«النهب والسرقات وتقسيم الغنائم» ظاهرة تعم مدينة حلب

مأساة إضافية يعيشها أهالي المنطقة.. والاتهامات متبادلة بين طرفي النزاع

TT

عمت ظاهرة السرقة والنهب مؤخرا مدينة حلب، ووصفها الناشطون السوريون بـ«الفاجعة» التي تنهك المواطنين، إضافة إلى مأساة النزوح والقتل التي باتوا يعيشونها يوميا. وفي حين تبقى النتيجة واحدة، وهي أن أهالي المنطقة هم الضحية، تختلف الآراء في هذا الشأن بين اتهام مقاتلي المعارضة من جهة وقوات النظام من جهة أخرى.

فالناشطون المعارضون يشددون على أن الجيش النظامي و«الشبيحة» هم من يقومون بكل هذه الأمور، وذلك بشهادة أبناء المنطقة، بحسب ما يؤكد الناشط محمد الحلبي لـ«الشرق الأوسط»، فيما تأتي المعلومات التي نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية في تحقيق حمل عنوان «تقسيم الغنائم يغير مسار الثورة السورية»، لتؤكد بدورها مدى تفشي هذه الظاهرة في مدينة حلب، ولتشير في المقابل بأصابع الاتهام إلى عناصر الجيش الحر الذين يتقاسمون هذه السرقات في ما بينهم؛ لا سيما أن معظم هؤلاء يفتقدون إلى الدعم المادي والغذائي.

ويشدد الحلبي على أن الأهالي - منذ بداية المعارك في مدينة حلب - يعانون من فاجعة كبيرة تقوم بها قوات النظام وشبيحته، مضيفا «لقد قمت بجولة ميدانية في أحد الأحياء التي نجح الجيش الحر في تحريرها، وقابلت بعض السكان. ولن أبالغ في القول بأن 99 في المائة من العقارات في الأحياء التي استطاع الجيش النظامي السيطرة عليها قد تعرضت للنهب والسرقة، لا سيما أحياء صلاح الدين وسيف الدولة والإذاعة وبستان الباشا وسليمان الحلبي.. وهذا الأمر يجعل آلاف العائلات في مدينة حلب يدخلون متاهة الفقر والتشرد». ويشير الحلبي إلى أنه التقى إحدى النساء وهي تبكي وتصرخ بعدما تفقدت منزلها ودهشت لما أصابه، وقالت له إن «قوات النظام قتلوا ابني ودمروا بلدتي والآن نهبوا بيتي، البراد والغسالة استولوا عليهما بعدما كنا قد عمدنا إلى تقسيط ثمنهما لثلاث سنوات، حتى الطناجر لم يبق منها شيء..».

ويشير الحلبي إلى أن جميع الأحياء التي عمل النظام على استعادة أجزاء منها قام بتوجيه جنوده وشبيحته لسرقة البيوت فيها قبل عودة أهلها إليها. وبحسب أحد عناصر الجيش السوري الحر فإن عدد العقارات التي تعرضت للنهب والسرقة في هذه الأحياء قد تجاوز الـ100 ألف، بين منزل ومحل ومستودع.

في المقابل، لم تكن الصورة التي نقلتها «الغارديان» مختلفة عن تلك التي وصفها الحلبي، إنما، واستنادا إلى شهادات من الجيش الحر، فهنا المسؤولية تقع على عناصر الجيش الحر أنفسهم، الأمر الذي جعلها تعتبر أن أعمال النهب والنزاعات وانقسام الولاءات في مدن سورية عديدة، خصوصا حلب، باتت تهدد بتدمير وحدة مقاتلي المعارضة السورية.

تقول الصحيفة إن السيارات والأسلحة التي يغنمها المتمردون من القوات الحكومية أصبحت الآن «المحرك الرئيسي» للعديد من جماعات المعارضة المسلحة، مع سعي قادتها إلى زيادة نفوذهم. وتضيف أن أعمال السلب والنهب أصبحت الشغل الشاغل لبعض وحدات المعارضة المسلحة في مدن عدة، مما جعل الثورة في سوريا تأخذ منحى جديدا، حيث تحوّلت إلى صراع بين مجموعات المعارضة المسلحة «لتقسيم غنائم الحرب».

ويبرز، بحسب الصحيفة، هذا الجانب بوضوح في حلب بشكل خاص، وفقا لـ«أبو إسماعيل»، وهو ملازم شاب من عائلة ثرية كان يدير مشروعا تجاريا ناجحا قبل أن ينضم إلى القتال ضد نظام بشار الأسد، حيث يقول إن «العديد من الكتائب المقاتلة التي دخلت إلى حلب جاءت من الريف، ومعظمها فلاحون فقراء حملوا معهم قرونا من الأحقاد تجاه أثرياء المدينة». واعتبرت الصحيفة أن المقاتلين المعارضين كانوا مجموعة ثورية موحّدة، لكنهم مختلفون الآن، وهناك فئات موجودة في حلب للنهب وكسب المال فقط، وجماعات أخرى للقتال.

وأشارت إلى أن الكتيبة التي يقودها «أبو إسماعيل» مرغوب فيها أكثر من الكتائب المقاتلة الأخرى بسبب امتلاكها لإمدادات الغذاء والوقود، في حين يفقد غيره من القادة الميدانيين مقاتليهم لعدم قدرتهم على إطعامهم، ويضطر هؤلاء لتركهم والانضمام إلى مجموعات أخرى. ويعترف «أبو إسماعيل» بدوره بأن الوحدة التي يقودها مارست النهب لإطعام مقاتليها، وحصلت على وقود الديزل من مخصصات مدرسة، وقايضت صفائح الماء بالخبز.

كما تنقل «الغارديان» عن شخص يدعى النقيب حسام (عرفته بأنه أحد قادة مجلس حلب العسكري) قوله إن عددا من مسلحي المعارضة قتلوا أثناء تقسيم الغنائم وعمليات النهب، حيث لم يتبق متجر واحد أو مخزن حكومي في المدينة إلا وتم نهبه. وقال قائد آخر «في البداية كانت وحدات المعارضة المسلحة على قلب رجل واحد، أما الآن فقد انقسمت تلك الوحدات بين تلك التي تحارب في سبيل الثورة، وأخرى يقاتل بعضها بعضا من أجل تقسيم غنائم الحرب».