رواتب مغرية لفريق حماية جواسيس «سي آي إيه»

«مجموعة الاستجابة» تشكلت بعد 11 سبتمبر ودورها الخفي بدأ يبرز بعد هجوم بنغازي

المتعاقد السابق مع «سي آي إيه» ريموند ديفيس (يمين) ومحاميه، أثناء دخولهما محكمة في كولورادو في 4 أكتوبر 2011
TT

كشف الانهيار السريع لمقر البعثة الدبلوماسية الأميركية في ليبيا عن المخاطر التي تهدد المنشآت التابعة لوزارة الخارجية الأميركية بالخارج. غير أن قدرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) على صد هجوم ثان في الليلة نفسها أعطى لمحة عن عنصر أساسي في الترسانة الدفاعية للوكالة، ألا وهو قوة أمن سرية تم تشكيلها بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2011.

وكان اثنان من الأميركيين الذين قتلوا في بنغازي عضوين في «فريق الاستجابة العالمي» التابع لوكالة «سي آي إيه»، وهو عبارة عن فريق قام بتجنيد مئات من ضباط القوات الخاصة الأميركية السابقين للعمل كحرس مسلحين لجواسيس الوكالة. وقد شكل «فريق الاستجابة العالمي» ليبقى في الخفاء، يقوم بتدريب الفرق على العمل بشكل سري وتوفير جدار أمني لضباط وكالة «سي آي إيه» في المواقع المعرضة لمخاطر جسيمة. غير أن سلسلة من الحوادث المميتة التي وقعت على مدار الأعوام الأربعة الماضية قد سلطت الضوء على الدور المتنامي لـ«فريق الاستجابة العالمي»، إضافة إلى وضعه الجديد كأحد أخطر فرق المهام.

ومن ضمن 14 موظفا في وكالة «سي آي إيه» قتلوا منذ عام 2009، عمل خمسة لحساب «فريق الاستجابة العالمي»، جميعهم كمتعاقدين. وضمنهم أيضا اثنان قتلا في بنغازي، إضافة إلى ثلاثة آخرين كانوا في مدى الانفجار الذي حدث يوم 31 ديسمبر (كانون الأول)، حينما قام عميل مزدوج أردني بتفجير انتحاري في مجمع تابع لوكالة «سي آي إيه» في خوست بأفغانستان. علاوة على ذلك، فقد شارك متعاقدون تابعون لـ «فريق الاستجابة العالمي» في عمليات تبادل لإطلاق النار راح ضحيتها مواطنون أجانب فقط، بينهم شخص أثار أزمة دبلوماسية. وأثناء عمله لحساب وكالة «سي آي إيه»، احتجز ريموند ديفيس لأسابيع في باكستان العام الماضي بعد مقتل رجلين في ما وصفه بمحاولة سطو مسلحة حدثت في لاهور. ويعتبر الدور الواضح بشكل متزايد لـ«فريق الاستجابة العالمي» جزءا من توسيع أكبر لنطاق الإمكانات شبه العسكرية لوكالة «سي آي إيه» خلال الأعوام العشرة أعوام الماضية. وبعيدا عن تعيين فرق كوماندوز عسكرية أميركية سابقة، تعاونت الوكالة مع فرق العمليات الخاصة في عمليات، من بينها الغارة التي أودت بحياة أسامة بن لادن وآلاف المسلحين الإسلاميين والمدنيين بأسطولها من الطائرات المسلحة.

