مكسيكو سيتي: فرصة عمل على دراجة تحمل الأمل في حياة أفضل

الرئيس الجديد للبلاد يعيد تشكيل المكسيك على أنها أعجوبة اقتصادية

الفنانة أمور مونوز تقدم فرصة عمل عبر ميكروفون على دراجتها (نيويورك تايمز)
TT

علا صوت فرصة العمل المفاجئة على ضوضاء المرور.. كانت الرسالة صادرة من ميكروفون ضخم مثبت في سلة على الدراجة البيضاء التي تقودها أمور مونوز الفنانة التي كانت ترتدي سترة سوداء اللون: «مصنع للأنسجة الإلكترونية يقدم فرصا للعمل. مائة بيزو في الساعة».

حتى في شوارع هذه العاصمة المزدحمة، حيث تتدفق عبارات المبيعات من ميكروفونات مثبتة على أي شيء يسير على عجلات، كان هذا الإعلان هو الأوضح.. هل كان إعلانا عن عمل؟ ومقابل 7.5 دولار في الساعة، أعلى بقليل من أدنى أجر أميركي؟

كانت تلك ساعة الذروة، وفي ذلك الوقت توقفت مونوز في موقعها المعتاد خارج مستشفى في أحد الأحياء الواقع على أطراف مدينة مكسيكو سيتي، وتكون طابور الراغبين في العمل بالفعل. اصطفت النساء من جميع الأعمار؛ إحداهن تحمل طفلا وأخرى عجوز غير قادرة على المشي، وفتحت مونوز صندوقا خشبيا أبيض يحوي خيوطا وإبرا وقماشا وبطاقات تسجيل مواعيد العمل وعقود توظيف. تضمن العمل إنتاج قطع فنية تفاعلية تمزج الفن القديم للحياكة بإلكترونيات القرن العشرين وموضة القرن الحادي والعشرين الذي يسمح لمستخدمي الهواتف الجوالة بمعرفة الشخص الذي قام بصنع قطعة معينة.

وقالت السيدة مونوز: «الأمر كله متعلق بالمجتمع، وأنا مهتمة بمشاركة الخبرة الفنية».

إذا كان ذلك هو محور اهتمامها الوحيد، لكان ذلك كافيا لأن تجعل أشد عشاق التكنولوجيا يهيمون بها وقد تم تكريمها مؤخرا ضمن سياق المهرجان الذي أقامته مجلة «آرس» إلكترونيا، وهي مجلة محلية تقيم مهرجانا سنويا في النمسا للتكنولوجيا. لكن خلف نظارتها السميكة وابتسامتها الخفيفة، تود مونوز أن تبعث برسالة.

قالت إن مصنعها «فانتازيا»، يهدف إلى إدانة الأوضاع الصعبة للاقتصاد العالمي الذي يستغل ويتجاهل العمال الفقراء، خاصة النساء، للحفاظ على انخفاض الأسعار.

وبينما يحاول الرئيس الجديد للبلاد إنريكي بينا نيتو، إعادة تشكيل المكسيك بوصفها أعجوبة اقتصادية، بمعدل نمو يفوق البرازيل، يعتبر مصنع مونوز قوة تعويضية؛ دراسة الواقع المتقلب التي تؤكد على الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تعاني منها المكسيك.

فعلى صعيد الأجور على سبيل المثال، يصل الحد الأدنى للأجور في المكسيك إلى 60 بيزو في الساعة، وعلى الرغم من ارتفاع متوسط الرواتب في مجال الصناعة خلال العقد الماضي، فإنه لا يزال عند 3.50 دولار في الساعة، بحسب الإحصاءات الحكومية، ووفق تقديرات مكتب إحصاءات العمل في واشنطن، أي ما يعادل ثلثي قيمة نظيرتها في البرازيل، حيث ساعدت مزايا النمو الاقتصادي قسما أكبر من العمال في الخروج من دائرة الفقر.

يدرك الاقتصاديون المشكلة، فيقول لويس دي لا كالي، الذي عمل سابقا في الحكومة المكسيكية، والذي ساعد في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية: «نحن بحاجة إلى زيادة الرواتب كي نصبح دولة حديثة بحق». لكن في وقت تحاول فيه المكسيك تحسين صورتها والتستر على حرب المخدرات العنيفة، امتدح المسؤولون الحكوميون انخفاض الأجور في المكسيك على أنها وسيلة إيجابية للمنافسة مع الصين. وعبروا عن اعتقادهم بأن السوق سترفع الأجور في النهاية.

ولم تبد مونوز رغبة في الانتظار، ووصفت الأجور المكسيكية بالمهينة للكرامة البشرية، وفي كل مرة يظهر مصنعها المتحرك تظهر قوة العمل بأجور معقولة. والحشود التي تجتمع حولها عادة ما تكون كبيرة، وأحيانا ما يتدافع الأشخاص للعمل لمدة ساعتين والحصول على 15 دولارا.

