العالم في 2012: فرنسا 2012.. هولاند يعيد الاشتراكيين إلى قصر الإليزيه وسياساته تدفع الأثرياء إلى الفراديس الضريبية

الاستمرارية تغلب على الدبلوماسية.. وإنجازه الخارجي الأول التصالح مع الجزائر

فرنسوا هولاند يحتسي قهوته في إحدى الضيعات الفرنسية أثناء جولة قام بها خلال حملته الانتخابية (أ.ف.ب)
TT

الحدث الأبرز في فرنسا لعام 2012 هو بلا منازع انتخاب الاشتراكي فرنسوا هولاند رئيسا للجمهورية يوم 6 مايو (أيار) ليكون بذلك أول رئيس يساري يدخل قصر الإليزيه بعد 31 عاما على انتخاب سلفه، الاشتراكي الآخر، فرنسوا ميتران للمنصب نفسه في 6 مايو عام 1981. هولاند أخذ الكثير عن معلمه الأول: وعوده الانتخابية، وحنكته السياسية وقدرته على تخطي الصعاب وتكذيب استطلاعات الرأي العام وتهكمات المعلقين السياسيين. هولاند كذب تنبؤات رفاقه في الحزب الاشتراكي بداية ففاز في الانتخابات التمهيدية ليكون مرشح الحزب الرسمي. ولم يحل دون تسميته كونه لم يشغل سابقا أي مقعد وزاري أو أن خبرته في المسائل الدولية محدودة للغاية أو أنه ينافس رئيسا يمينيا يتسم بالدينامية والقدرة على المناورة والحركة فريدة من نوعها. هولاند الاشتراكي انتفع من كون أكثرية الناخبين الفرنسيين «تعبت» من الرئيس ساركوزي ومن أسلوبه في الحياة والحكم وتحكمه بكل شاردة وواردة ورغبت في سياسة أخرى تكون أكثر ملاءمة للطبقات الوسطى والشعبية وأقل يمينية إن في «مسايرة» الطبقة الميسورة أو في تبني طروحات أرباب العمل التي تريد تحرير سوق العمل وتليين القوانين التي تتحكم بها فضلا عن ابتعادها عن الخط الآيديولوجي المتشدد لساركوزي كما برز في حملته الانتخابية إزاء ظاهرة الهجرة والأجانب والإسلام والتشدد الأمني. غير أن هولاند وجد الحظ إلى جانبه عندما اضطر رئيس صندوق النقد الدولي دومينيك ستروس - كان إلى الانسحاب من الحياة السياسية بسبب فضيحة ما يسمى «فندق سوفياتيل» في نيويورك يوم 14 مايو من عام 2011 حيث اتهمت عاملة الغرف نفيسة ديالو ستروس - كان باغتصابها. ولم ينس الفرنسيون صورة وزير الاقتصاد السابق وأحد ألمع اقتصاديي عصره خارجا من مركز الشرطة في حي هارلم في نيويورك مكبل اليدين ويقوده رجلا شرطة إلى سيارة خدمة من أجل نقله إلى مقر المحكمة ومنه إلى السجن. والحقيقة أن أحدا لم يعرف بالضبط ما حصل خلال أقل من عشر دقائق بين ستروس - كان ونفيسة ديالو.. الأول ما زال ينفي بشدة اتهام الاغتصاب والثانية مصرة على تأكيده. وبما أن مدعي عام نيويورك سحب الدعوى بسبب ماضي ديالو وكذبها المتكرر على الإدارة الأميركية ومصلحة الهجرة وبفعل ضغوط فريق محامي الوزير الفرنسي السابق، فإن المحاكمة الجزائية لم تجر. كذلك فإن المحاكمة «المدنية» هي الأخرى قطعت بفضل الاتفاق بين محامي الطرفين على تسوية الأمور «حبيا». ورغم أن الاتفاق الذي وقع رسميا يوم 10 ديسمبر (كانون الأول) الماضي في المحكمة المدنية في حي «برونكس» في نيويورك، بقي سريا وفق منطوق القانون، فإن الصحافة الفرنسية أكدت أن ستروس - كان دفع ستة ملايين دولار تعويضات «عطل وضرر» للمرأة السوداء المولودة في غينيا قبل 33 عاما من أجل وضع حد لأي ملاحقة قانونية بحقه في الولايات المتحدة الأميركية. بيد أن ستروس - كان الذي تخلت عنه امرأته الصحافية المعروفة آن سان كلير، ما زال ملاحقا في فرنسا بسبب فصول حياته الخاصة واتهامات له بـ«تسهيل ممارسة الدعارة».