وقال ضباط محنكون بوكالة «سي آي إيه» إن «فرق الاستجابة العالمية» قد أصبحت عنصرا مهما في أنشطة الجاسوسية التقليدية، حيث تقدم الحماية لضباط المخابرات الذين تحمل مهامهم في مجال مكافحة الإرهاب مستوى من الخطورة قلما صاحب مواجهات الحرب الباردة التي ميزها الغدر والخيانة والتآمر. ودائما ما كان يتطلب العمل في مجال الجاسوسية التسلل بشكل فردي عبر المدن في شرق أوروبا. والآن، باتت «الاستخبارات البشرية السرية تشمل الظهور في سيارة من طراز «لاند كروزر» مع بعض أفراد سابقين من قوات «الدلتا» أو قوات البحرية واعتقال شخص مهم، ثم التخلص منه بعد انتهاء المهمة المطلوبة»، حسبما قال ضابط سابق بوكالة «سي آي إيه» عمل عن كثب مع المجموعة الأمنية بالخارج. لقد أصبحت تفاصيل قوات الحراسة مهمة جدا في أعمال التجسس إلى حد أن وكالة «سي آي إيه» أعادت تصميم برنامجها في «ذا فارم» - أكاديمية ضباط الاستخبارات التابعة لها في جنوبي فيرجينيا - لتعليم الجواسيس أساسيات العمل مع «فرق الاستجابة العالمية». ويعتمد الجهاز الأمني بكثافة على المتعاقدين الأمنيين الذين يجذبهم الراتب المرتفع نسبيا وجداول العمل المرنة التي تمنحهم إجازة تمتد لعدة أشهر سنويا. وفي المقابل، اتفقوا على مهام عالية المخاطر في أماكن مثل بنغازي، وتركت لهم مهمة اتخاذ التدابير اللازمة بأنفسهم، مثل إيجاد تأمين صحي وتأمين على الحياة.

وذكر مسؤولون استخباراتيون أميركيون حاليون وسابقون أن «فريق الاستجابة العالمي» لديه 125 موظفا يعملون بالخارج في أي فترة محددة، مع العديد من الدورات التدريبية المتناوبة وفترات الإجازة في الولايات المتحدة.

إن نصف الموظفين على الأقل متعاقدون، ويتقاضون في الأغلب راتبا قيمته 140 ألف دولار أو أكثر كل عام، ويضطلعون بمهام تمتد من 90 إلى 120 يوما بالخارج. أما الضباط العاملون بنظام الدوام الكامل بفريق الاستجابة - هؤلاء الذين يعتبرون موظفين دائمين بوكالة «سي آي إيه» - فيتقاضون راتبا أقل نسبيا، لكنهم يحصلون على علاوات، وعادة ما تحدد لهم أدوار إشرافية.

ويعد العمل مربحا بالدرجة الكافية إلى حد أن التعيين يتم في الأغلب شفهيا، على حد قول مسؤول استخباراتي أميركي سابق. وغالبا ما يكون المرشحون أفرادا من وحدات القوات الخاصة الأميركية ممن قد تقاعدوا للتو أو جنودا محنكين بفرق الأسلحة الخاصة والتكتيكات «سوات».

وعلى الرغم من إنشاء الوكالة الفريق في الأساس لحماية الضباط في مناطق الحرب مثل العراق وأفغانستان، فقد تم توسيع مهامه لتشمل حماية قواعد الطائرات من دون طيار السرية ومنشآت وضباط وكالة «سي آي إيه» في دول مثل اليمن ولبنان وجيبوتي. وتقدم وحدات النخبة في الفريق، في بعض الأحيان، الحماية الأمنية لمسؤولين من وكالات أخرى تشمل فرق وكالة الأمن القومي الذين يقومون بزرع أجهزة استشعار أو معدات تنصت في مناطق الصراع، بحسب عميل خاص سابق. أما الأفراد الأكثر مهارة منهم فيعرفون بصورة غير رسمية بالعقارب. وقال مسؤول سابق في الاستخبارات الأميركية «إنهم لا يتعلمون اللغات، ولا يقابلون جنسيات أجنبية، ولا يكتبون تقارير استخباراتية. ومهمتهم الأساسية تتلخص في رسم طرق الهروب من أماكن الالتقاء والتواصل بشكل جيد مع المخبرين وتقديم غطاء أمني»، وعلى الرغم من كل ذلك فهم يعلمون أنه «إذا تأزم الموقف فسوف يضطرون إلى إطلاق النار».

العواقب في هذه الحالات ستكون وخيمة، ولا يزال المسؤولون السابقون في وكالة «سي آي إيه» الذين عملوا مع فريق الاستجابة غير مصدقين لعدم قدرة ديفيس على تفادي الأسر إضافة إلى قراره لفتح النار في وسط شارع مزدحم في باكستان. وقال المتعاقد الأمني السابق الذي لم يرد على أسئلة بالتعليق إنه كان يقوم بعمل «التعرف على منطقة» أساسية، وهو ما يعني أنه كان يتعرف على المنطقة المحيطة به ويقوم برسم مسارات الهرب المحتملة، عندما واجهه باكستانيان على دراجة نارية. وأصبح ديفيس حبيس المكان، وأثار اعتقاله مأزقا دبلوماسيا بين حليفين تشوب علاقتهما التوتر في القتال ضد الإرهاب.

