المشهد الثقافي المصري في خندق «اللحظة الخطرة»

افتتاح حزين لمهرجان القاهرة السينمائي

TT

خيم الواقع السياسي المضطرب في البلاد على المشهد الثقافي المصري خلال عام 2012، ووضعه في خانة «حراك اللحظة الخطرة»، وهي لحظة ضبابية منطمسة الرؤى والملامح. فما تزال شعارات الثورة التي طالبت بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية تصارع من أجل التحقق على أرض الواقع، وتواجه تعنتا ومقاومة من قبل مؤسسات وقوى سياسية تسعى لـ«اغتيال» الثورة وحرية الإبداع تحت مظلة شرعية سياسية وقانونية ملتبسة ومعقدة تكرس للاستبداد، تتماهى مع جوهر النظام البائد، وقد نجحت في تمرير دستور معيب يفتقد أبسط قواعد الاتفاق الوطني باعتباره يمثل العقد الاجتماعي للبلاد، بحسب معظم المراقبين.

وسط هذا الواقع، وتهديدات وصلت إلى حد القتل يتعرض لها رموز من الكتاب والمفكرين والمبدعين، وتصريحات تحط من شأنهم بالسب والشتم، ودعوات لتكميم الأفواه وسلب الحريات من قبل جماعات الإسلام السياسي، لا يمكن الحديث عن ثقافة بالمعنى الحقيقي في مصر الآن.. الثقافة مؤجلة ومعطلة ومختطفة بـ«فعل فاعل»، وقصارى جهدها أن تقف في خندق الثوار والقوى السياسية المعارضة من أجل منع هيمنة جماعة الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية المتشددة على مفاصل الدولة.

في إطار تلك اللحظة الخطرة يمكن أن نتأمل المشهد الثقافي المصري بوصفه «مشهد أزمة»، يراوح بين القبول بسياسة الأمر الواقع وترك وتيرة التغيير وإعادة ترتيب الأشياء لمصادفة الزمن والظروف، وبين الرفض وعدم الإذعان والدفاع عن كينونته المهددة، وهو ما بدأ يتحقق على أرض الواقع في تشكيلات وتكتلات مناهضة، استطاعت أن تلم شتات المثقفين والمبدعين تحت مظلة واحدة، كان من أبرز هذا التكتلات «جبهة الدفاع عن الإبداع» التي ضمت كل أطياف العمل الثقافي، ونظمت مؤتمرات ووقفات احتجاجية كان لها صدى في الواقع.

لكن خوف المثقفين المصريين يتسع حين يلتفتون قليلا إلى الوراء ويجدون في ذاكرتهم أن أيدي متعصبين من هذا التيار، الذي استشرى حاليا على الساحة بأقنعة شرعية مراوغة، كان وراء محاولة اغتيال مؤسس الرواية العربية الحديثة نجيب محفوظ أمام منزله على يد شاب متطرف دينيا، مدفوعا بفتاوى تكفير كثيرة، ظلت تتوالى منذ أصدر محفوظ روايته «أولاد حارتنا» في عام 1959، وحتى حصوله على جائزة نوبل في عام 1988، وهي التي اغتالت المفكر المؤثر الدكتور فرج فودة في عام 1992 وهو خارج من مكتبه بصحبة ولده الصغير وأحد أصحابه.