اتهامات بالغش

* كان ستروس - كان أحد أبرز المرشحين الاشتراكيين المحتملين للرئاسة. ولا شك أن خروجه المبكر من السباق فتح الباب واسعا أمام الرئيس هولاند وضاعف من حظوظه ليكون مرشح الحزب الاشتراكي ولاحقا رئيسا للجمهورية. ومثلما كان منتظرا، فتح انتخابه الباب للاشتراكيين واليسار ليفوزوا بالانتخابات التشريعية وبذلك يكون اليسار قد وضع يده على كافة مقاليد القيادة في البلاد حيث يسيطر على السلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية والحكومة) والتشريعية (بمجلسيها النواب والشيوخ) وعلى الأكثرية الساحقة من المجالس المحلية. وبذلك من المرجح أن يدخل الرئيس السابق نيكولا ساركوزي التاريخ لكونه ثاني رئيس جمهورية (بعد فاليري جيسكار ديستان) يفشل في تجديد ولايته في قصر الإليزيه. ومع هزيمة ساركوزي هزم اليمين الفرنسي الكلاسيكي سياسيا وآيديولوجيا وما زال حتى الآن يعاني من تبعات أزمة داخلية أبرز تجلياتها المنافسة القاتلة بين رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون وأمين عام حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية جان فرنسوا كوبيه (الحزب الرئاسي السابق) على ترؤس الحزب. الطرفان تبادلا اتهامات الغش والخداع في الانتخابات الداخلية التي يقول كل فريق إنه فاز فيها. وقبل الطرفان بحل توفيقي يقوم على إجراء الانتخابات «شفافة» ووفق قواعد جديدة، مرة ثانية، في سبتمبر (أيلول) من عام 2013. لكن الحزب مهدد بالانفجار من الداخل بسبب تضارب تياراته وتشتتها بين يمين تقليدي يرنو بعينيه، أكثر فأكثر، نحو طروحات اليمين المتطرف الآيديولوجية في مواضيع الهجرة والإسلام والأجانب والهوية الوطنية وحماية الحدود الذي تتزعمه مارين لوبن. وفي الجانب الآخر، يعتبر أصحاب الخط المعتدل والوسطي أن طروحات الحزب المتطرفة تحيد به عن «الصراط المستقيم».

ولذا، فإن المئات من المحازبين يفرون من المركب الذي يغرق إما صوب اليمين المتطرف حيث يعتبرون أن «الأصل أفضل من التقليد»، وإما نحو حزب الوسط الذي يترأسه الوزير السابق جان لوي بورلو والذي أطلق عليه اسم «اتحاد الديمقراطيين والوسط». ولا يستبعد المراقبون أن تتعمق الانشقاقات داخل حزب ساركوزي. وكان لافتا أن الأخير لم يستطع أن يفرض حلا مقبولا على فيون وكوبيه مما يعني أن هيمنته على الحزب تراجعت كثيرا. ورغم أنه أعلن مساء 6 مايو، أي مساء هزيمته المدوية، أنه يترك الحياة السياسية، فإن الكثيرين يراهنون على عودته إذ يرون فيه «الرجل المنقذ» القادر على إخراج الحزب ومعه اليمين من دوامة الانقسامات والرهانات الفردية.

