المالكي يلتقي رموز السنة للتهدئة.. ومجلس محافظة نينوى يعلن الإضراب العام

5 مطالب لمتظاهري الأنبار.. والنجيفي يحذر الحكومة من استمرار «صناعة الأزمات»

عراقي يطبخ الهريس في أحد شوارع حي الكرادة ببغداد لتوزيعه على زوار «أربعينية الحسين» الذين يسيرون هذه الأيام على الأقدام حتى كربلاء لإحياء الذكرى (أ.ف.ب)
TT

في تصعيد جديد للأزمة بين المحافظات ذات الأغلبية السنية وبين حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أعلن مجلس محافظة نينوى (الموصل) أمس عن البدء بإضراب عام في دوائر الدولة تضامنا مع المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع في محافظة الأنبار ونينوى على خلفية أزمة اعتقال عناصر حماية وزير المالية رافع العيساوي. وبدوره سعى المالكي إلى التهدئة عبر عقد لقاء مع وجهاء ورموز من السنة في العراق، على رأسهم مفتي أهل السنة حيث وصف بعض مطالب المتظاهرين بـ«المشروعة»، ووعد بمتابعتها بنفسه. وبدوره حذر رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، ضمنيا، الحكومة من استمرار «صناعة الأزمات» في البلاد.

وشهدت محافظة الأنبار ومحافظات أخرى ذات أغلبية سنية مظاهرات حاشدة، وصلت ذروتها الجمعة الماضية، طالبت حكومة المالكي بإشراك السنة في صناعة القرار السياسي في البلاد وإلغاء قانون الإرهاب وإطلاق سراح المعتقلات، وذلك بعد الشرارة التي أحدثها اعتقال حماية العيساوي.

وأعلن مجلس محافظة نينوى، مركزها الموصل، أمس عن البدء بإضراب عام في دوائر الدولة باستثناء دوائر الصحة والبلدية تضامنا مع المتظاهرين. وقال رئيس المجلس جبر عبد ربه في مؤتمر صحافي عقده في مبنى مجلس المحافظة إن «مجلس محافظة نينوى بدأ إضرابا عاما في دوائر الدولة باستثناء دوائر الصحة والبلدية تضامنا مع المتظاهرين».

وكان مجلس محافظة نينوى أعلن عن تعليق عقد جلساته لمدة 72 ساعة تضامنا مع المتظاهرين، مهددا بتقديم استقالته في حال لم تنفذ الحكومة مطالبهم. وخرج الآلاف من أبناء مدينة الموصل، أول من أمس (الجمعة) بمظاهرة شارك فيها محافظ نينوى أثيل النجيفي وعدد من أعضاء مجلس المحافظة تضامنا مع مظاهرة الأنبار وللمطالبة بإطلاق سراح السجينات والمعتقلين وتغيير مسار الحكومة.

ومن جانبه قال المالكي، في بيان صدر أمس على هامش استقباله وفدا يضم عددا من علماء الدين والوجهاء، على رأسهم مفتي أهل السنة مهدي الصميدعي، إن «بعض مطالب المتظاهرين مشروعة» ووعد بمتابعتها بنفسه، إلا أنه حذر من جر البلاد إلى «ما لا تحمد عقباه» من قبل «المتطرفين وأصحاب النوايا الخبيثة».

وقال المالكي إن «بعض مطالب المتظاهرين مشروعة، وسأتابع تنفيذها بنفسي وخاصة التي تتعلق بقضايا المعتقلين والنساء».

ودعا المالكي العلماء إلى «تشكيل لجنة تضم إضافة لهم عددا من القضاة لتحري السجون والمعتقلات وتأشير مواطن الخلل ليقوموا هم بإصلاحها فورا»، مشددا على ضرورة «تكاتف جميع العراقيين لتفويت الفرصة على االمتربصين بالعراق وأهله».

وأكد المالكي أن «على المعتدلين والعقلاء وعلماء الدين ورؤساء العشائر وكل القوى الخيرة أن لا يدعوا مجالا للمتطرفين وأصحاب النوايا الخبيثة»، محذرا من «جر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه من قبل هؤلاء».

وفي غضون ذلك، حمل رئيس البرلمان العراقي، أسامة النجيفي، في بيان الحكومة العراقية ضمنيا ما سماه بـ«صناعة الأزمات» في العراق، وقال: «يصر البعض على اقتراف أخطاء تحمل في أحشائها أخطارا جمة نتيجة سوء استخدام السلطة واللجوء إلى صناعة الأزمات». وأضاف النجيفي طبقا للبيان الذي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه أن هناك من يريد بدء «حقبة من التهميش والتغييب وعودة إلى بداية الطريق بدلا من تأمين مستقبل زاهر لأبنائهم عبر دولة تحمي الجميع، وتكفل الحقوق دون تمييز وتفريق، وتؤكد على الشراكة الحقيقية بين جميع الفرقاء لا شراكة الشعارات لغرض الدعاية والتضليل».

