دمشق من مدينة لا تنام إلى مدينة أشباح بعد الغروب

السوريون يحيون رأس السنة الكئيب «افتراضيا» على الإنترنت

TT

بكثير من الكآبة والحزن والتشاؤم يستقبل السوريون العام الجديد. فعدا تحول العاصمة دمشق إلى ما يشبه ثكنة عسكرية مفتوحة، يحتل معظم شوارعها الحواجز والعساكر بكامل عتادهم الحربي، تغيب الأنوار عن مدينة كانت لا تنام وباتت مدينة أشباح مع غروب الشمس، تسمع في أرجائها أصوات الاشتباكات والقصف المدفعي المتواصل ليل نهار.

وفي هذه الأجواء العصيبة، دعا كتاب سوريون إلى إحياء ليلة رأس السنة على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك». وبينما دعت الكاتبة والسيناريست كوليت بهنا إلى تكريس ليلة رأس السنة على الموقع لتذكر أهالي الشهداء والمعتقلين، أنشأت الكاتبة رشا عباس صفحة للمناسبة، ووجهت دعوة تسخر من الأوضاع تحت عنوان «سهرة رأس السنة 2013 الإلكترونية للمكتئبين والمفلسين والعصبيين». وجاء في نص الدعوة «بسبب الأجواء الكرنفالية والمبهجة للغاية والمشجعة على الاحتفالات وحب الحياة، التي سيقضي الكثيرون بسببها ليلة العام الجديد في منازلهم أو جحورهم، سنجتمع في سهرة إلكترونية اكتئابية جماعية.. مسابقات وألعاب نكدية مميزة، ركن خاص بالوسواس القهري والاضطرابات السلوكية، فقرة مميزة لرمي صور الحبيب / ة السابق / ة في المحرقة الجماعية، زاوية (مطرقة الأمهات) للحديث عن المشكلات العائلية».

وأعلن نحو 1200 مشارك انضمامهم إلى الدعوة، ومنهم من شارك في الصفحة بعشرات المنشورات التي تعبر عن الكآبة التي يعيشها السوريون. كما وجد آخرون الصفحة مناسبة للسخرية من التيارات المتطرفة، بالسؤال عن الممنوع والمسموح، لأنه في حال وجود ممنوعات سيتم إبلاغ «جبهة النصرة» للتصرف مع هؤلاء.

كما تساءل آخرون عن توقيت السهرة لأن المشاركين من السوريين باتوا مشردين في أنحاء عدة وهناك فارق كبير في التوقيت، ومن جانبه قدم أحد المشاركين بانورما ساخرة للأحداث عام 2012، وكتب: «سقوط النظام لأكثر من عشر مرات على قناة (العربية)، ونحو 36 مرة على قناة (أورينت)، المحاولة الدؤوبة لتوحيد الهيئات والوكالات والمجالس، التي تم تشكيلها لتوحيد المحاولات لتوحيد المعارضة السورية».

رشا عباس التي دعت للمناسبة عبرت عن استغرابها لكثرة عدد المكتئبين المفلسين والعصبيين، وكتبت: «يا جماعة أنا مذهولة بعدد المكتئبين في أصقاع الأرض. توقعت كلنا على بعض شي عشرة، بس هلأ رغرغت الدمعة بعيني لما شفت العدد». وطلبت رشا من المشاركين في المناسبة أن يساعدوها في إدارة الصفحة لأن متابعة كل هذا العدد من المشاركة الافتراضية سيرفع كلفة الإنترنت، وهي لا تملك المال الكافي لذلك. وسألت: «إذا ما لحقت أدفع الفاتورة من سيحمل عني الشعلة؟».

وبينما يعيش السوريون أجواء حرب قاسية، ويفتقرون إلى كل مظاهر العيد بسبب انعدام الأمان وارتفاع أعداد ضحايا الاشتباكات والقصف في مختلف أنحاء البلاد، نشرت جريدة «تشرين» الرسمية تقريرا اقتصاديا عن ارتفاع أسعار زينة أعياد الميلاد ورأس السنة. وقال التقرير إن: «موجة الغلاء التي تشهدها البلاد طالت أسعار مستلزمات أعياد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، ما تسبب في حرمان العائلات ذات الدخل المحدود من عيش عادات وتقاليد هذه الأعياد»، مشيرا إلى أن «سعر شجرة الميلاد بلغ 5 آلاف ليرة، بينما بلغ سعر طقم بابا نويل 3500 ليرة سورية».

واللافت أن الجريدة الرسمية لم تُشِر في تقريرها الذي تباكى على غلاء الزينة إلى أن هناك نحو مليونين ونصف مليون سوري بحاجة ماسة إلى الغذاء والدواء، وغالبيتهم بلا مأوى بسبب حالة الحرب التي يعيشونها، والتي حرمت السوريين عموما من فرحة الأعياد. وقال التقرير إن «عائلات كثيرة اضطرت إلى إلغاء تحضيرات كثيرة باعتبار أن شراء جزء من هذه المستلزمات يفوق راتب موظف بكامله بسبب تواصل أزمة الغلاء، من دون اتخاذ الحكومة أي إجراءات بهذا الخصوص، حيث تقاربت الأسعار في أسواق القصاع وباب توما ودويلعة نسبيا، نتيجة تشابه المنتجات المعروضة في أرجائها من ناحية النوعية والمصدر المصنع، مع ملاحظة ارتفاع أسعارها الواضح مقارنة بسنوات فائتة، خصوصا في ظل قلة المحال التجارية المختصة ببيعها، مع أن الباعة كانوا يتنافسون في وقت سابق لعرض هذه المنتجات نظرا للإقبال الكبير على شرائها». ونشر التقرير قائمة بأسعار زينة الميلاد وملابس بابا نويل، في وقت دمرت فيه معظم ورش صناعة الألعاب والزينات في ريف دمشق وفي مدينة حلب، الأمر الذي لم يلحظه التقرير الرسمي الذي ركز على تقصير الحكومة في معالجة أزمة ارتفاع الأسعار.