«يوم السيادة» يضع العراق على حافة تقسيم عرقي ـ طائفي

بسبب عدم الاتفاق حتى الآن على الثلاثية الشهيرة في العراق وهي علم ونشيد وعيد وطني

TT

رغم عدم الاتفاق حتى الآن على الثلاثية الشهيرة في العراق وهي علم وطني متفق عليه، ونشيد وطني يحظى بقبول الجميع، وعيد وطني موحد فإن الحكومة العراقية التي يقودها ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي حرصت على إبراز عملية الانسحاب الأميركي من العراق قبل سنة من الآن باعتبارها أحد أهم الأيام منذ سقوط النظام السابق عام 2003. حتى الانسحاب الأميركي لم يكن الموقف منه موحدا سواء بين الطوائف العراقية أو الكتل السياسية سواء من كان منها مشاركا بالبرلمان والحكومة ومن هو خارجها. فأبناء المناطق الغربية من العراق وغالبيتهم من العرب السنة يعتقدون أن المقاومة الوطنية التي أجبرت الأميركيين على الانسحاب من البلاد انطلقت من مناطقهم. لكن هذه المناطق التي ظل يطلق عليها لسنوات تسمية «المثلث السني» اتخذت خلال فترة الحرب الأهلية (2005 ـ 2008) صبغة طائفية واضحة، بحيث برزت بعد تدمير قبة سامراء التي تحوي مرقدي الإمامين الشيعيين العاشر علي الهادي والحادي عشر الحسن العسكري مفردات شديدة التعصب مثل (النواصب) للسنة و(الروافض) للشيعة.

وفي مقابل ذلك، فقد برزت قوى من داخل الصف الشيعي لمحاربة الأميركيين (جيش المهدي التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وعصائب أهل الحق التي انشقت عن التيار الصدري والتي يتزعمها قيس الخزعلي). والعام الأخير لوجود الأميركيين في العراق وقبيل انسحابهم بشهور أطلق الصدر تشكيلا عسكريا هو لواء (اليوم الموعود) الذي كان يعلن عن العمليات التي يقوم بها ضد الأميركيين. كما برزت قبل ذلك حركة حزب الله التي كان من بين أبرز قادتها اللبناني علي موسى دقدوق الذي اتهم باختطاف جنود أميركيين في محافظة كربلاء جنوب العراق. وفي وقت أتم فيه الأميركيون انسحابهم من العراق فإنهم تركوا دقدوق وديعة لدى الحكومة العراقية بعد أن كانوا طالبوا بتسليمه إياهم لمحاكمته في «غوانتانامو».. لكن القضاء العراقي وبعد شهور أعلن عن إطلاق سراح دقدوق لعدم كفاية الأدلة وسط غضب الأميركيين. ليست هذه هي المرة الأولى التي يحتفظ فيها الأميركيون بغضبهم أو يكظمون غيظهم مما فعله العراقيون معهم. فحتى «يوم السيادة» كانت نظرة الأميركيين له على أنه اليوم الذي منحت فيه الولايات المتحدة الأميركية العراقيين هذا اليوم بعد أن حررتهم من نظام صدام حسين وبذرت بين صفوفهم الحرية والديمقراطية، بينما نظرة الحكومة العراقية تختلف تماما عن النظرة الأميركية، حيث ركب الجميع موجة المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، بحيث كان كل طرف يدعي أنه هو من عمل على إخراج الأميركيين من العراق بمن في ذلك الحكومة العراقية التي وقعت مع الأميركيين اتفاقية أطلق عليها اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» التي تعني تعاونا أميركيا ـ عراقيا للسنوات العشر القادمة.

مع ذلك فإن الحكومة العراقية ترى هي الأخرى مثل باقي المقاومين العراقيين ممن بات بعضهم ينخرط الآن في مشروع المصالحة الوطنية بأنها انتزعت هذا اليوم انتزاعا. ومؤخرا احتفلت الحكومة العراقية بما سمته يوم السيادة والمصالحة الوطنية والذي مجده رئيس الوزراء نوري المالكي خلال الكلمة التي ألقاها في المؤتمر. لكن طبقا لرؤية عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي الذي حضر المؤتمر والذي قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «أكثر ما يلفت النظر في هذا المؤتمر والمهرجان أنه ليس هناك من الحضور سوى الحكومة ومن يؤيدها من أطراف بينما لم تحضره أطراف أخرى كان يفترض أن يكون لها دور في المقاومة وفي المصالحة معا». وأضاف فهمي «يبدو أن السبب الواضح أن الحكومة ومؤيديها يريدون الاستئثار بهذا اليوم دون سواهم»، معتبرا أن «هذه واحدة من مفارقات العراق الجديد». لكن قصة العراق الجديد لن تتوقف عند هذا الحد. فبعد سنة من انسحاب الأميركيين وما يفترض أنه يوم للسيادة الوطنية فإن هذه السنة شهدت أزمتين هما الأخطر في العراق منذ عشر سنوات وما زالتا مستمرتين حتى عام 2013. وهما أزمة عرقية قومية مع إقليم كردستان إلى الحد الذي بدا فيه إعلان استقلال الدولة الكردية وكأنه مجرد قرار لا أكثر. ليس هذا فقط فإن عددا من نواب دولة القانون بدوا أكثر حماسا لانفصال الأكراد في وقت تفتخر فيه الحكومة التي يتولون رئاستها بـ(يوم السيادة) الوطنية. والأزمة الثانية هي مذهبية طائفية مع العرب السنة حيث تعلن مدنهم ومحافظاتهم الغربية العصيان المدني بسبب ما يعتبرونه تهميشا وإقصاء. ويحصل ذلك في وقت بات فيه الحديث عن الأقاليم وكأنه أمر شبه طبيعي. ويحصل ذلك أيضا في وقت تقيم فيه الحكومة العراقية في بغداد المزيد من الاحتفالات بيوم السيادة الذي وضع البلاد بعد سنة فقط على حافة التقسيم العرقي والطائفي.