باكستان: المسلحون ينتقمون من الأبرياء ردا على «حرب الدرون»

تسجيلات مروعة تقدم جانبا غير ملحوظ لحرب الطائرات من دون طيار في وزيرستان

صور العملاء الذين حددوا مواقع المطلوبين من جهاديين في الشريط القبلي قبل إعدامهم (نيويورك تايمز)
TT

إنهم رجال موتى يتكلمون، ويعلمون ذلك جيدا. يحملق السجناء بعصبية وتوتر، في عدسة كاميرا الفيديو، بينما يروون حكايات عن مؤامرات وخيانة وتجسس مدفوع الأجر لصالح الولايات المتحدة. ويتحدث البعض بأصوات مرتعشة ويطل الخوف من أعينهم، في حين يبدو الرضوخ والاستسلام على البعض الآخر. والجميع يتوسلون من أجل حياتهم.

يقول سيدينكاي، وهو شاب ينتمي إلى قبيلة: «أنا جاسوس وشاركت في أربع هجمات». وأوضح أنه حصل على 350 دولارا مقابل مساعدة طائرات الاستخبارات المركزية الأميركية، التي تعمل من دون طيار، في إصابة أهداف بمنطقة القبائل بباكستان. وكانت جبهته تتصبب عرقا ويبدو عليه الاضطراب وهو يقول: «ابعدوا عن الأميركيين». وأضاف بصوت متوسل: «ابعدوا عن دولاراتهم».

ليس لدى عناصر تنظيم القاعدة وحركة طالبان أنظمة دفاعية ضد الطائرات الأميركية التي تعمل من دون طيار والتي تحلق دائما في سماء المناطق التي يتمركز بها المسلحون في شمال وجنوب وزيرستان، وفي شمال غربي باكستان، بطول الحدود مع أفغانستان. وتسببت قذائف وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في قتل 246 شخصا على الأقل خلال عام 2012، وكان أكثرهم من المسلحين الإسلاميين بحسب المنظمات الحقوقية التي تراقب هذه الضربات. وكان من بين القتلى أبو يحيى الليبي، أحد منظري تنظيم القاعدة والرجل الثاني بها.

ورغم التفوق التكنولوجي الذي يتمتع به أعداؤهم، يستطيع المسلحون اتخاذ إجراءات مضادة قوية. ظل المأجورون المسلحون يبحثون لسنوات كثيرة في منطقة القبائل عن مخبرين يستطيعون مساعدة وكالة الاستخبارات الأميركية في العثور على الجهاديين وقتلهم. ويتبع المسلحون نهجا ثابتا راسخا أقرب إلى المطاردة منه إلى التحقيق، فقد تم اختطاف أفراد في قبائل من منازلهم وأماكن عملهم تحت تهديد السلاح وتعذيبهم. وتتولى المحكمة الدينية الموازية النظر في قضاياهم وعادة ما تصدر أحكاما تدينهم. ويتم إجبارهم بعد ذلك على الحديث أمام كاميرا فيديو. وتتنوع الاعترافات المسجلة، التي توزع بعد ذلك على أقراص مدمجة، من حيث الأسلوب والمحتوى، دون أن تختلف النهاية التي لا تخرج عن الإعدام شنقا أو رميا بالرصاص أو بقطع الرأس.

في اللحظات الأخيرة في حياة سيدينكاي تسجل الكاميرا وقوفه وسط منطقة متربة مع سجناء ثلاثة آخرين معصوبي الأعين، بينما تسطع أضواء كشافات السيارات الأمامية. ونسمع دوي سلسلة من الطلقات النارية وبعدها يتساقط الثلاثة على الأرض، دون أن يحدث لسيدينكاي أي شيء. المأساوي في الأمر هو أنه بعد تمشي المتهم بالتجسس في تثاقل وتحيره، تتجدد أصوات دفعة أخرى من الأعيرة النارية لترديه قتيلا.

وتقدم هذه التسجيلات المروعة لمحة عن جانب غير ملحوظ لحرب الطائرات التي تعمل من دون طيار في وزيرستان، والتي تمثل صراعا موازيا يتسم بجنون الارتياب بين المسلحين والعدو الأميركي الهلامي والذي عادة ما يروح ضحيته المواطنون الباكستانيون العاديون.

وخارج منطقة القبائل، كان أمر الضحايا من المدنيين هو أساس الجدل حول الطائرات الأميركية التي تعمل من دون طيار. الجدير بالذكر أن الضربات، التي تقودها وكالة الاستخبارات المركزية، أسفرت عن مقتل 473 على الأقل لا علاقة لهم بالقتال منذ عام 2004 بحسب منظمات حقوقية وهو ما يسلط عليه الضوء مناهضو تلك الهجمات مثل السياسي الباكستاني عمران خان.