في وقت مبكر من الشهر الحالي ضم الفريق قرابة اثنتا عشرة امرأة وشابا واحدا، كل ما استطاعت مونوز توفيره. كثيرون مثل سارة بيرغرينو، 50 عاما، كن ربات بيوت عملن في السابق في مهنة الحياكة. أما الباقون من أمثال ديفيد كويروز، 18 عاما، عامل في شركة تاكسي، فيناضل لوضع الخيط في الإبرة دون أن يوخز نفسه.

قال الجميع تقريبا إن المال الذي يحصلون عليه يذهب إلى أمرين لا ثالث لهما: الطعام وهدايا عيد الميلاد. وتقول باتريسيا زامورا، 33 عاما وأم لطفلين جاءت إلى العمل مع جارتها بيرغرينو: «هناك مشقة بالغة في إمكانية حصول النساء على عمل في المكسيك. وإذا حصلن على العمل، فالأجور متدنية للغاية».

بدت كثيرات من النساء سعيدات بالحصول على فرصة عمل ضمن مشروع فني، فبدت ماريا غونزاليز، 75 عاما، التي ابتسمت ابتسامة عريضة عندما تسلمت إبرة وعدلت من وشاحها القرمزي، سعيدة للغاية بصنع شيء عوضا عن القلق بشأن زوجها الذي يرقد في المستشفى، وقالت: «إن الحياكة دون التفكير في الواقع نوع رائع من الإلهاء». وافقت مونوز على ذلك، ووقفت بجوارها، منتظرة اللحظة الأفضل بالنسبة لها من اليوم عندما دفعت للعمال والتقطت الصور التي ستنشرها على الإنترنت مرفقة بالأعمال الفنية، موضحة أن تلك وسيلة لإبراز إمكانات هؤلاء العمال، لكنها أشارت إلى ماضيها كونها أحد أبناء الطبقة العاملة.

وقد اعتادت في طفولتها على اللعب بين المطارق والمسامير داخل متجر الأدوات المعدنية الذي كان يملكه والداها في حي يقع على أطراف المدينة مثل ذلك الحي الذي أقامت فيه مصنعها، وهي تقول إنها تقدر دائما العمل اليدوي ولا تشعر أبدا بالراحة تجاه الجلوس على مكتب، حتى بعد أن حصلت على شهادة جامعية في الحقوق.

وقد كانت المنسوجات في الماضي هواية بالنسبة لها، حيث اعتادت على جمع أردية «الويبل» التقليدية التي تنتشر في المكسيك وأميركا اللاتينية، ولكن عندما قررت أن تصبح فنانة في عام 2006، عادت إلى القماش والخياطة. ويتضمن عملها الآن مزيجا من المنسوجات والتكنولوجيا، فكثير من القطع التي تنتجها تشمل صورا مصنوعة بالخياطة، وبها دوائر كهربائية تتيح للمستخدم الضغط على الأزرار الخاصة بالأصوات أو بعروض الضوء. وعلى سبيل المثال، فإن الأعمال المكتملة في مشروع المناطق الصناعية الحرة المتنقلة سوف تصدر أصواتا تشبه صوت سيارة الإسعاف.

وعلى غرار كثير من الفنانين الشباب الآخرين في العاصمة، فهي تحاول أن تدفع المكسيك إلى الأمام من خلال الجمع بين التقاليد الأقدم عهدا وتفاعلية الإعلام الاجتماعي وتطوير البرمجيات ذات المصدر المفتوح، وهي تحلم بالعثور على تمويل من أجل إقامة مزيد من المصانع المتنقلة. ولا يعادل عدم ثقتها في الحكومة وقطاع الصناعة سوى التفاؤل الذي تبديه عند الحديث عن قوة الشباب الموحد، حيث تقول: «في وجود التكنولوجيا، فإن كل شيء يمكن أن يتم بصورة ديمقراطية.. إنه أمر رائع».

ولكن مع ذلك، فإن التفاعلات الإنسانية هي أكثر ما تقدره بيرغرينو، لذا فعندما جاءت فجأة وقدمت إلى مونوز حقيبة بلاستيكية وردية اللون بعد الحصول على المقابل، بدا التأثر على الأخيرة، وتبادلت السيدتان العناق بينما كانت مونوز تضع الهدية في سلة الدراجة الهوائية إلى جانب البوق، ولم تفكر في النظر بداخلها سوى لاحقا، لتجد وشاحا أرجواني اللون تمت خياطته يدويا بطريقة توحي بأنه لا بد أن يكون قد استغرق أياما من أجل الانتهاء منه.

* خدمة «نيويورك تايمز»