واعتبر النجيفي أن «كثيرا من السجناء والمعتقلين لم تجر محاكمتهم ولم توجه تهم لهم في ظل انتهاكات جسيمة من خلال الاستخدام المفرط للعنف والتعذيب ضد الأشخاص، لا سيما النساء منهم في السجون العلنية والسرية»، متهما القضاء بعدم النهوض بواجباته الصحيحة.

وأكد النجيفي أن «اللجوء إلى التظاهر يؤكد أن الشعب فقد ثقته في قدرة الحكومة على احتواء تطلعاته، مما أدى إلى بروز أزمة ثقة كبيرة بينها وبين الشعب». ودعا إلى احترام «مطالب المتظاهرين وأن نبلغها مرادها بروح جماعية بعيدا عن مكاييل الطائفية والعرق والحزب والفئة».

كما دعا النجيفي المتظاهرين إلى الالتزام بما كفله الدستور من حقوق في التظاهر وفي الوقت نفسه دعا قوات الجيش والشرطة أن تظهر أكبر قدر من الاحترام للحريات الشخصية والعامة.

وكان رئيس مؤتمر أهل العراق الشيخ أحمد أبو ريشة قد أعلن أمس أن وزير الدفاع «وكالة» سعدون الدليمي «تسلم مطالب المتظاهرين من قبل شيوخ العشائر وممثلين عن أغلب المحافظات». وأضاف أبو ريشة إن «خمسة مطالب أساسية، سلمت لممثل الحكومة الاتحادية، الذي وعد أنه سيسلمها لرئيس الوزراء نوري المالكي والرد عليها بأسرع وقت». وأشار إلى أن المطالب شملت إطلاق سراح المعتقلين الأبرياء والمعتقلات ومحاسبة من أساء لهن بأي شكل من الأشكال إعادة التوازن في المؤسسات الحكومية، إنهاء حالة الإقصاء والتهميش التي تعرض لها أهل السنة، احترام عقيدة السنة والكف عن استفزازهم، إغلاق ملف استهداف رموز السنة وممثليهم المنتخبين دستوريا. وعلى الصعيد نفسه، دعا زعيم كتلة الحل المنضوية في القائمة العراقية جمال الكربولي في بيان له أن الحل يكمن في «إقرار قانون العفو العام وإصلاح إجراءات السلطة القضائية وإطلاق سراح المعتقلين وصيانة كرامة المعتقلات أصبح ضرورة ملحة لتجاوز الأزمة السياسية الراهنة والسبيل الوحيد لفض احتقان الشارع العراقي»، مطالبا الحكومة العراقية بالبدء في إجراء إصلاحات سياسية فعلية وواقعية ملموسة على الأرض يستشعر بها المواطن العراقي.

وأكد الكربولي على ضرورة أن تجري هذه الإصلاحات «بعيدا عن المزايدات السياسية والدعايات الانتخابية والمكاسب الحزبية التي لم تقدم للمواطن أي خدمة ملموسة، بل زادت في تعطيل حياته اليومية وأثرت بشكل سلبي وكبير على مستواه المعيشي». ودعا رئيس المكتب السياسي للحركة «جميع الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة العراقية والعملية السياسية اللجوء إلى الحوار وإعادة تجسير روابط الثقة وعدم اللجوء للخطاب المتشنج أو التعنت السياسي أو فسح المجال أمام التدخلات الخارجية».

وشدد الكربولي على ضرورة «الاستفادة من الدعوات والمبادرات الوطنية السياسية والدينية للخروج من عنق الزجاجة والحفاظ على وحدة العراق أرضا وشعبا، بعيدا عن المكاسب السياسية والحزبية والانتخابية الضيقة».

من جهته أكد عضو البرلمان العراقي عن القائمة العراقية زياد الذرب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «من المعيب اختزال النظر إلى المظاهرات الجارية في مدن الأنبار وعدد من المدن الغربية الأخرى بقضية اعتقال حماية الدكتور رافع العيساوي، أو من خلال بعض الشعارات والهتافات ذات الصبغة الطائفية المرفوضة بالنسبة لنا جملة وتفصيلا دون النظر إلى جوهرها وحقيقتها». وأضاف الذرب أن «المناطق الغربية من البلاد انتفضت لأن كثيرا من الظلم قد مورس ضدها خلال السنوات الماضية وبالتالي أصبحت وكأنها في سجن كبير».

وأوضح أن «المطالب عادلة وتحتاج إلى معالجة من قبل الحكومة والقوى السياسية لأن الاكتفاء بمشاهدة ما يجري يمكن أن يؤدي إلى اختناق أكبر وربما إلى ما لا يحمد عقباه». وأشار إلى أن «هناك حقائق لم تعد خافية على أحد على صعيد الانتهاكات والاعتقالات والتعذيب، وهي أمور لم يعد ممكنا السكوت عليها تحت أية ذريعة وعلى الجميع الانتباه إلى ذلك، لا سيما أننا نعيش الآن مرحلة فارقة في تاريخنا وأن المنطقة كلها تمر في ظرف عصيب وتحولات غير مسبوقة مما يتطلب الحذر واليقظة ومعالجة المشاكل والأزمات بشكل حقيقي ومخلص».