خبراء: لبنان ينتظر حسما إقليميا مصيريا في العام الجديد

يراهن على الانتخابات والتغيير في سوريا بعد تحديات سياسية وأمنية واقتصادية

رجال أمن لبنانيون وعمال إغاثة في موقع التفجير الذي شهدته منطقة الأشرفية المسيحية حيث انفجرت قنبلة في 19 من أكتوبر الماضي تسببت في قتل 8 أشخاص وجرح 78 أغلبهم من المسيحيين (أ.ف.ب)
TT

نادرا ما خلا شارع لبناني خلال عام 2012 من وجود مكثف للجيش اللبناني؛ إذ لفت التوترات الأمنية معظم المدن، مما بدا، واقعا، أنه ارتداد للأزمة السورية. وضمن هذا المشهد، كان الانقسام السياسي يزداد حدة على وقع التطورات السورية، ليأتي التحدي الأمني المستجد الناتج عن عملية اغتيال رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن، فتعمق الشرخ السياسي وتطور إلى مقاطعة أعادت لبنان إلى مرحلة عام 2005.

لكن تلك المرحلة، ورغم تشابهها مع عام 2012 لناحية انتظار استحقاق حاسم، هو الانتخابات النيابية، لم ترسم في يومياتها أفقا لاستحقاق يعيد خلط الأوراق اللبنانية. فبرأي الخبراء «ينتظر لبنان هذا العام حسما إقليميا مصيريا، وهو التغيير في سوريا الذي سيعيد تشكيل التوازنات اللبنانية من جديد، أسوة بما حدث في عام 1976».

هذا الرهان، ينقسم حوله اللبنانيون الذين يرى البعض منهم أنه مبالغ فيه، في حين يؤكد خبراء ومحللو مراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية أن التغيير في سوريا سيكون التحدي الأكبر بالنسبة للبنان كونه عاش أكثر من ثلاثين عاما في ظل حكم آل الأسد الذين أثروا في السياسة اللبنانية إلى حد كبير.

يوافق فريق 14 آذار على أن التغيير في سوريا «سيعيد تشكيل الخارطة السياسية في لبنان». في هذا الصدد، يوضح عضو كتلة المستقبل النائب هادي حبيش أن التغيير في سوريا «سيعيد اللبنانيين إلى إمكانية تغيير المعادلة القائمة في لبنان»، مؤكدا أن لبنان اليوم «يغيب فيه التوازن السياسي نتيجة لغياب التوازن في القوة». ويضيف: «في ظل وجود السلاح غير الشرعي وهيمنته على القرار السياسي والتلويح باستخدامه في المفاصل الوطنية، يجعل المبدأ القائم في لبنان هو ما لنا نمتلكه نحن فقط، وما لكم فهو لنا ولكم»! ولا يخالف حبيش الرأي السائد بأن لبنان بانتظار استحقاقات كبرى، قائلا: «لا شك أن لبنان ينتظر استحقاقات أساسية يتأثر بها، وتتصدر الانتخابات النيابية المقبلة قائمة تلك الاستحقاقات، لأنها ستعيد تشكيل الخارطة السياسية في لبنان».

ويلي ذلك الاستحقاق، التغيير في سوريا الذي وصفه حبيش بـ«الحتمي». ويشرح: «نتأثر بسوريا منذ أمد طويل لجهة الارتباطات، ولا شك أن التغيير فيها سيؤثر على الداخل اللبناني على مختلف الأصعدة». لكن هذا الرهان قد يصطدم بتوقيت يطول أمده، مما يعيد التوازنات إلى مرحلة الجدل التي رافقت الانتخابات النيابية في عامي 2005 و2009، التي فازت فيها قوى 14 آذار بالأكثرية.

في هذا السياق، ينفي حبيش أن تتعامل قوى 14 آذار مع القضية وفق القاعدة نفسها التي تعاملت فيها مع الأقلية بعد فوزها بالانتخابات في دورتين متلاحقتين. ويشرح: «أعتقد أننا كفريق سياسي، تعلمنا من تجربة الأكثرية الآن التي نادت بالديمقراطية بعد حصولها على الأكثرية حيث تحكم الأكثرية وتعارض الأقلية»، كما أن «التطورات السورية غيرت المعادلة، إذ كان فريق 8 آذار مدعوما من نظام متماسك في سوريا، بينما اليوم هو نظام يتهاوى وآيل للسقوط».