وقد وجهت إلى وكالة «سي آي إيه» انتقادات شديدة للحماقات التي ارتكبها ديفيس، لتسببه في تعليق حملة الطائرات من دون طيار بشكل مؤقت في باكستان إلى أن دفعت الحكومة الأميركية تعويضا لعائلات الرجلين اللذين قتلهما ديفيس لتأمين إطلاق سراحه. وفي المقابل وُجه الثناء إلى وحدات وكالة الاستخبارات الأميركية، رغم كونه غير مباشر، في تقرير نشر الأسبوع الماضي وانتقد بشدة الأخطاء الأمنية لوزارة الخارجية التي أدت إلى وفاة أربعة أميركيين في ليبيا قبل ثلاثة أشهر. وكان «فريق الاستجابة» قد توجه على عجل إلى مجمع وزارة الخارجية المحترق في بنغازي في محاولة لإنقاذ الدبلوماسيين الأميركيين، ثم أخلوا الناجين إلى موقع قريب لوكالة الاستخبارات المركزية الذي تعرض للهجوم أيضا. ولقي اثنان من المتعاقدين مع الفريق الذين اتخذوا مواقعهم على سطح المبنى بقذائف الهاون.

وكان من بين القتلى غلين دوهرتي، متعاقد ضمن الفريق في مهمته الثانية مع الوكالة في ليبيا والذي خدم في نحو عشرة أماكن أخرى، منها مكسيكو، بحسب أخته كاثلين كويغلي. وقالت كويغلي في مقابلة «هل كان مدركا للمخاطر؟ بكل تأكيد». لكنها أشارت إلى أنه لم يكن هناك لحماية السفارة، فقد كان هناك لاستعادة «فريق الاستجابة»، وهو ما يعني أنه يوفر الأمن لفرق وكالة الاستخبارات التي تتعقب المخزون الليبي من قذائف «آر بي جي». وأضافت كويغلي أن دوهرتي قبل العمل في وكالة الاستخبارات براتب وإجازات طويلة والفرصة لمواصلة خدمة الحكومة الأميركية في الخارج.

وعندما توفي دوهرتي ترك ديونا شملت قروضا لشراء منزلين في كاليفورنيا. ولم يكن لديه تأمين على الحياة. وقال مسؤولو وكالة الاستخبارات لعائلة دوهرتي إنهم قدموا توصيات للشركات الراغبة في تمويل هذه السياسات، لكن تغطية الوكالة لا تمنح للمتعاقدين. ولم تنتقد كويغلي الوكالة، لكنها أضافت «من المؤسف لشخص كهذا أن يموت ولا يتم تعويضه على ذلك، عدا الكثير من الدين». وقد رفضت وكالة الاستخبارات المركزية التعليق.

وقالت كويغلي إن عائلتها أنشأت مؤسسة باسم دوهرتي لمساعدة العائلات الأخرى من أبناء قوات العمليات الخاصة الحاليين والسابقين الذين قتلوا. وتقوم مؤسسة مستقلة بمهمة مماثلة لعائلات ضباط الوكالة الذين قتلوا. وتدفع «مؤسسة سي آي إيه ميموريال» بدفع مصاريف الكليات لأبناء ضباط وكالة الاستخبارات الذين قتلوا، وبدأت مؤخرا في تقديم إعانات تقدر بنحو خمسة آلاف دولار إلى العائلات للمساعدة في دفع نفقات الجنازة.

وقال جيري كوميسار، ضابط سابق بوكالة الاستخبارات ويشغل منصب رئيس المؤسسة، إن المؤسسة تدفع الأقساط الدراسية ونفقات أخرى لـ28 فردا من أبناء موظفي الوكالة الذين قتلوا، و77 فردا إضافيا مؤهلين عند بلوغهم سن الكلية. وقد تزايدت التزامات المؤسسة في الشهور الأخيرة، وهي الزيادة التي تأتي نتيجة لأكثر الهجمات دموية منذ الهجوم في خوست. وبعد مقتل دوهرتي وتايرون وودز في بنغازي قتل ثلاثة ضباط آخرين تابعين للوكالة، جميعهم من العاملين في الفريق، في أفغانستان.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»