«رئيس عادي» لأزمة استثنائية طيلة الحملة الانتخابية.. قدم هولاند نفسه على أنه يريد أن يكون «رئيسا عاديا»، أي أن يبقى قريبا من الناس ولا ينعزل في قصر الإليزيه الذي يستخدمه كـ«مكتب» وليس كمقر رئاسي. وما زال هولاند يعود كل مساء إلى «بيته» الذي يسكنه مع رفيقة دربه الصحافية السابقة فاليري تريفيلر التي لم يتزوجها كما أنه لم يتزوج من رفيقة دربه الأولى النائبة والوزيرة السابقة سيغولين رويال. وكأي شخص عادي، عانى هولاند من التنافس بين رفيقتيه الأولى والثانية إن في فرنسا أو في الخارج مما أعاد إلى أذهان الفرنسيين فصولا من حياة ساركوزي وعلاقاته النسائية.. وحتى اليوم ما زال هولاند المقيم في حي عادي يقع في الدائرة الـ15 في باريس يشتري الحاجات المنزلية من خبز وخضار ولحوم وأسماك. وفي تنقلاته الداخلية يفضل استخدام القطار على الطائرة ويتوقف عند الشارات الضوئية الحمراء ويتصرف كرئيس «عادي» وليس كرئيس «عاجي» كما كان يفعل ساركوزي «صديق الأثرياء والأقوياء».

دخل هولاند قصر الإليزيه يوم 15 مايو وفي اليوم التالي سمى جان مارك أيرولت، رئيس مجموعة النواب الاشتراكيين في البرلمان وعمدة مدينة نانت (غرب فرنسا) رئيسا للحكومة. ووفى أيرولت بوعد هولاند بتشكيل حكومة مناصفة بين الرجال والنساء الأمر الذي يحدث للمرة الأولى في فرنسا. كذلك لم يحد هولاند عن الوعد الذي قطعه بأن يترك الحكومة تحكم ورئيسها يتصرف بصفته رئيسا للأكثرية. ومنذ اليوم الأول، عمدت الحكومة إلى اتخاذ مجموعة من التدابير «الرمزية» التي تؤشر إلى مجيء «زمن جديد» كخفض مرتبات رئيس الجمهورية والحكومة والوزراء وزيادة الحد الأدنى للرواتب والإعلان عن إيجاد الآلاف من الوظائف في قطاع التعليم والبدء في بحث خطط لتوفير فرص العمل للشباب وسحب التعاميم الإدارية للشرطة التي تعطيها صلاحيات واسعة للرقابة والتوقيف وطرح مشاريع قوانين اجتماعية أكثر ليبرالية مثل السماح بزواج المثليين وتمكينهم من تبني الأطفال، وغير ذلك من التدابير التي وعد بها المرشح هولاند. غير أن هولاند الرئيس تراجع عن بعض وعود المرشح الاشتراكي وتحديدا لجهة منح حق التصويت في الانتخابات المحلية للأجانب غير الأوروبيين، علما أن هذا التدبير يتردد باستمرار في برنامج اليسار والاشتراكيين على الخصوص. وحجة هولاند أنه لا تتوفر له أكثرية الثلثين في البرلمان لتبني قانون بهذا المعنى كما أنه لا يريد طرحه في استفتاء عام باعتبار أن «النفوس غير مهيأة بعد» في فرنسا.