وعاش لبنان في عام 2012 أقسى موجة من التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية على خلفية الأزمة السورية، كان أشدها خطورة اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن. وأعاد التفجير الذي استهدفه في الأشرفية إلى الأذهان عمليات الاغتيال الأخيرة التي طالت سياسيين، خصوصا أنها ترافقت مع محاولتي اغتيال فاشلتين ضد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والنائب بطرس حرب، بالتزامن مع تلقي مجموعة من الشخصيات السياسية المحسوبة على قوى 14 آذار رسائل تهديد بالقتل من أرقام سورية.

ورافق هذا الاغتيال ارتداد أمني وصل إلى داخل العاصمة، إذ عاشت مدينة بيروت أياما مشحونة رافقها انفلات أمني كبير، غير أن الجيش اللبناني تحرك بقوة على خط قمع الظهور المسلح، ليستطيع بالتعاون مع الجهات السياسية الفاعلة على الأرض كبح الفلتان الأمني الذي كان علامة فارقة في بعض شوارع بيروت، بموازاة حملة سياسية دعت لإسقاط الحكومة ومقاطعة جلسات الحوار الوطني التي يترأسها رئيس الجمهورية ميشال سليمان.

وجاءت عملية اغتيال الحسن بعد أن «كبح» فرع المعلومات محاولة تفجير الوضع الأمني في لبنان، إثر اعتقاله الوزير الأسبق ميشال سماحة الذي اعترف صراحة بأنه كان مكلفا من النظام السوري بتنفيذ تفجيرات في منطقة عكار (شمال لبنان) تستهدف موائد إفطار، ومواقع رمزية عند الطوائف السنية والعلوية والمسيحية، لإحداث فتنة على مستوى المنطقة، كما اعترف أمام فرع المعلومات بإدخال 24 عبوة ناسفة مع صواعقها من سوريا إلى لبنان لاستخدامها في هذه العمليات الإرهابية.

وفي الإطار نفسه، اتهمت قوى الرابع عشر من آذار حزب الله، حليف النظام السوري، بإرسال مقاتلين إلى سوريا لدعم النظام، فيما اتهمت وسائل إعلام مقربة من الحزب زعيم تيار المستقبل سعد الحريري والنائب عقاب صقر المقرب منه بدعم المعارضة السورية بالسلاح. وأصدر القضاء السوري مذكرة توقيف بحق الحريري وصقر بجرم تسليح الجيش السوري الحر، لتبدأ حرب قضائية على مستوى غير مسبوق بين البلدين، وذلك ردا على اتهام قضائي لبناني طال اللواء علي المملوك، رئيس مكتب الأمن القومي في سوريا، إذ أصدر قاضي التحقيق اللبناني طلب استدعاء للمملوك ولعقيد سوري يُدعى عدنان (مجهول باقي الهوية) للاستجواب.

وليس بعيدا عن الأزمة السورية، أشعل اختطاف 11 لبنانيا من الزوار الشيعة في ريف حلب على يد فريق من المعارضة السورية، أبناء الضاحية الجنوبية في بيروت، الذي خطفوا تركيين اثنين وعددا من المعارضين السوريين لمبادلتهم بالزوار اللبنانيين، ولبناني آخر يدعى حسان المقداد اختطف في ريف دمشق، مما وضع لبنان أم تحدٍّ أمني، حسمه الجيش اللبناني في النهاية.

إزاء هذه الحادثة، ظهرت موجة «الخطف» السياسي والخطف مقابل فدية، التي وصفتها مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» بأنها «أخطر ما شهدته الساحة اللبنانية على صعيد الأمن الاجتماعي».

وسط هذا المشهد، كانت مشكلة الحدود اللبنانية - السورية، التحدي الأكبر في وجه اللبنانيين، أكثرية وأقلية، وسط الاتهامات السياسية بتهريب الأسلحة إلى داخل سوريا، والقتال إلى جانب النظام الذي اتهمت حزب الله به، أو المعارضة التي اتهمت قوى 14 آذار بأنها تقاتل إلى جانبها.

وتكمن مشكلة الحدود اللبنانية السورية بالاتهامات التي تتحدث عن تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى داخل سوريا، ومنها اتهامات الاستخبارات السورية التي تحدثت عن معلومات موثقة عن تحركات لمجموعات أصولية متشددة منتشرة في مناطق مختلفة في البقاع (شرق لبنان) وعكار (شمال لبنان)، ولا سيما في عدد من القرى القريبة من الحدود مع سوريا في البقاعين الأوسط والغربي. كما تكمن مشكلة الحدود اللبنانية في عدم ضبطها من الجانب اللبناني، مقابل انتشار واسع للجيش السوري على الجانب الآخر من الحدود، الذي زادت عمليات اعتداءاته داخل لبنان من قصف أو إطلاق نار أو خطف، على 7 حالات موثقة خلال هذا العام، ما أدى إلى ارتدادات سياسية على الداخل اللبناني.