مع ذلك يبدو أن دقة تلك الضربات الجوية تتحسن، حيث وصل عدد ضحاياها من المدنيين عام 2012 إلى 7 بعد أن كان 68 خلال العام الماضي بحسب مكتب الصحافة الاستقصائية الذي ينتقد إدارة أوباما بسبب حملة الطائرات التي تعمل من دون طيار.

على الجانب الآخر، يهدد المسلحون حياة المدنيين أيضا. ومع تركيز حملة الضربات الجوية الأميركية بشدة على قيادات طالبان و«القاعدة»، ينتقم المسلحون، الذين يخشون تلك الطائرات، من خلال التنكيل بالسكان المحليين، حيث أودت الحملات الإرهابية التي يشنونها عليهم بحياة الكثيرين، وزادت من إثبات هشاشة النظام في المجتمع القبلي. وتتعمد الرسائل المصورة، التي يسجلها متهمون بالتجسس، أن تكون مرعبة دون أن تلقي بالا بأنه قد يكون هناك أبرياء من بين المعتقلين. ويتم تسجيل الاعترافات تحت تهديد السلاح وعادة ما يعقبها تعذيب شديد بوسائل منها التعليق بواسطة خطاف لمدة تصل إلى الشهر على حد قول منظمات تعمل في مجال حقوق الإنسان.

يقول قائد رفيع المستوى في حركة طالبان باكستان في وزيرستان رفض ذكر اسمه: «عقوبة التجسس في كل المجتمعات المتحضرة هي الموت». ورغم أن لكل فصيل مسلح في وزيرستان فرقة الموت الخاصة به وأكبرها هي اتحاد المجاهدين بخراسان، والتي يعدها الخبراء الذراع الاستخباراتية المضادة المحلية لتنظيم القاعدة. ومنذ ظهور الجماعة، التي يقودها مسلحون من العرب والأزبك، عام 2009 وهي تحاول ترسيخ صورة شريرة عبر تمثيليات مصورة والممارسات العنيفة الوحشية.

ويتجول مسلحو خراسان، الذين يرتدون الملابس السوداء ويغطون وجوههم بأقنعة صوفية، في شمال وزيرستان بسيارات الجيب ذات النوافذ الداكنة. ويظهر في مقطع مصور، يعود إلى عام 2011، هؤلاء المسلحون وهم يفتشون على المرور تحت أشجار النخيل على أطراف مير علي، التي تعرف بأنها مركز للمسلحين. ويتوجهون بعد ذلك إلى وسط المدينة ويوزعون منشورات على أصحاب المتاجر قبل إعدام الرجال الثلاثة أمام محطة غاز. وفي خلفية المقطع المصور تظهر صيحات «أيها الجواسيس لقد باتت أيامكم في الحياة معدودة لأننا ننفذ هجمات عليكم».

وتتعاون جماعة اتحاد المجاهدين بخراسان مع أمير الحرب الأفغاني، جلال الدين حقاني، الذي يقيم في شمال وزيرستان. ونفذت إحدى الجماعات في أفغانستان عمليات إعدام واغتيال لـ250 شخصا بحسب الاستخبارات العسكرية الأميركية. وقال مصطفى قدري من منظمة العفو الدولية التي نشرت مؤخرا تقريرا عن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها المسلحون والعسكريون في منطقة القبائل: «الجميع يخاف منهم. ولا يعرف المرء من وراءهم بالحديد، لكنهم محترفون».

تقدم الشرائط المصورة التي تصورها جماعة اتحاد المجاهدين بخراسان وجماعات أخرى صورة صارخة من جانب واحد لمطاردة الجواسيس. وتشير الـ20 اعترافا المسجلة، التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، وكذا المقابلات التي أجريت مع سكان في منطقة القبائل، إلى أن أكثر المشتبه فيهم من أفراد القبائل الفقراء، ومن بينهم حلاقون وعمال بناء ومهاجرون أفغان. وتكشف روايات المتهمين عن قصص جاسوسية مأساوية درامية تتضمن تفاصيلها اجتماعات سرية وتنكرهم في زي مقاتلين في حركة طالبان أو باعة فاكهة أو حتى مدمني هيروين. ويتراوح المقابل المادي عن كل عملية بين 150 و450 دولارا.

وتوضح التسجيلات المصورة الخوف والارتباك الممزوج بلحظات مؤثرة تتحول أحيانا إلى لحظات من الكوميديا السوداء. ويقول البعض إنهم يوعدون بالحرية إذا قالوا «الحقيقة»، في الوقت الذي يستعد فيه آخرون لمواجهة الموت، حيث يقول حميد الله من المهاجرين الأفغان: «أخبروا والدي بعد أن أموت أن يدفع مبلغ 250 روبية أدين به لرجل من قريتنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»