤسسات، وأن أي كتيبة غير شرعية لا بد أن تحل بحيث لا يكون لدينا أي كتائب غير شرعية في المرحلة القادمة».

واعتبر البرعصي أن الحكومة التي لم يمض على تشكيلها وقت طويل قد حققت بعض الإنجازات كالتعامل مع كل الأزمات بسرعة كبيرة، مشيرا إلى رصد ميزانيات لكل المدن وأخرى للطوارئ للمجالس المحلية.

كما أعلن البرعصي في مؤتمر صحافي عقده بالعاصمة الليبية طرابلس أنه سيتم تقديم قانون العدالة الانتقالية للمؤتمر الوطني العام هذا الأسبوع للاعتماد، بالإضافة إلى مشروع تجريم التعذيب والإخفاء القسري.

من جهة أخرى، كشفت مصادر حكومية ليبية عن اجتماع موسع عقد أول من أمس بمقر رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي بطرابلس ضم كبار قادة الجيش والشرطة بهدف بحث الرؤية المستقبلية لبناء الجيش الليبي الحديث.