بيد أن الجيش اللبناني، منذ تعزيز انتشاره على الحدود في شهر سبتمبر (أيلول) 2012، خفف من الجدل الذي أثير عن دوره، إذ حاول الجيش ضبط هذا الشريط الحدودي رغم خطورته ووعورته، حيث عزز عدد العسكريين المنتشرين على طول الحدود بقوات إضافية وبوحدات من الفوج المجوقل، كما نشر أيضا فوج الحدود ولا سيما في النقاط المتاخمة لخط الحدود، وهي الأكثر سخونة.

هدوء الجدل السياسي على الحدود قابله صخب في ملف النازحين السوريين الذين ازداد تدفقهم بشكل لافت في النصف الثاني من عام 2012، مع اقتراب المعارك من دمشق واشتدادها في ريف دمشق، إذ بينت الأرقام الأخيرة الصادرة على المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن عدد النازحين في لبنان تخطى الـ164 ألف شخص، بزيادة تبلغ نحو 119030 عما كانوا عليه في منتصف العام. وبمعزل عن التحدي الاقتصادي الذي وضعه هذا الرقم من النازحين بالنسبة للحكومة اللبنانية، أبرز هذا الملف هوة سياسية بين الفريقين المنقسمين اللذين اختلفا على التحدي الأمني الذي قد يضعه الملف أمام الجهات الموالية للنظام السوري، إذا ما سُلم جدلا بأن كثيرا من هؤلاء النازحين معارضون للنظام السوري. وردا على مضمون الرسالة التي وجهتها السفارة السورية لدى لبنان إلى وزارة الخارجية اللبنانية مطلع الشهر الحالي، أكد وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، قائلا: «إننا نتعامل مع مسألة النازحين من الناحية الإنسانية والنازح الآتي إلى لبنان لا يطلب منه أحد هويته أو نسأل عن انتمائه».

الملفات التي رمت الأزمة السورية بأثقالها على اللبنانيين كثيرة، ومنها التأييد والرفض للثورة السورية التي وضعت لبنان أمام تحدٍّ أمني كبير، أبرزت اشتباكات متكررة في مدينة طرابلس بين باب التبانة ذات الأغلبية السنية المعارضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وجبل محسن ذات الأغلبية العلوية المؤيدة له. وشهدت المنطقة 8 جولات من العنف على الأقل، كان أقساها في الشهر الأخير من السنة، الذي خلف 17 قتيلا وأكثر من 100 جريح، وكانت تنتهي في كل مرة بإقرار هدنة مؤقتة هشة سرعان ما تسقط.

قراءة الخبراء للقتال أن طرابلس خاضت معاركها بالوكالة عن الأطراف الفعليين في الأزمة، امتدادا للحرب في سوريا. وفي كل مرة، كان للجيش اللبناني الكلمة الحاسمة في إيقاف الاشتباكات، والرد على المتقاتلين، بعد أن يتوفر له الغطاء السياسي الكامل، والتفويض من السلطة السياسية والتنفيذية.

الجيش نفسه، كان له الدور الرئيس في حسم الأزمات الأمنية التي لفت لبنان بدءا من الحدود اللبنانية مع سوريا، وصولا إلى طرابلس وبيروت وصيدا، لتعكس الانقسامات اللبنانية حول ارتدادات الوضع السوري. وبرزت ظاهرة التشدد الديني على نحو لافت، في طرابلس وصيدا التي شهدت بروز الشيخ أحمد الأسير، وهي ظاهرة وتّرت المدينة المعروفة بالعيش المشترك، وهددت علاقة المدينة ذات الأغلبية السنية مع الجنوب ذي الأغلبية الشيعية، إثر الاعتصام الذي أقامه في المدينة لإقفال طريق الجنوب في محاولة للضغط الميداني على حزب الله لتسليم سلاحه.