منذ تسلمه مسؤولياته الرئاسية، لم ينعم هولاند بـ«فترة سماح»، إذ سريعا ما وجد نفسه في مواجهة أزمات اليورو والاقتصاد والبنوك والتسريحات الجماعية وارتفاع أرقام البطالة وتراجع القدرة الشرائية وزيادة العجز والديون وخصوصا صعوبات الحكم. والمشكلة الأخيرة برزت سريعا، إذ إن اليسار أمضى عشر سنوات خارج نعيم السلطة. ومن بين الوزراء الـ34، قلائل من يتمتعون بخبرات وزارية الأمر الذي برز في الأداء اليومي للحكومة والاحتكاكات بين وزرائها وغياب سلطة رئيسها. وسريعا جدا بدأت شعبية هولاند وأيرولت بالتراجع، حيث إنها لا تزيد على الـ30 في المائة إلا القليل، ثم تبين للفرنسيين أن الفريق الجديد ليس جاهزا بعد لقيادة أمور البلاد الأمر الذي عكسته الصحافة الفرنسية بكافة توجهاتها يمينية كانت أو يسارية، فضلا عن أن «الوصفات» التي أعطاها المرشح هولاند لم تبد كافية لمواجهة الموقف كما شخصه الرئيس الاشتراكي. ورغم «صدق» الأخير في تفسير الصعوبات بالإشارة إلى «إرث» اليمين في ارتفاع المديونية وتراجع القوة الشرائية ونسبة النمو وتسارع خطط التسريح، فإن الرأي العام يميل إلى تحميل الحكومة مسؤولية تدهور الأوضاع. ولذا كان على الرئيس الجديد أن يقف موقفا شجاعا في تشخيص الداء وتعيين الدواء وهو ما اضطر إلى القيام به في الأسابيع الأخيرة. وقد ترجم ذلك بزيادة ملموسة للضرائب طالت كافة الشرائح وبخطط لمساعدة المؤسسات والشركات الفرنسية لجهة خفض الرسوم المفروضة عليها وخفض كلفة العمل. وفي الأيام الأخيرة رجحت الصحافة أن يعمد هولاند إلى إجراء تعديل حكومي يتخلص بفضله من الوزراء «غير الأكفاء» أو الذين «يشاكسون» من داخل الحكومة. ومن الأسماء المطروحة دخول سيغولين رويال إليها وتوليها حقيبة العدل.

من بين كل تدابير الحكومة الجديدة التي أثارت اللغط احتل قرار هولاند فرض ضريبة تصل إلى 75 في المائة على العائدات التي تزيد على المليون يورو في العام المرتبة الأولى. وكان من الطبيعي أن ينتقده اتحاد أرباب العمل بقوة وأن تتهم رئيسته لورانس باريزو الحكومة بـ«إعلان الحرب على الأغنياء»، محذرة من هجرة رؤوس الأموال الوطنية وتراجع الاستثمارات الأجنبية. وجاء الجدل بين الممثل الفرنسي الشهير جيرار ديبارديو ورئيس الحكومة ليظهر الهوة الكبيرة القائمة مع الحكومة. وسارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليؤكد أنه جاهز لاستقبال ديبارديو ولتزويده بجواز سفر روسي. وبحسب تقارير اقتصادية فرنسية، فإن العشرات من الأثرياء فضلوا «الهجرة» إما إلى بلجيكا كما فعل ديبارديو وقبله الصناعي الفرنسي الشهير برنار أرنو وإما إلى سويسرا ولوكسمبورغ وجزر جيرسي وغيرنسي وليشنشتاين وغيرها من الفراديس الضرائبية. وذهب مصمم الأزياء الألماني كارل لاغارفيلد إلى وصف هولاند بـ«الغباء» بينما توجه ديبارديو إلى رئيس الحكومة قائلا له: «من أنت حتى تحكم عليّ بأنني سافل؟!».

سياسة فرنسا الخارجية

* بينت في الأشهر السبعة المنقضية أن أوضاع فرنسا وأوروبا والعالم تستوجب رئيسا «غير عادي» لمواجهة الأزمة الاستثنائية الداخلية والأوروبية على السواء. ومن هذه الزاوية، تبدو العلاقة بين باريس وبرلين محورية. لكن المشكلة أن التفاهم السابق بين ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لم ينسحب على العلاقة مع هولاند لأسباب تتعلق بشخصية الأخير ولتوجهاته الاقتصادية. وفي بدايتها، ظهر الاختلاف في المقاربة بين المسؤولين. غير أنهما نجحا شيئا فشيئا في الاعتياد على العمل معا والتصديق على الاتفاق الأوروبي الجماعي حول ما يسمى «القاعدة الذهبية» في شهر يونيو (حزيران) الماضي الذي لحظ في ملحقاته بند خاص بـ«الاتفاق حول النمو» في أوروبا. لكن التدابير التي أقرت لم تبرز في الميزانية الأوروبية لعام 2013 التي صوت عليها البرلمان الأوروبي مؤخرا، إذ لا أثر لمبلغ الـ120 مليار يورو المخصص لهذا الغرض، كما أن الميزانية لم تلحظ زيادة رأس مال البنك الأوروبي للاستثمار (عشرة مليارات) التي اتفق عليها. يضاف إلى ذلك الغياب التام لقرار الاستدانة الجماعية للبلدان الأوروبية عن طريق إصدار سندات خزينة جماعية.