وبين تلك التوترات والخضات الأمنية، احتلت القطيعة السياسية بين اللبنانيين رأس قائمة التطورات اللبنانية. سلك السجال اللبناني القائم بين المعارضة والموالاة منحى تصعيديا بسبب تمسك المعارضة باستقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على خلفية اغتيال اللواء وسام الحسن، قبل البحث بأي أمر آخر، ورفض الموالاة هذا الطلب ما لم يحصل اتفاق مسبق على الحكومة الجديدة على طاولة الحوار، تجنبا للوقوع في الفراغ، وهو ما أبقى المؤسسات الدستورية، خصوصا المجلس النيابي، في حالة من الشلل والعجز عن إقرار قانون عصري للانتخابات تنادي جميع الأطراف السياسية بإقراره.

تلك التطورات، يرجح الخبراء أنها مرشحة للزيادة في عام 2013، في ظل التوتر القائم على الحدود اللبنانية داخل الأراضي السورية، لكنها «لن تصل إلى مرحلة خلط الأوراق السياسية وتغيير في خارطة القوى اللبنانية على غرار ما جرى في عام 1976»، وهو العام الأول على بدء الحرب الأهلية اللبنانية.

ويشرح مدير مركز عصام فارس للدراسات اللبنانية د. عبد الله بوحبيب لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن «مرحلة عام 1976 كانت مختلفة عن هذه المرحلة لجهة الاختلاف على القضايا اللبنانية والإقليمية التي تقاتل اللبنانيون من أجلها»، مشددا على أن «إعادة توزيع قوى السلطة في لبنان الآن مستحيل، لأن خلافاتنا اليوم تمتد من الخارج، وهي مرشحة للاستمرار لوقت طويل».

وعلى الرغم من وصول التوتر إلى شفا المواجهة أكثر من مرة، يرى بوحبيب أن «نقطة التفاؤل اللبنانية تكمن في أن أيا من الأطراف السياسية في لبنان لا يريد الحرب، إذ تنطفئ الأزمات بسرعة بجهود من جميع الأطراف وبمساهمة منها»، مرجحا أن يشهد عام 2013 «عددا أكبر من الأزمات، منها تجدد الاقتتال في شمال لبنان وطرابلس بين محور باب التبانة وجبل محسن، كامتداد للأزمة السورية المتواصلة».

وإذ يُدرج الرهان على التغيير في سوريا لتغيير مواقع القوى في لبنان في خانة «الغباء السياسي»، يرى بوحبيب، الذي كان سفير لبنان السابق لدى الولايات المتحدة الأميركية، أن الحرب في سوريا طويلة، مشيرا إلى أن «كلا الطرفين في سوريا غير قادر على الحسم عسكريا، وبالتالي إذا فشلت مهمة الإبراهيمي، فإن الاقتتال سيزداد عنفا، لكن الحسم لصالح أحد الطرفين غير قائم»، لافتا إلى أنه «لا يمكن أن يتحقق التدخل الخارجي في سوريا لأن المنطقة ستتحول إلى ساحة حرب مفتوحة، وهو ما لا ترضاه الولايات المتحدة ولا أي من الدول الكبرى».

وإذا ما تغير النظام في سوريا، يقول بوحبيب إن «القوى السياسية اللبنانية لن تتغير بسهولة، على الرغم من أنه قد يضعف الفريق المؤيد للنظام السوري، ويقوي الفريق المعارض له بنقاط قليلة، لكن ضعف فريق لن يغيبه عن المشهد السياسي اللبناني». ويوضح أنه «بهذا المعنى، لا يمكن محو تيار المستقبل إذا استعاد النظام السوري أنفاسه، كما أنه لا يمكن محو حزب الله إذا سقط النظام في سوريا».

وفي وقت لا يمكن تجاهل أن جزءا من قوة حزب الله العسكرية مستمدة من بوابة دعمه الدمشقية، كما أن قوة بعض أقطاب فريق 8 آذار مستمدة من دعم النظام السوري، يؤكد بوحبيب أنه «حين نصل إلى حسابات الداخل اللبناني، تتغير الحسابات لأن القوى السياسية اللبنانية تمتلك أرضية شعبية واسعة تحفزها على الاستمرارية في موقعها السياسي وفي الانتخابات».

وتضع القوى السياسية اللبنانية، على أبواب عام 2013، قائمة بالأولويات تحاكي التحديات المحتملة. فقوى 14 آذار، وضعت المواطن اللبناني على رأس القائمة. ويلفت النائب هادي حبيش إلى أن التحدي أمام هذه القوى «هو بناء الدولة، والقضاء على مظاهر إخلال الدولة، والالتفات إلى المواطن اللبناني بعد أن عجزت الحكومة الحالية على تلبية متطلباته». ويضيف: «لا يمكن القول إن الفريقين يدعمان المواطن ومشروع الدولة، فيما أحدهما يدعم الميليشيات ويتسلح خارج نطاق الدولة اللبنانية، مما يدفع الفريق الآخر لأن يتسلح بغرض الدفاع عن نفسه».

وعن الخطة السياسية، يقول حبيش إن «قوى 14 آذار ستدخل العام المقبل بنفس سياسي جديد وتطبيق نفس قوى 14 آذار السيادي بغية المساهمة في قيام دولة حقيقية لكل الناس، فيها جيش واحد ومؤسسات لكل المواطنين على حد سواء».

وفي خضم الجدل السياسي والترددات الأمنية التي طغت أحداثها على عام 2012، كان التحدي الاقتصادي من أبرز القضايا التي حاصرت الحكومة اللبنانية بالإضرابات التي نفذتها النقابات وموظفو القطاع العام للضغط عليها بهدف إحالة سلسلة الرتب والرواتب على المجلس النيابي لإقرارها، بالتزامن مع إضرابات واعتصامات لمختلف القطاعات الحيوية، ومنها الجامعات والمدارس ونقابة سائقي السيارات العمومية.

وتتواصل التحديات الاجتماعية والاقتصادية، بحسب الخبراء، في عام 2013. ويوضح عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأنطونية الدكتور جورج نعمة أن أول التحديات الاجتماعية أمام لبنان يتمثل «بإقرار سلسلة الرتب والرواتب، ودفعها من اقتراحات ضريبية، وليس من النقد»، مضيفا أن التحدي الآخر هو «فتح ملف تأهيل الموارد البشرية في القطاع العام وإعادة دراسة توزيع الموظفين على المؤسسات العامة بغية إيقاف التوظيف في 5 وزارات لبنانية تنوي الحكومة التوظيف فيها»، إذ ترهق الرواتب والأجور الموازنة العامة «كونها تستهلك 25 في المائة من الموازنة العامة». كما يتوجب على الحكومة إيجاد حل للفاتورة الصحية «وذلك عبر زيادة اشتراكات الضمان الاجتماعي من المؤسسات لتخفيف العجز في دفعها من الموازنة العامة».

وفي الملف الاقتصادي، يشير نعمة إلى تحديات اقتصادية تنتظر الدولة، أهمها «استحقاق إقرار الموازنة بأسرع وقت، بعد أن كان من المفترض أن يقره مجلس النواب قبل شهرين، وجرى تأخيره لارتباطه بسلسلة الرتب والرواتب وهو مخالفة واضحة لقانون المحاسبة العمومية»، كما أنه أمام الحكومة «تحدي تأمين إيرادات ضريبية عادلة إضافية وليس تقليدية لتخفيف العجز، لأن الدين العام تخطى رقما كبيرا جدا»، فضلا عن «مراقبة وضبط الأسواق وتفعيل الرقابة على الأسعار وإقرار قانون المنافسة المؤجل في مجلس النواب منذ 7 سنوات»، مشيرا إلى أنه «يتوجب على الهيئات العمالية الضغط باتجاه إقرار هذا القانون لكسر الاحتكار وضبط الأسعار، بالإضافة إلى ضرورة إعادة توزيع نفقات الموازنة من الوزارات الخدماتية إلى الوزارات الإنتاجية».

وإذ يؤكد أن مواجهة التحديات الاقتصادية «تحتاج إلى رؤية موحدة وتوافق على الملفين الاقتصادي والاجتماعي»، يلفت نعمة إلى أن الأزمة السورية وضعت تحديات كبيرة بوجه لبنان الذي يتوجب عليه «تأمين أسواق بديلة للقطاعات الصناعية والزراعية التي توقف تصديرها إلى الداخل السوري، وتحفيز أنواع أخرى من السياحة، مثل الصحية والتربوية، بعدما ضربت الأزمة السورية سياحة لبنان، وضبط الحدود أمام إغراق السوق اللبنانية بالبضائع المغرية المقبلة من سوريا عبر المنافذ غير الشرعية بأسعار زهيدة، بسبب الحظر الاقتصادي على سوريا، مما أدى إلى استنزاف مؤسسات لبنانية وإغلاقها، فضلا عن طلب مساعدات دولية لرعاية النازحين السوريين».

وخلافا للقول السائد إن اقتصاد لبنان في عام 2013 سيكون منهارا، يلفت نعمة إلى أن لبنان سيشهد نموا عاليا في أسواقه «بسبب استحقاق الانتخابات النيابية التي يتخللها الإنفاق على الناخبين».