لم يقم هولاند بـ«ثورة كوبرنيكية» في ميدان السياسة الخارجية بل يصح القول إنه أجرى بعض «التعديلات» لكن الخط الرسمي لفرنسا استمر على حاله. باريس لم تنسحب مجددا من القيادة العسكرية الموحدة للحلف الأطلسي التي أعادها إليها الرئيس السابق. وبالمقابل، فقد نفذ وعده بسحب القوات الفرنسية المقاتلة من أفغانستان مع نهاية العام الحالي، بينما كان ساركوزي خطط لإنهاء الانسحاب بنهاية 2013.

وعلى الصعيد العربي والشرق أوسطي، استمرت الدبلوماسية الفرنسية على نهجها.. فقد اعترفت باريس بفلسطين في الأمم المتحدة دولة غير عضو واستمرت في إدانة المستوطنات الإسرائيلية من غير أن تتأثر علاقاتها بإسرائيل. وواظبت باريس على اتباع خط متشدد تجاه النظام السوري، وهي سياسة ساركوزي ووزير خارجيته آلان جوبيه. وكانت أول بلد اعترف بالائتلاف السوري للمعارضة وقوى الثورة، وقبلت استقبال سفير له بشخص المعارض منذر ماخوس واستمرت في دعم المعارضة واستجلاب الاعتراف الدولي بها والمطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد ونظامه. وكان هولاند أول من دعا إلى إعادة النظر بقانون حظر إرسال السلاح إلى سوريا «المعارضة» الأوروبي، كما نبهت فرنسا الرئيس السوري من مغبة اللجوء إلى استخدام الأسلحة الكيماوية.

وسيرا على سياسة أسلافه لجهة تعلقهم بلبنان، فقد خص هولاند بلاد الأرز بأول زيارة له إلى بلد عربي كما بين تعلقه بتقوية العلاقات مع السعودية التي انتقل إليها من بيروت مباشرة ووعد بالعودة إليها ثانية. ويرجح أن تتم الزيارة في شهر مارس (آذار) المقبل.

وواظبت باريس على خطها إزاء «الربيع العربي» لجهة تحديد قاعدتين للتعامل مع الأنظمة الجديدة، وهما اعتماد الديمقراطية نظاما سياسيا والابتعاد عن استخدام العنف. ويضاف إليها أحيانا احترام الأقليات وحقوق المرأة. غير أن المسؤولين الفرنسيين لا يخفون أحيانا قلقهم لجهة ما تؤول إليه الأنظمة والمخاوف من أن تحل ديكتاتورية جديدة «دينية» محل ديكتاتوريات سابقة. غير أن التحول الأبرز ظهر إزاء الجزائر التي زارها هولاند مؤخرا من أجل إرساء «مصالحة تاريخية» بين الشعبين الجزائري والفرنسي وقلب صفحة الماضي الاستعماري لبلاده. ورغم أن هولاند لم يصل إلى حد الاعتذار أو طلب الغفران على غرار ما فعلته فرنسا إزاء اليهود، فإنه «اعترف» بما ارتكبه الاستعمار الفرنسي من مجازر وتعذيب وانتهاكات «لا تتماشى مع قيم الجمهورية الفرنسية». ويريد هولاند، كما كرر ذلك في الجزائر وتلمسان، أن يفتح «زمنا جديدا» يقوم على الصداقة والتعاون الاستراتيجي والندية وإغلاق الملفات الخلافية.

وفي انتظار أن يبان الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فإن كلام الرئيس يبقى وعودا ويحتاج إلى زمن للتثبت مما إذا كان سيتحول إلى واقع.